جمالية الصورة المكانية في شعر الشاعرة الأندلسية

جمالية الصورة المكانية في شعر الشاعرة الأندلسية

أ.د. محمد عويد محمد الساير

قسم اللغة العربية

كلية التربية الأساسية / حديثة ، جامعة الأنبار

كان المقال يقوم أولاً على استنطاق ظاهرة المكان بأنواعه وأنماطه ودلالاته في شعر المرأة الأندلسية ، ومن ثمَّ قُصر إلى الصورة المكانية في شعر المرأة الأندلسية لجسامة استنطاق المكان في شعر الشاعرة الأندلسية كما هو في شعر الرجل في الأندلس ولضيق صحائف المقال وقصرها الاجباري كما يعلم بذلك الجميع . وكان الموضوع وبصراحة أكبر مما تصورت أيضاً ، فذهبتُ إلى الجمالية في الصورة المكانية ، ولعلّي أفي بالعنوان والتحليل والنقد والدرس ، ومن الله – سبحانه وتعالى – الاعانة دائماً.

في الجماليات للصورة المكانية عند الشاعرة الأندلسية استضافت الشاعرة ذائعة الذكر مظاهر الجمال كلها مع المكان الذي هو المرتكز الأول ولاسيما المكان الطبيعي الأليف ومظاهره المتنوعة ، وربتما سأبعد قليلاً عن الأمكنة المعادية المؤلمة – أحياناً- لأبقى في فلك التفاؤل وميدان الوداد والحب للأندلس ومبدعيها شعوراً وفكراً وأدباً.

في مقطوعة للشاعرة أنس القلوب ، شاعرة من شواعر الأندلس نرى مشهدية الصورة المكانية عند هذه الشاعرة الأندلسية التي شُهرت بالطرب والغناء وحسن المجلس والمعشر لكل من يسمعها ويقرأُ شعرها . هذه المقطوعة الشعرية التي غنتها أمام المنصور بن أبي عامر فيها ما فيها من مشهدية جمال الصورة للكؤوس والحيوان الرشيق الانيق في المنظر والخَلق. زاهٍ هذا المشهد بالتفاؤل والمسرات ... كيف لا وهو صالح للغناء في أي وقت ، وهو ينشد في مثل هذا المكان – الأندلس وجمالها- ، وفي الليل ذلك الزمن الرومانسي المحبب المتخيّل في الشعور والوصف مع الشعراء ومع الشواعر أيضاً كما عند الشاعر أنس القلوب التي آنست قلوبنا ودغدغت مشاعرنا بجمالية الصورة المكانية في شعرها ولاسيما في هذه المقطوعة التي تقول فيها :

قدّم الليلُ عند سير النهارِ                               وبدا البدرُ مثل نصف السوارِ

فكأنَّ النهار صفحة خدٍّ                                  وكأنَّ الظلامَ خطُّ عذارِ

وكأن الكؤوس جامدُ ماءٍ                                وكأنَّ المدامَ ذائبُ نارِ

نظري قد جنى عليَّ ذنوباً                              كيفَ مما جنته عيني اعتذاري؟

يا لقومِ تعجبوا من غزالٍ                               جائزٍ في محبتي وهو جاري

ليتَ لو كان لي إليه سبيلٌ                               فأقضي من الهوى أو طاري

ومع حفصة الركونية قصة غزل أخرى عاشتها المرأة الأندلسية عرفها الدارسون والنقاد والادباء في تاريخ الأدب العربي ولاسيما وتاريخ الأندلسيين في التراث والحضارة وقصص العشاق إلى جنب قصة ولادة بنت المستكفي وقصة نزهون ... وغيرهما.

ومع الغزل يستأثر المكان بالنزول إلى ساحة النص الشعري ولاسيما مع جمال الأندلس ومظاهرها الطبيعية بارعة الجمال والأوصاف . في مقطوعة شعرية نظمتها الشاعرة حفصة الركونية وبعثتها ببطاقة تهنئة فيها الحب والشوق والتوق إلى العشيق تفصّل هذه الشاعرة الأندلسية جزئيات المكان جمالية جمالية في الألوان والحيوان وتعالق النص الشعري الأندلسي مع المكان التراثي المشرقي في بابل ، وما ادراك ما بابل مكان السحر الجنائني والحضري ، وأنواع هذه الجماليات مرتبط بالمرتكز الأول المكان وأي مكان ، هناك في الأندلس إذ تحلو الحياة والغزل ، والشعر والغزل ، والشعر والجمال... تقول الشاعرة حفصة في مقطوعتها الشعرية هذه:

زائرٌ قد أتى بجيدِ الغزالِ                        مطلعٌ تحت جنحهِ  للهلالِ

بلحاظٍ من سحر بابل صيغت                   ورضابٍ يفوقُ بنت الدوالي

يفضحُ الورد ما حوى منه خدٌّ                 وكذا الثغر فاضحٌ للاَّلي

ولحمدونة بنت زياد مقطوعة شعرية تسيل وصفاً تلقائياً للمكان وتبدع في دقة جماليته ، ولاسيما مع ذلك الوادي ومنظر الماء الرائق الساحر وكيف سحرها مع صبية لها وقد عامت في الماء ، فأبت إلا وصف جمال هذا المكان من خلال الصورة الحركية والصورة البيانية بالتشبيه ، وهي صورة الحيوان المتخيلة ، وصور الألوان الممتزجة مع الحركات والأفعال ، فها هي تقول في ذلك كله :

أباح الدمعُ أسراري بوادي                          له للحسنِ آثارٌ بوادي

فمن نهرٍ يطوفُ بكلِّ روضٍ                       ومن روضٍ يرفُّ بكلِّ وادي

ومن بين الظباءِ مهاةُ أنسٍ                          سبتْ لُبيِّ وقد ملكتْ فؤادي

لها لحظٌ تُرقِّدهُ لأمرٍ                                 وذاك الأمرُ يمنعني رُقادي

إذا سدلتْ ذوائبها عليها                              رأيتُ البدرَ في أفقِ السوادِ

كأنّ الصبحَ مات له شقيقٌ                           فمن حزنٍ تسربل بالحدادِ

عن المكان الديني وجماليته لم تكن الشاعرة الأندلسية بفكرها وألفاظها وصورها ببعيدة عن هذا المكان وتجلياته داخل نصها الشعري . إذ تأتي الشاعرة الأندلسية أم السعد بمقطوعة تتوجه ألفاظها ومن خلفها مشاعر الشاعرة إلى حب النبي – صلى الله عليه وسلم- بتمظهرات المكان الديني ووصف جماليته ، والمزج مزجاً فنياً وشعورياً بين المكان الواقعي والمكان المتخيل في حب وشوق إلى جناب الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم- ومقامه العالي الرفيع . تقول الشاعرة الأندلسية أم السعد في ذلك الحب والشوق :

سألثمُ التمثالَ إذ لم أجد                        للثمِ نعلِ المصطفى من سبيلِ

لعلني أحظى  بتقبيلهِ                         في جنّة الفردوسِ أسنى مقيلِ

في ظلِّ طُوبى ساكناً آمناً                    أسقى بأكواس منه السلسبيلِ

وأمسحُ القلبَ به علّه                         يسكن ما جاش به من غليلِ

فطالما استشفى بإطلالِ مَن                 يهواهُ أهل الحب في كل جيلِ

وللمكان الديني سطوته على مشاعر الشاعرة الأندلسية وشعرها حتى مع الغزل ومغامراته . فهذه ولادة بنت المستكفي تزهو بنفسها أمام ابن زيدون شاعر الأندلس وعشيقها فهي تفخر بالمكان الديني الذي يزيد من زهوها بذاتها . الجماليات للمكان كمنت في قداسته وقيمته الدينية المركزية العالية في (مكة المكرمة) كما وضحت تلكم الجماليات في شعرها في تجسيد هذا المكان ورسمه والتعبير عنه من خلال التشبيه والحركة واللون التي أبانت عن قيمة المكان وبرّزت جماليته عند هذه الشاعرة الأندلسية المترعة صفاء ومحبة وخيلاء وغروراً وحُق لها ذلك طبعاً . هاك قولها في استنطاق المكان الديني وتجلياته ورسم جماليته بطرائق عدة:

إني وإن نظر الأنام لبهجتي                                 كظباء مكة صيدهنَّ حرامُ

يُحسبنَ من لينِ الكلامِ فواحشاً                              ويصدهنَّ عن الخَنا الإسلامُ

هذي كانت وقفات في جمالية الصورة المكانية عند الشاعرة الأندلسية بأفكار جُمعت في مقال بسيط أرجو أن ينال الاهتمام والعناية والتقليد لموضوع أكبر في بحث علمي أو رسالة أو أطروحة ، فالمرأة الأندلسية وشعرها وأيم الله يستحقان ، وإن كان من إعادة في الجمع والتحقيق والدراسة فذلكم الاستحقاق كله ... ومن الله التوفيق والسداد دائماً.