الخِدَبُّ النَّحويُّ(ت580هـ) دراسة في سيرته وثقافته

الخِدَبُّ النَّحويُّ(ت580هـ) دراسة في سيرته وثقافته

أ.د. حليم حماد سليمان

قسم اللغة العربية

كلية التربية الأساسية / حديثة - جامعة الأنبار

لقد شهدت الأندلس حركة لغويّة كبيرة ؛ بسبب هجرة كثير من علمائها إلى بلاد المشرق للدراسة فيها ، فضلاً عن ذلك فقد رحل كثير من علماء المشرق إلى بلاد الأندلس للتدريس فيها،وهذا الأمر أدّى بشكلٍ كبيرٍ إلى ازدهار الحركة العلميّة فيها ،ومن هؤلاء العلماء البارزين في الاندلس هو الخِدَبّ النَّحويّ فمَن هو؟

هو أبو بكر محمّد بن أحمد بن طاهر الأنصاري الإشبيلي النّحوي،ولقبه الخِدَبّ،ومعناه:الرجل الطويل الضخم.

ولِد أبو بكر في مدينة إشبيلة ولم تذكر المصادر سنة ولادته ،تعلّم العلم في إشبيلة وأخذ عن شيوخها ،وفضلاً عن اهتمامه بالعلم كان يعمل تاجراً وخيّاطاً ،وقد وصفته المصادر بأنه بخيل حريص على جمع المال،ولذلك قيل في أخلاقه))شرس الخُلُقِ عسر اللقاء ،مشتطاً على طلبة العلم فيما يشترطه عليهم جُعلاً على إقرائه إيّاهم ،ضابطاً في اقتضائه إيّاه منهم...)).

وقد كان أبو بكر فَهماً مشهوراً وحافظاً بارعاً،وكان من النّحويين الحذاق ،فقد قيل فيه))كان رئيس النحويين بالمغرب في زمانه بلا مدافعة، وأفهمهم أغراض سيبويه، وأحسنهم قياماً على كتابه، وأنبلهم إشارة إلى ما تضمّنه من فوائد)).

اشتهر الخِدَبّ بتدريس كتاب سيبويه، ومعاني القرآن للفرّاء، والإيضاح للفارسي، فقد كان يعتني بهما كثيراً، فضلاً عن اهتمامه بكتاب الأُصول في النّحو لابن السرّاج.

كانت له كثير من الرحلات داخل البلاد المغربيّة وخارجها ،فقد رحل إلى مدينة فاس،ثمّ قصد بيت الله الحرام ،وأقام أيّاماً في مصر يُقرئ النّاس ،وبعدها غادر إلى حلب واستقرّ بها ،وبعد هذه الرحلات رجع إلى المغرب إلى أن توفّي فيها،وقد اختلف في سنة وفاته فمنهم من قال :سنة 580هـ،ومنهم من قال :سنة 583هـ،والأقرب إلى الصحيح سنة 580هـ ؛لإجماع أكثر المصادر عليه ،وأمّا مكان ولادته فقد أجمعت المصادر على أنّه توفّي في بجاية.

أخذ أبو بكر علمه عن شيوخ عدّة، منهم :أبو الحسن الأخضر(ت514هـ)،وأبو القاسم بن الرّماك(ت541هـ)،وأبو الحسن بن مسلم البلوي(كان حيّاً في سنة 539هـ).

أمّا عن تلاميذه فمن أشهرهم :أبو ذر الخشني الأندلسي(ت604هـ)،وابن وخروف الحضرمي(ت609هـ)،وأبو الحسن بن هشام الشرشيني(ت616هـ).

ومن مؤلفاته:كتاب الطرر،وهو تعليق على كتاب سيبويه، وكتاب تعليق على الإيضاح لأبي علي الفارسي،وتعليق على كتاب معاني القرآن للفرّاء،

كانت للخِدَبِّ النّحوي آراء نحوية قرأتها في كتاب الهمع للسيوطي منها:

أنّ العامل في الخبر إذا كان ظرفاً أو جارّاً ومجروراً لايكون مقدّراً نحو:زيدٌ عندك،وفي الدّارِ زيدٌ،وهذا خلافٌ لمن ذهب إلى أنّه ينتصب بفعلٍ مقدّرٍ تقديره:زيدٌ استقرّ أمامك،ومنهم من يرى:أنّه ينتصب بتقدير اسم فاعل تقديره:زيدٌ مستقِرٌّ أمامك،ومن آرائه أيضاً أنّ معنى(رُبّ)تكون لمبهم وتكون تقليلاٌ وتكثيراً،خلافاً لمن ذهب إلى أنّها للتقليل دائماً ،ورأي من ذهب أنّها للتكثير دائماً ،وغيرها من الآراء الأخرى.