اللهجة الثمودية من لهجات العربية البائدة

اللهجة الثمودية من لهجات العربية البائدة

أ.د. حليم حماد سليمان

قسم اللغة العربية

كلية التربية الأساسية/ حديثة - جامعة الأنبار

العربية البائدة :هي عربية النقوش التي بادت قبل الإسلام ، وتطلق على لهجات مجموعة من القبائل العربية التي كانت تسكن شمالي الحجاز ولم تصل إلينا إلّا عن طريق النقوش التي عثر عليها في مساحة واسعة تمتد من دمشق إلى منطقة العلا ، وأهم هذه النقوش هي : الثمودية، والصفوية، واللحيانية

اللهجة الثمودية:   وهي اللهجة المنسوبة إلى قبائل ثمود الذين ورد ذكرهم في القران الكريم.

وقد عثر السياح  المستشرقون (2000) ألفين أو أكثر من ذلك من الكتابات الثمودية في أرض مدين، وتيماء ، والحجر، والعلا ، وشرق الأردن ، وشبه جزيرة سيناء ، وفي مصر في وادي الحمامات وفي منطقة الصفا في بلاد الشام .

ويرجع تاريخ هذه النقوش الى القرنين الثالث والرابع بعد الميلاد ، وربما يرجع أقدمها إلى ما قبل منتصف القرن الأول للميلاد.

وبما إنّ قوم ثمود كانوا أصحاب تجارة، لذاك فقد تردد ذكر اسمه في كتابات الإغريقيين واللاتينيين، فضلاً عن ذلك فقد اهتم عدد من المستشرقين في كتابات الثموديين  أمثال: دوتي، وهوبر، وهاردنك، وغيرهم .

وعند إطلاق مصطلح ( الكتابات الثمودية )لا يعني ذلك أنّها كلها من كتابات الثموديين وإنّما اطلق ذلك لورود اسم قوم ثمود في بعضها ، فضلاً عن ذلك فقد أطلقت هذه التسمية ،تمييزاً لها عن غيرها من اللهجات العربية الجاهلية الأخرى.

خصائص اللهجة الثمودية   :  

1. جاءت الكتابات الثمودية قصيرة ،موجزة إيجازاً شديداً ، قابلة لأكثر من تفسير وتأويل، ومن أمثلة ذلك :( لوهب بن رفد ) أو (لشهري بن رفد )أو (لذاب )(ذئب ) وهو اسم رجل .

2- تتميز هذه الكتابات بالطابع الشخصي في أغلب الاحيان ؛وذلك لأنّها كتبت بخط أشخاص من الرعاة ،أو من رجال القوافل والمسافرين ، ولذلك فإنّ هذه الكتابات لم تكن في مستوى عال من الأسلوب الأدبي ، وعلى كل حال فإنّ هذه الكتابات تستحق كل التقدير والاحترام لأنّ الشعب الذي تكتب رعاته ورجال قوافله يجب أن يقدّر كل التقدير.

3-إنّ الخط الثمودي خال من الشكل ومن التشديد والإشباع، من أية علامات تكتب مع الحروف في صلب الكلمة ، والأمثلة على ذلك كثيرة منها كلمة ( بت)فبالإمكان أن تقرأ بأوجه متعددة ،كأن تقرأ: (بات ) فعلاً ماضياً (بيت) اسماً ، وكذلك الحال جملة (قنص أسد ) قنص اسم رجل ويعرب مبتدأً وأسد خبره ولذلك تكون جملة اسمية ، ويحتمل ان تكون جملة فعلية فتقرأ(قنّص أسداً) فيكون (قنّص) فعلاً ماضياً ، والفاعل ضمير مستتر تقديره (هو) وكلمة( أسداً)مفعول به.

وقد استعملت بعض الكتابات الثمودية ـ أحياناـ حروف العلة ( الواو والألف والياء) ؛لعدم وجود الحركات كما في : (بيت) ،و(دين) ،و(عظيم )،إلّا أنّ ذلك لم يكن عاماً وانما كان خاصاً ببعض الكتابات .

4- إنّ القلم الثمودي لم يتقيد باستعمال الخطوط العمودية للفصل بين الكلمات ، ولهذا نجد الحروف والكلمات متصلة بعضها ببعض في كثير من الكتابات.

5- إنّ القلم الثمودي لم يتقيد باتباع الجهة التي يسير عليها الخط ،فتارة يسير الخط من اليمين إلى اليسار وباتجاه أفقي ، وتارة أخرى من اليسار إلى اليمين ، وأحياناً من أعلى إلى أسفل، ومن أسفل إلى أعلى.

6- إهمال الكتابات الثمودية لحرف النون من كلمة (بن ) بمعنى ابن في كثير من الأحيان والا كتفاء بـ ( الباء).

3ـ استعمال الاسم :

تقسم الأسماء في  الكتابات الثمودية على قسمين: أسماء بسيطة ، وهي أسماء مجردة لا زيادة في أولها ولا في آخرها ما عدا تاء التأنيث ، مثل : (زد)أي : (زيد)، واسماء مركبة مثل: (زد غث )أي : (زيد غوث ): وينقسم الاسم ايضاً إلى جامد ومشتق .

ومن حيث الجنس فإنّه يقسم على مذكر ، ومؤنث ، فالمذكر مثل : سعد ،وملك ،والمؤنث مثل :لقيض.

ومن حيث العدد فإن الاسم يكون مفرداً ومثنى وجمعاً، ويعبر ال (ى )عن المثنى بمعنى (اعتلا) ، ويعبّر الألف والنون عن الجمع .

وتستخدم الكتابات الثمودية (هـ) أداة للتعريف ، وهي تعمل على تجديد الحرف الصامت الذي تدخل عليه مثل : هملّك أي : الملك.

ومن أسماء الاشارة في الكتابات الثمودية : ذن بمعنى هذا ،و(ذت )بمعنى ذلك ،كما في : (وذت لحلم ) أي : وذلك لحلم.

ويؤدي اسم الاشارة ( ذ) معنى (ذا ) و(هذا) في عربيتنا.

أما الأسماء الموصولة المستخدمة في الكتابات الثمودية فهي ( ذ) بمعنى الذي والذين كما في : (اهل ذا اتا ) أي : الأهل الذين أتوا.

ومن الأسماء الموصولة (بن) بمعنى: من ،وكذلك( ال ) بمعنى الذي.

واستخدمت الثمودية حروف الجر ، نحو : ل ،والباء ،والى ....

واستخدمت كذلك حروف العطف ، نحو: الواو ،أما حروف المستخدمة للنداء (هـ).

قواعد اللهجة الثمودية:

1ـ استعمال الضمائر:

تقسم الضمائر في الثمودية الى قسمين :منفصلة ، ومتصلة، ومن امثلة الضمائر المنفصلة : (ان ) أي : انا، ضمير متكلم ،كما في النص الآتي : (ود معن وان رهن )أي :ودّ معن ،وانا رهن .و (ان) ضمير للمخاطب يقابل (انت ) في لهجتنا .

 ومن الضمائر المتصلة : ال (هـ ) وهو في مقام ( هو ) ويستخدم للتعبير عن الشخص الثالث الغائب.

2ـ استعمال الأفعال :

تتميز الكتابات الثمودية بقلة الافعال ، ومن أمثلة ذلك : (خطط ) وهو فعل ماضٍ بمعنى ( خط) :اي كتب .

 والكتابات الثمودية تميل إلى تقديم الفاعل على الفعل ، وجعل الجمل جملاً اسمية ، وفضلاً عن ذلك فإنّ هذه الكتابات تشمل الأفعال الثلاثة ( الماضي، والمضارع ، والأمر)، فالفعل الماضي مثل : خطط والمضارع الداخلة عليه لام التعليل ( ل) ليبين العلة ، مثل : (هن لمت ) بمعنى ( هوّن علي لا موت )، والفعل الأمر الذي يرد غالباً في مخاطبة الآلهة كما في هذا النص : ( عل رضو هضباً ) ومعناه : أعل رضو الملجأ ، وتعني (عل) معنى (أعل ) ،ومنه قول أبي سفيان : (أعل هبل ).

وكذلك نجد في الكتابات الثمودية المطابقة بين الفعل وفاعله من حيث التذكير والتأنيث ، فإنّ كان الفاعل مؤنثاً لحقته علامة التأنيث ( التاء)، وإلّا تجرد منها مثل: (لصلمرا برات ) أي : لصلمرا برئت ، لأنّ صاحبة الكتابة امرأة اسمها ( صلمرا )كانت قد أصيبت بسقم ثم برئت ،فدوّنت هذه الكتابة لهذه المناسبة.