قصيدةُ صوت صفير البلبل نُسبت خطأً إلى الأصمعي، وانتشرت بينالناس، حتى تجد بعض المثقفينيلقونها على مسامع الناس من دون تدقيق وتوثيق، لا بل ذهب البعض إلى أكثر من ذلك فاتجهوا إلى شرحها ودراستها،فأحببت في هذا المقال أن أبيّن أنَّ هذه القصيدةليست للأصمعيلأسباب منها: تأريخية، فنية ،لغوية ونحوية.
ملخص قصة القصيدة:
(قصيدة ينسب نظمها إلى الأصمعي يتحدى بها الخليفة العباسي أبا جعفر المنصور بعد أن ضيق على الشعراء فهو كان يحفظ القصيدة من أول مرة يسمعها فيها فكان يدّعي بأنه سمعها من قبل فبعد أن ينتهي الشاعر من إلقاء القصيدة يقوم الخليفة بسرد القصيدة إليه، وكان لديه غلام يحفظ القصيدة بعد أن يسمعها مرتين)
أولا: الجانب التأريخي:
ذكر الخطيب البغدادي في كتابه تأريخ بغداد عن الأصمعي بقوله:
(وكان من أهل البصرة، وقدم بغداد في أيام هارون الرشيد)
واكد ذلك شيخ المحققين عبد السلام محمد هارون في مقدمة تحقيقه لكتاب(الأصمعيات)
إذن لقاء الأصمعي بالمنصور لم يحدث اصلا ،لأن الأصمعي جاء إلى بغداد في زمن حفيد المنصور هارون الرشيد.
فضلا عن ذلك لم تذكر المصادر التراثية على كثرتها شيئا عن هذه القصيدة، وعلى الرغم من أهمية اللقاء المفترض بين الخليفة المنصور والأصمعي سوى ما ذكره لويس شيخو في كتابه مجاني الأدب في حدائق العرب ، بالآتي:
(بأن هذه القصة رويت في كتاب "حلبة الكميت " للنواجي وهو من أدباء القرن التاسع الهجري ثم تابعه الإتليدي في كتابه "إعلام الناس بما وقع للبرامكة مع بني العباس"، وقد توفي بعد سنة 1100هـ)
فلم تذكر القصة إلا بعد أكثر من سبعة قرون من حدوثها!!، مما يدلُّ على تهاوي هذه القصة من أصلها وهناك من ينسبها إلى غيره.
ثانيا: الجانب اللغوي:
فكل من يقرأ القصيدة " وهو لغوي سوف يرصدأخطاء لغوية ونحوية، وجمعها لمفردات لم ترد أصلا في اللغة، وهذه الأخطاء لا يقع فيها مبتدئ في علم اللغة فكيف نصدّق أن يقع فيها رجل كالأصمعي من أكبر علماء اللغة؟! وهذه بعض الأمثلة من مطلعها، يقول:
هيّج قلبي الثملِ
والصواب : هيج قلبي الثملا وهو صفة لقلبي المنصوب بهيّج، ثم قال:
فكم وكم تيمنيغزيّلٌ عقيقل
والصواب:غزيلٌ عقيقلُ بالضم صفة للفاعل المرفوع، فكيف يجوز كسره، وكذلك لا توجد في العربية مفردة عقيقل، شأنها شأن المفردات التي ذكرها وهيليست من العربية في شيء، مثل (الدمدملي والطبطبلي والعرنجل) وغيرها ... بعيدة كلَّ البعد عن قياس لغتنا الفصحى، فضلًا عنأنَّها مكسورة الوزن في بعضها أو من أوزان مختلفة.
ثالثًا: الجانب الفني
نجد ضعف القصيدة فنيًّا ،فلا أسلوب آخَّاذ، ولا صورة جميلة، ولا عاطفة جياشة، ولا خيال مبدع، ولا ألفاظ رقيقة ولا معاني راقية، بل نجد مجرَّد رصف كلمات ، ولا تشبه بأيّ حال من الأحوال الشعر العباسي في القرن الثاني الهجري.وفي الختام أقول: إنَّ اللغة العربية فيها اللؤلؤ والمرجان والياقوت، وفيها أعذب الألفاظ وأدقها معنىً، وأجمل الصور، فهل يعجز شيطان الشعر (الأصمعي)على أن يأتي بمثلها!!!