الأمن المائي والتنمية المستدامة

الأمن المائي والتنمية المستدامة

 

الاستاذ الدكتور مشعل عبد خلف

قسم الاقتصاد الزراعي

تعد المياه عصب الحياة في اي بقعة على الارض وتعد من اهم الموارد الاقتصادية التي يجب ان تكون ملكيتها عامة بعد الهواء مع ان يكون التصرف بها مراعيا للمصالح العامة للمجتمع ولا يجوز الاضرار بها او استخدامها بطريقة تضر بسلامتها. وان التنمية المستدامة تعني استخدام موارد المجتمع الطبيعية بما يضمن الحفاظ على حقوق الاجيال القادمة. ولذلك فان اي تنمية مستدامة في اي بلد يجب ان تحافظ على المورد الاقتصادي الاهم للحياة متمثلا بالمياه من حيث الكمية والنوعية.

ان الأمن المائي يتمثل بضمان حصول كل افراد المجتمع وفي كل الاوقات على الكميات الكافية من المياه والصالحة للاستخدام المطلوبة لأجله. اذ يحتل الامن المائي اولوية في كثير من بلدان العالم التي تعاني من ندرة مواردها المائية وقد حدد العلماء خط الفقر المائي ب 500 م3 للفرد سنويا واعتبر 1000 م3 من الماء العذب للفرد كمستوى لتحقق الامن المائي وهو قد يرتبط بالأمن الغذائي الذي تشير التقارير بان انتاج غذاء الفرد السنوي يتطلب ما يزيد على 2000 م3 من الماء. ولذلك فان العراق حاليا أصبح أمنه المائي على المحك ما دامت ايراداته المائية السنوية التي يمكن استخدامها تقل عن 40 مليار م3، اذ ان جزءا كبيرا من الايرادات المائية تتعرض للتبخر واخرى تغيض في التربة وكميات اضافية لازمة لإدامة جريان الانهر الى نهاياتها. ويعد اي بلد يستخدم 40% من وارداته المائية الكلية سنويا من البلدان التي تعاني من حدة ندرة المياه في البلد بحسب مؤشر ندرة المياه او ما يسمى مؤشر استدامة المياه.

      ان العراق بحاجة الى مجلس أمن مائي عراقي يتألف من كفاءات لها خبرة وتفوض بصلاحيات تساعدها على ادارة ملف المياه الخارجي وربطه بالمصالح المتبادلة فضلا عن الاستفادة من القوانين التي تحكم توزيع المياه بين البلدان المتشاطئه والاسراع في هذا الملف قبل ان تعد التحويرات التي تقوم بها دول الجوار العراقي لمجاري الانهار واقع حال يفرض ظروفا جديدة لا يمكن تجاهلها في المستقبل ولن تكون في مصلحة المفاوض العراقي. ويجب ان   تكون كفؤة ورشيدة في استخدام المياه الواردة وتوازن بين واردات المياه واستخداماتها وتضع اولويات لتلك الاستخدامات وبما لا يتجاوز كميات التجديد في المياه مع ضمان خزين استراتيجي من المياه لمواجهة سنوات الجفاف.

     ان ذلك يتطلب من تلك الادارة مراعاة جانب عرض المياه من خلال ادارة ملف المياه بطريقة تعظم المعروض المائي في البلد من خلال زيادة الواردات المائية الخارجية من جهة وزيادة كميات المياه المحصودة في الداخل من جهة اخرى. اما في الجانب الاخر فلابد من ادارة ملف الطلب على المياه بطريقة علمية تزيد من انتاجية وحدة المياه ويتم توزيعها بين الاستخدامات المختلفة وفق قيم نواتجها الحدية. ولابد ان تتذكر الادارة بأن لوحدة المياه كلفة ولها قيمة ويجب ان يكون لها سعر.

     ان وحدة المياه الموجودة في اي مكان سواء في النهر او في الجداول او في قنوات الري او في صهاريج الخزن في باطن الصحاري او في البحيرات او في المواسير في البيوت عليها تكلفة جزء منها تعد تكلفة اجتماعية يتحملها المجتمع متمثلة بتكاليف خزن المياه وتنظيم جريانها والحفاظ عليها من التلوث من خلال السدود والنواظم والكري والادارة وجهود ومصاريف حصاد المياه. ولذلك على كل من يعمل في هذا الملف ان يحسب تكلفة وحدة المياه التي قد تختلف من سنة لأخرى ومن مكان لآخر.

   كما يجب ان نتذكر بان لوحدة المياه قيمة تتمثل بقيمة الناتج الحدي المتحقق في فرص الاستخدام البديلة. ولذلك يجب استخدامها في الفرص التي تحقق قيما أكبر لكي لا تكون قيمة المياه اقل من تكلفتها بل على العكس يجب ان تكون تلك القيمة في الغالب اعلى من تكلفة وحدة المياه ويجب ان يستمر العمل على رفع تلك القيمة من خلال تحسين تقنيات استخدام المياه وتقليل الهدر فيها.

    وقد تكون بعض البلدان بحاجة الى ان تضع سعرا لوحدة المياه يتمثل بما يجب ان يدفعه مستخدم المياه عن وحدة المياه المستخدمة وهذا السعر يجب ان يكون رمزيا مع ان تراعى به تكلفة المياه من جهة وطريقة واسلوب الاستخدام من جهة اخرى بهدف رفع كفاءة استخدام المياه ويمكن ان يخضع لدعم متفاوت يمنع الاسراف في استخدام المياه. فضلا عن دور القوانين والتشريعات في تنظيم عمليات استخدام المياه بما يضمن التنمية المستدامة، ويبقى الاهم من كل ذلك العمل على زيادة الوعي بأهمية المياه وبأهمية الحفاظ عليها من خلال الاعلام ومنظمات المجتمع المدني في البلد.   

لتحميل المقالة انقر هنا