شعراء عباسيون منسيون ( أبو عبدالله السنبسي ) إنموذجاً

شعراء عباسيون منسيون ( أبو عبدالله السنبسي ) إنموذجاً

 

بقلم : أ. م .د. رائد عكلة خلف

قسم اللغة العربية

زخرت كتب الأدب العربي بشعراء واعلام مشهورين ، غصت بهم المصادر والمراجع وتوزعت أخبارهم في المظان ، فصاروا اشهر من نار على علمِ ، إلاّ أن هذه المصادر لم تنصف فئة أخرى من الشعراء ، غاب ذكرهم وقلت أخبارهم ، فصاروا في طي النسيان - مع العلم إنهم معاصرون لأولئك الشعراء الاعلام – ومنهم شاعرنا ( السنبسي ) هذا الشاعر الذي لم يحظِ باهتمام وعناية ، إلا في دراسة واحدة ، إذ تم فيها جمع شعره مع مجموعة من الشعراء تحت مسمى ( شعراء الأنبار في العصر العباسي من سنة 135-656 هـ ) جمع وتحقيق ، للباحث إبراهيم حمادي صالح ، وهي رسالة ماجستير مقدمة إلى مجلس كلية التربية للبنات في عام 1999، لذا آثرت أن استقرئ وأسلط الضوء على شعر هذا الشاعر، ونتعرف على ابرز مميزاته ، ولكن في البدء يتوجب علينا أن نتعرف على هذه الشخصية ، والتي لا يُعرَف الكثير عنها سوى أنَّه ولِدَ في مدينة هيت على ضفة نهر الفرات في عائلة تعود أصولها من جهة الأب إلى قبيلة نمير ومن جهة الأم إلى قبيلة طي ، اشتهر( السنبسي ) في مدينة الحلة شاعراً في صفِّ سيف الدولة أبي الحسن صدقة بن منصور، أمير بادية العراق من بني مزيد، فلمَّا قُتِل سيف الدولة في 501هـ ، تولَّى أبنه دبيس الإمارة، فحاول السنبسي التقرُّب منه فخاب ظنُّه، فغادر الحلة إلى بغداد، وتوطَّدت علاقته هناك مع جلال الدين الحسن بن علي بن صدقة، وكان وزيراً في خلافة المسترشد، فأجزل عطاءه، تُوفِّي أبو عبد الله السنبسي في سنة 515هـ ، في مدينة بغداد.

أما عن شعرهِ تبين لنا بعد استقرائنا لأشعاره ، أن مجموع أبياته الشعرية بلغت (237) بيتاً ، جاءت في  ( 36  ) مقطوعة وقصيدة ،  وكان عدد المقطوعات (27) مقطوعة ، وعدد القصائد تسع،  تنوعت بين المديح في سبع قصائد، والغزل في ثماني مقطوعات والوصف في إحدى عشرة مقطوعة ، والحِكم في اربع مقطوعات ، والحنين في مقطوعتين ، والفخر في  مقطوعة واحدة ، والشكوى في مقطوعة واحدة ، والرثاء في مقطوعتين ، وتوزعت هذه الأبيات في المقطوعات والقصائد على البحور الشعرية، وكانت الأكثر على البحر الطويل  والكامل والبسيط ، وقلت في الخفيف و المنسرح  والمتقارب والوافر ، وقد امتاز شعره بشكل عام بالرقة والعذوبة ولاسيما في أبياته الغزلية والجزالة والرصانة في أبياته المدحية .

وختاماّ يمكن القول : إن شاعرنا كان مجوّداً ، مغزلاً ، مغرِّداً ، مليح الكلام ، حسن النظام ، لإلفاظه حلاوة ، وعليها من جودة النسج طلاوة ، وصّال للديار الدوارس ، مولع بذكر الابل والقفار البسابس ، خبير بأخبار العرب وأشعارها بصير بأيامها ووقائعها ، وآثارها ، كان مسبوك النقد، جيد الشعر، سديد البديهة، شديد العارضة ، تتفق له أبيات نادرة ما يوجد مثلها ، ومن جميل شعره قوله :

يا قاتلي عمداً بسحرِ كلامه ِ       ومعذبي أبداً بطول غرامه ِ

ألا وصلتَ على الصبّابةِ مُدنفاً    وَصَلَ الغرامُ سقامةُ بسقامةِ

يهوى الرقادَ لعل طيفكِ يلتقي   بخياله فيراكَ عند منامهِ

وقوله :

عوّد ركابك كل يومٍ منزلا    وتنقـُّلاً كي لا تمل َّ وتضجرا

فالماءُ يعذبُ ما جرى وتلاطمتْ  أمواجُهُ ، فإذا أقام تغيَّرا