الزائر الأصفر وتكرار اجتياحه للعراق

الزائر الأصفر وتكرار اجتياحه للعراق

أ.م.د. محمد موسى حمادي

كلية الآداب/ قسم الجغرافية

يعيش العراق على وقع بات يتكرّر بين الحين والآخر في خضم عواصف ترابية مستمرة تجتاح اغلب محافظاته، مخلفة الألاف من حالات الاختناق، فضلا عن تأثيراتها الاقتصادية على مختلف القطاعات، إلا أن تزايد عدد مرات حدوثها وشدتها أصبح مثيراً للقلق وحتى الذعر، وبات يسبب في بعض الأحيان إعلان حالة الطوارئ والإغلاق الكامل في المنشآت والمؤسسات العامة.

يعد العراق من الدول الخمس الأكثر عرضة لتغير المناخ والتصحر في العالم؛ بسبب تزايد الجفاف نتيجة لقلة هطول الامطار، مع ارتفاع درجات الحرارة التي تتجاوز في الصيف الخمسين درجة مئوية، مما انعكس أثر ذلك بشكل ملحوظ على الغطاء النباتي الذي أصبح فقير جداً لاسيما في تلك المناطق المكشوفة، وهي ممتدة إلى دول تحّد العراق، مما يتطلّب جُهدًا مَع الدول المجاورة لمكافحتها وتقليل أثر هذه المشاكل.

توقعات وزارة البيئة العراقية تشير بحلول العام (2055) م الى ارتفاع عدد الأيام المغبرة في السنة إلى (300) يوم، وهذا ما أكده تقرير في صحيفة" الجارديان" البريطانية الذي دق ناقوس الخطر بالقول إن العراق يواجه سخونة متزايدة وجفاف، إذ تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن متوسط درجات الحرارة السنوية سيتزايد بمقدار درجتين مئويتين بحلول العام 2050. مؤكدة أن هذه التغيرات المناخية ستكون عامل أساسي في زيادة موجات الغبار، أما الإحصائيات المسجلة من قبل الهيئة العامة للأنواء الجوية، فقد ارتفع عدد الأيام المغبرة من (243) يومًا إلى (272) يومًا في السنة لفترة عقدين من الزمن الاخيرة. ويمكن اجمال بعض الأسباب الرئيسة للعواصف الترابية في العراق بما يلي:

1- قلة الامطار. وهي المسبب الرئيس للجفاف، الذي بدوره يؤدي الى قلة الغطاء النباتي وجفاف البحيرات والأنهار داخل البلاد وفقدان تماسك التربة، جميعها عوامل ساهمت بشكل مباشر بتشكل العواصف الترابية.

 2- التصحر. الذي يعتبر مشكلة واسعة النطاق لا تتعلق بالعراق فقط، وإنما هي مشكلة إقليمية مرتبطة بالتغيرات المناخية. 

 3- الرياح. إذ تتسبب العواصف الرعدية أو التفاوت الشديد في الضغط المرتبط بالأعاصير زيادة في سرعة الرياح فوق المناطق الشاسعة. وتحمل هذه الرياح القوية بدورها كميات كبيرة من الأتربة من الأراضي الجرداء الى الغلاف الجوي، ثم تنقلها عبر مسافات تصل إلى مئات بل وآلاف الكيلومترات.

4- تجريف المناطق الخضراء وتحويلها الى مناطق سكنية. أصبح الزحف العمراني على الأراضي الزراعية من المهددات الرئيسة التي تعاني منها البيئة الطبيعية، مما شكل ذلك تحد?اً ليس على مستوى العراق فحسب بل لمعظم دول العالم، بسبب تزايد السكان بمعدلات عالية وتوسع النشاط الحضري واستهلاك الموارد الطبيعية بعيداً عن مبادئ الاستدامة.

 5- اهمال الحزام الأخضر؛ الذي يتكون من مصدات خضراء منها: أشجار الكالبتوس والصفصاف والأثل وغيرها من الأشجار التي تستطيع تحمل الجفاف وملوحة الأرض، والتي بالفعل كانت مزروعة في سبعينيات القرن الماضي في العراق حول بعض المدن بهدف صد الأتربة في ذلك الوقت.

بعد العام 2003م أعيد الحديث عن مشروع "الحزام الأخضر"، إلا أنّ المشروع أهمل كغيره من المشاريع الأخرى، في حين تشير تصريحات وزارة الزراعة إلى "حاجة العراق لأكثر من (14) مليار شجرة لإحياء المناطق التي تعاني من التصحر".

وفقاً للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، تعتبر العواصف الترابية أحد أكثر المخاطر الجوية شيوعاً، وتحدث بشكل رئيس في المناطق القاحلة وشبه القاحلة. تشكل المصادر الرئيسة لهذه الأتربة المناطق القاحلة في شمالي إفريقيا، وشبه الجزيرة العربية، ووسط آسيا، والصين، ثم تأتي بدرجة أقل، استراليا وأمريكا وجنوب إفريقيا. وبعد أن ترتفع الجزيئات الترابية إلى طبقات عليا من الغلاف الجوي؛ بسبب الخلط المضطرب والتيارات الجوية الصاعدة بفعل الحمل الحراري. تنقل الرياح هذه الجزيئات لفترات متفاوتة قبل أن تهبط إلى السطح مرة أخرى، ولأن الجزيئات الكبيرة تسقط أسرع من الجزيئات الصغيرة، يحدث تحول خلال عملية الانتقال نحو الجزيئات الأصغر، مما يجعل فترة بقاء الجزيئات الترابية في الغلاف الجوي تتراوح من عدة ساعات بالنسبة إلى الجزيئات التي يتجاوز قطرها (10) ميكرومترات، إلى أكثر من (10) أيام للجزيئات التي يقل قطرها عن ذلك.

تتألف (40%) من طبقة التروبوسفير (الطبقة الدنيا من الغلاف الجوي الأرضي) من جزئيات ترابية بفعل التعرية الريحية، والمصادر الرئيسة لهذه الأتربة المعدنية هي المناطق القاحلة. التقديرات العالمية للانبعاثات الترابية، المستمدة أساساً من نماذج المحاكاة، تتراوح بين (1-3) جيجا طن سنوياً.  

ويمكن اجمال بعض الأضرار للعواصف الترابية:

1- يمثل التراب المحمول جواً خطراً على صحة الإنسان، بينما يحدد حجم الجزيئات الترابية المخاطر المحتملة على صحة الإنسان، فالجزيئات التي يزيد حجمها على (10) ميكرومترات لا يمكن استنشاقها، وبالتالي لا يمكن أن تؤثر إلا على الأعضاء الخارجية، وتتسبب في أغلب الحالات في التهابات في الجلد والعين، والتهاب الملتحمة، وزياد التعرض لعدوى العين.

2- الجزيئات التي يمكن استنشاقها، الأصغر من (10) ميكرومترات، فإنها تُحتجز في أغلب الأحيان في الأنف والفم والجزء الأعلى من القصبة الهوائية، ويمكن أن يكون لها صلة من ثم بالاضطرابات التنفسية مثل الربو والتهاب القصبة الهوائية والالتهاب الرئوي والتهاب الأنف التحسسي.

3- إن الجزيئات الأدق حجماً يمكن أن تصل إلى الجزء الأسفل من القصبة الهوائية وتدخل في مجرى الدم؛ حيث يمكن أن تؤثر على كافة الأعضاء وتتسبب في اضطرابات في الأوعية القلبية.

4- إن خطورة العواصف الترابية باتت أكثر ضراوة، إذ لم يقتصر ضررها على الجانب الصحي فحسب بل تتعداه لتشمل جميع جوانب الحياة للإنسان؛ مسببه شلل تام لها، ومخلفة خسائر مادية قاسية جداً تصل الى مئات المليارات خلال ساعات قليلة.