مستقبل الزراعة في العراق في ظل النقص الحاد بالمياه مطلع القرن القادم

مستقبل الزراعة في العراق في ظل النقص الحاد بالمياه مطلع القرن القادم

 

أ. د. شكر محمود حسن المحمدي

قسم علوم التربة والموارد المائية / كلية الزراعة – جامعة الانبار

المقدمة

تعد المياه وتوفيرها في العراق هاجس لكثير من الباحثين والمحللين والمخططين في جميع انحاء العالم. ورغم اهمية العمل على توفير الكميات اللازمة من المياه للاستعمالات المدنية والصناعية والزراعية, الا ان نوعية المياه بدأت تأخذ اهتماماً متزايداً نتيجة للتدهور الملحوظ على نوعية المياه بسبب التلوث بجميع اشكاله. لذا يتوقع بعض الباحثين ان مستقبل المياه في الكثير من دول العالم سيواجه العديد من المصاعب بسبب القيود السياسية والاقتصادية والبيئية, الا ان هذا سيفتح الباب على مصراعيه لاكتشاف وتطوير تقنيات حديثة واقتصادية تساعد على ترشيد المياه وتعمل على توفير المياه بالنوعية المناسبة. كما سيؤدي الشح بالموارد المائية الى الاهتمام بل والتركيز على الادارة المثلى لمشاريع المياه للأغراض المدنية والصناعية والزراعية.

دور المياه في الزراعة العراقية    The role of water in Iraq agriculture

     لعبت الزراعة دوراً اساسياً ومهماً في توطين المجتمعات البشرية وازدهار حضاراتها, وهذا ما عكسته حضارات وادي الرافدين التي تعد اولى الحضارات التي عرفها البشرية. وقد كان سكان وادي الرافدين على قدر من التمدن والرقي في استخدام انظمة الري وتخزين مياه الري اثناء الفيضانات وانشاء السدود والنواظم لتصريف المياه وفقاً للاحتياجات التي تتطلبها الزراعة.

     بالرغم من السياسة المائية في العرق قد ارتكزت على مبدأ ربط سياسة استغلال المياه بسياسة الاراضي والامن الغذائي, الا انه لا زالت هنالك الكثير من المعوقات التي تجابه حسن استغلال المياه في الزراعة الاروائية نتيجة صعوبة التخطيط السليم لهذا المورد بسبب ما يتعرض له من مخاطر تتمثل بما يلي:

1. السياسة  المائية  التركية  التي تحاول  الهيمنة على القدر الاكبر من واردات نهري دجلة  والفرات  ضمن مشروعاتها  ا    التخزينية والاروائية.

2. استخدام اساليب وطرق الري التقليدية التي تتسم بكفاءاتها المتدنية والتي ما زالت  السائدة  في  الزراعة  الاروائية في ا    العراق ومنها الري السطحي والذي يتسم بالسلبيات الآتية:

أ. ضعف الاهتمام بالأسس والمعايير التصميمة للقنوات الحقلية متمثلةً:

أولاً: بالتصريف. ثانياً: عمق الجريان. ثالثاً: المعايير المتعلقة بتهيئة الارض, ومنها اعداد الارض, التسوية وطول وعرض اللوح.

ب. الهدر في استخدام المياه التي قد تصل كميتها الى 50% من مجمل كمية المياه المستخدمة في الارواء, اذ نجد ان عمق الماء المضاف في الرية الواحدة قد يصل الى 110ملم في حين ان متوسط المطلوب (المتوفر) 75ملم.

جـ. عدم معرفة مستخدمي المياه بفترات الري الصحيحة وكذلك زمن الري وعمق المياه الواجب اضافتها والكثافة الزراعية.

     ان الهدر لا يتعلق بالمزارع فقط وانما بادارة مشروع الري, وقدرة هذه الادارة على تشغيل وصيانة شبكات الري, وتقدر مصادر وزارة الري ان كمية المياه المفقودة في قنوات النقل والتوزيع تبلغ 2.2 مليار متر مكعب سنوياً.

     لذلك يتوقع ان تكون المياه غير كافية لزراعة كل الاراضي القابلة للارواء, وانما يمكن ان يتاح من مياه يكفي لارواء مساحة لا تتجاوز 14 مليون دونم في احسن التقديرات, نتيجة للانخفاض المتوقع في وارد نهري دجلة والفرات عند استكمال المشروعات التركية ضمن ما يسمى (بمشروع الكاب(.

مستقبل الزراعة في العراق في ظل محدودية مورد المياه

The future of agriculture in Iraq with limited water supply

     يعتبر مورد المياه هو العامل الاكثر تحديداً لتطوير الزراعة الاروائية في العراق واكبر الدعامات لتحقيق الامن الغذائي الوطني, ونظراً لما يتعرض له هذا المورد من مخاطر في كميته ونوعيته تنعكس سلباً على الزراعة العراقية جراء قيام تركيا بسحب كميات كبيرة ضمن مشروعاتها المائية. مما يتوقع ان ينخفض هذا الوارد الى مستويات قد لا تؤمن زراعة نصف الاراضي القابلة للارواء في العراق, وخاصة اذا ما استمرت طرق الري الحالية على وضعها التقليدي ( الري السطحي) وهذا ما يتوقع على الاقل خلال العقد الاول من مطلع القرن القادم.

     وبناءاً الى ما تقدم يتوقع ان يجابه الزراعة الاروائية في العراق مشكلتين رئيسيتين هما:

1. الانخفاض في كمية الموارد المائية المتاحة

2. تردي نوعية الموارد المائية وتأثيرها على خصوبة التربة وبالتالي على مستقبل الزراعة العراقية خلال القرن القادم

     ان ما يتاح من مياه لا يكفي الا ثلث الاراضي القابلة للارواء واذا ما اريد من زراعة كل الاراضي البالغ الصافي منها 18.6 مليون دونم قد حصل عجز بلغ مقداره 16.5 مليار متر مكعب عام 2000 وارتفع الى 33 مليار متر مكعب عام 2020 وقد يزداد اكثر واكثر للاعوام اللاحقة. وهذا ما يشير الى ظهور عجز كبير يواجه الزراعة العراقية بمورد المياه والذي يحد من تطورها ونمائها... الامر الذي يتطلب بذل كل الجهود المكثفة, اعتماداً على ما يلي:

1. العمل على اعتماد المقننات المائية العلمية للمحاصيل الزراعية للزراعة العراقية وعدم الاستخدام الكيفي من اجل الحد م   من الاستخدام غير المبرر لهذا المورد المهم.

2. العمل على تقليل الضائعات من خلال صيانة وادامة مشاريع الري والبزل والعمل على تبطين القنوات الناقلة للمياه للحد للحد من التسرب الذي يحدث اثناء النقل والتوزيع.

3. استخدام طرق الري الحديثة وتوسيع نشرها في الزراعة العراقية وخاصةً طريقتي الري بالرش والري بالتنقيط لما لها م    من فوائد في رفع كفاءة الري من 47% الى 78% واكثر من ذلك.

4. العمل على تهيئة الارض وتسويتها بشكل علمي وفني من خلال استخدام ونشر التسوية بالليزر لتقليل الضائعات من  ال  المياه

5. الاستفادة من مياه البزل في زراعة بعض المحاصيل ذات المقاومة للاملاح وخاصة مياه النهر الثالث.

6. العمل على تطوير المعدلات الانتاجية لوحدة المساحة للتعويض عن المساحات التي لا يمكن زراعتها بسبب شح المياه. ا    اي تنمية الزراعة عمودياً من خلال استخدام مستلزمات الانتاج الحديثة كالبذور والاسمدة ونشر المكننة الحديثة.