التضخم الأخضر.. ضريبة مستحقة
م.م نعم عبد الحميد فواز الكبيسي
تدريسية في قسم الاقتصاد الزراعي
في هذا العالم الحركي وفي ظل التغيرات والتحولات العالمية يظهر لنا بين الحين والأخر مصطلح اقتصادي جديد ناتج عن ظروف وتحولات اقتصادية مفروضة ما يجعله واقع يجب التعايش والتكيف معه . ان التضخم الأخضر يعني الارتفاع في الأسعار الناجم عن السياسات المطبقة والواجب تنفيذها من اجل التحول الى الاقتصاد الأخضر وهذا الأخير يهدف الى إيجاد بدائل طاقة اقل تلوثا واكثر حفاظا على البيئة من الطاقة المستخدمة حاليا .
يرتبط مفهوم التضخم الأخضر بالتحولات العالمية المرتبطة بالتغيرات المناخية والتي شغلت دول العالم بشكل كبير في الحقبة الزمنية الأخيرة خاصة بعد اكتمال مفهوم التنمية المستدامة بكل ابعادها في تسعينيات القرن الماضي ,حيث شكل البعد البيئي ركيزة أساسية فيها وهو يهدف الى تقليل استخدام الوقود الاحفوري الملوث للبيئة والذي يرتبط استخدامه بالعملية الإنتاجية وبالاستهلاك الفردي له والحفاظ على البيئة من الاستنزاف .
ان عملية التحول المطلوبة ليست بالعملية البسيطة, فهي من ناحية عملية مكلفة تتطلب استثمارات كبيرة في مجال الطاقة ومن الناحية الاخرى هي عملية طويلة الاجل , كل ذلك يشكل ضغطا كبيرا على الأسعار .
ان ارتفاع تكاليف استخدام الطاقة الملوثة بفعل السياسات التي تحاول تقليل استخدامها كضرائب الكربون والتي تعتمدها اغلب الدول الصناعية يعمل على ارتفاع التكاليف في الصناعات التي تستخدم هذه الطاقة وهذا الامر قد يولد امرين: الأول انخفاض الإنتاج في هذه الصناعات ما يعمل على رفع الأسعار والثاني قد يحدث ان يتم تمرير الارتفاع بالتكاليف الى المستهلك وهذا يولد اتجاه صعودي في الأسعار أيضا !
ان الاتجاه الصعودي للأسعار امر متوقع وتؤكد الكثير من الدراسات انه ولغاية عام 2040 سيشهد العالم تضخماً ملحوظاً , لكن لم يتم تحديد نسبة الارتفاع بالتحديد لان الامر يتوقف على حجم البدائل الاقل تكلفة والتي يمكن ان تتوفر على المدى القصير اما على المدى الطويل فتشير الكثير من الدراسات انه من المتوقع ان هذا التحول الأخضر سينعكس سلبا على التضخم أي ان التضخم سيتراجع على المدى الطويل بعد ان تتكيف الصناعات مع البدائل المتاحة ما يؤثر إيجابا على جانب العرض .
ان دول العالم متوجهة وبشكل سريع نحو التمويل الأخضر والذي يقدم للمشاريع الصديقة للبيئة والتي تقوم بإنتاج منتجات اقل تلوثا او تستخدم طاقة قليلة التلوث او تستثمر في مصادر الطاقة البديلة , ويعول على الصين كونه من اكبر المنتجين في العالم واكثرهم تلويثا للبيئة لإحداث تغير ملحوظ باستخدام طاقة اقل تلوث او استخدام تكنولوجيا بديلة وتؤكد الدراسات حول الاقتصاد الصيني ان النتائج المستقبلية للتحول الأخضر فيه ستعمل على انخفاض ملحوظ في معدل التضخم على المدى الطويل .
ان التضخم العالمي غير محدود المدى أي ان مداه سيصل لكل الدول وسيقع ضرره الأكبر على الدول الفقيرة بسبب ضعف البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية والبيئة . ان مهمة التحول الأخضر هذه والحفاظ على البيئة هي مهمة تشاركية تستدعي دعم الدول المتقدمة للدول النامية وهذا ما اكدته واتفقت عليه اغلب القمم المناخية العالمية الا ان السياسات الاقتصادية التي اعتمدتها العديد من حكومات الدول ومنها الدول العربية كالمبادرات التي اطلقتها البنوك المركزية كالبنك المركزي العراقي في مجال الطاقة المتجددة لازالت خجولة جدا في احداث التغير المرغوب مع ضعف كبير للوعي بخطورة هذه المشكلة التي تهدد كل سكان الكوكب . ان التضخم ما هو الا ضريبة مستحقة للبيئة لعدم تقدير العالم لها.