التحليل السياسي

التحليل السياسي
Share |
2021-11-20

 

ماهية التحليل السياسي

د.معتز اسماعيل خلف الصبيحي

      التحليل في اللغة يعني الفك والفتح، (حل –حلل)، العقدة أي فتحها (فانحلت)، أي بمعنى فك (كل ما هو مركب)، أو كلي إلى أجزائه أو العناصر المكونة أو العناصر المكونة له، يقابلها التركيب الذي يعني بناء كل اجزائه، أي ربط وتجميع عناصر الكل المنفصلة أو الصغيرة إلى وحدة شاملة.      

     أما اصطلاحاً فالتحليل هو بحـث علمـي تطبيقي للعلـم الإجتماعي تستخدم مناهـج بحثيـة متعددة لكـي يتيـح معلومـات أساسيـة تتعلـق بسياسـة مـا، ومـن شـأن هـذه المعلومـات أن تـؤدي إلـى حـل المشكلـة الخاصـة بالفعـل السياسـي مـن خـلال الآثـار المترتبـة علـى إختيـار حـل واحـد أو حلـول عـدة علـى المستقبـل القريـب أو البعيـد.

 والتحليل بالمعنى الفلسفي يعني فك وتفتيت الموضوع الذي تناوله البحث الى عناصره او وحداته الأولية سواء اكان فكرة في الذهن ام قضية من القضايا المنطقية او جملة من جمل اللغة او واقعة من وقائع الحياة، ايً كان الغرض الذي يسعى اليه الانسان من وراء هذا التحليل.

   فالتحليل في المحصلة هو تقسيم الشيء إلى اجزاءه، من عناصر أو صفات أو خصائص وعزل بعضها عن البعض، ثم دراستها واحداَ واحداً للوصول الى معرفة العلاقة القائمة بينها وبين غيرها. وهو أيضاً يعني تجزئة العناصر الاساسية للنص، بما يمكن من الفهم الدقيق لكل جزء، ويوفر الامكانية لاستيعاب النص بصورة شاملة، ولإدراك مضمونه. والتحليل كمنهج لا يقتصر على الفلسفة وحدها، بل نجده متمثلاً في أكثر من مجال فكري، فهناك التحليل الرياضي، كما هو معروف في الرياضيات اليونانية، فالمنهج كان لديهم متبعاً للبرهنة على قضية ما، ويكون عن طريق تحليلها إلى أبسط قول ثم البرهان عليها، وقد أورد (بابوس) تعريفاً للتحليل بقوله: "إن التحليل يتناول حقائق متفقاً عليها تكون بمثابة الوسائل المؤدية إلى نتائج مركبة نقبلها".

وللتحليل ثلاث اتجاهات رئيسة يمكن أن نجملها بالآتي:

الاتجاه الأول: تحليل المفهوم أو الفكرة عن طريق تطبيقاتها الجزئية لمعرفة المبدأ الكامن ورائها، كما هو واضح في المنهج الديالكتيكي عند سقراط، وفي محاولات افلاطون واخلاق ارسطوا.

الاتجاه الثاني: تحليل المعرفة الانسانية، وردها إلى مجموعة من البسائط والعناصر الأولية، وكذلك تحليل الوجود، كما هو عند ديكارت ولوك.

الاتجاه الثالث: تحليل الاطارات، التي تصف فيها المعرفة الانسانية (أي اللغة)، كما هو الحال عند فلاسفة (كامبدريج، ووّل وفتجنشتاين، وكارناب).

   أما التحليل السياسي، فإن ظروف الحرب العالمية الثانية أوجدت جواً مشجعاً لإعادة تأكيد العلمية في السياسة، ولا سيما وأن المشتغلين بالسياسة في الحكومة الامريكية قبل وخلال الحرب العالمية الثانية، وجدوا ان مشوراتهم وأرائيهم السياسية مقارنة بآراء الاقتصاديين وغيرهم، لم تكن تحظى باهتمام صانعي القرار السياسي، نظراً لافتقارهم إلى أدوات التحليل العلمي، ولاعتمادهم على التأمل النظري دون محاولة الوصول إلى حلول علمية للمشكلات الواقعية، ولتعزيز مكانتهم، أو حتى تصبح مشوراتهم ذات ثقل اكبر لدى السياسيين. دافع السلوكيين عن استخدام المناهج العلمية لمعالجة المشكلات السياسية، ولقد كان لظهور الاتجاه العلمي، ولتأكيد السلوكية على ضرورة ايجاد نموذج للتحليل السياسي الذي يستمد معطياته من الأسس العلمية للمنهج السلوكي، أثر بالغ على التباين المنهجي والنظري بين المدرسة التقليدية والسلوكية وما بعد السلوكية، وقد نشأ الخلاف أولاً كنتيجة لتباين طرق البحث العلمي، ثم أمتدت جذوره لتشمل كنّة الفلسفة السياسية المتبناة من قبل مدارس الفكر السياسي المختلفة. 

   أما مفهوم التحليل السياسي، فيعرف بأنه علم إجتماع تطبيقي يستعمل أساليب علمية للبحث والمناقشة بقصـد تحويل معلومات متعلقة بالسياسة العامة يُمكن إستخدامها فـي المجالات السياسية لحـل المشكلات السياسية العامة.

  وهو مهارة فكرية متقدمة متسقة بالعمل السياسي، وتفسر الظواهر المتعددة، وتعتمد الحكومات الرشيدة على التحليل السياسي للأحداث والازمات بغية اتخاذ قراراتها السياسية بصورة رشيدة، خصوصاً فيما يتعلق بالشأن الداخلي والسياسة الخارجية للدولة، ويتم التحليل وفق معايير وقواعد واسس ومنهجيات محددة تعتمد على استخدام ادوات التحليل بشكل يتطابق مع حجم المشكلة موضع التحليل وتعتمد بالدرجة الاولى على مهارة المحلل وقدراته على الاستنتاج والتنبؤ لواقع الاحداث ومساراتها المختلفة.

   وهو أيضاً عملية بحث في الاحتمالات الممكنة لمسارات التفاعلات بين القوى السياسية في المجتمع وتفسير علمي واضح لنوع العلاقة بين هذه القوى السياسية الداخلية والخيارات، التي نحكم بها على الظواهر والاحداث السياسية محلياً واقليمياً وعالمياً، ولذلك فهو يحتاج الى فهم الواقع السياسي للبلد، وعلاقاته الخارجية بمحيطه الاقليمي والدولي. ولهذا فالتحليل السياسي هو شكل من اشكال العمل السياسي العلمي، تعتمد عليه الحكومات الرشيدة في اتخاذ قراراتها السياسية الداخلية والخارجية، ويتم التحليل السياسي وفق اسس ومعايير محددة، وهو امر في غاية التعقيد.

    ويمكن ان نعرف التحليل السياسي بأنه الادراك الفكري العميق لجذور السياسة ومخرجاتها، والفكر الاستراتيجي وعناصره، وطبيعة الاحداث ومساراتها وشكل الدوافع وعناصرها المسؤولة عن صنع الاحداث والازمات، والإلمام المتقن بالشواهد التاريخية المماثلة. وهو ايضاً الفهم الدقيق والعميق لمسار السياسة، وادراك الدوافع المتعلقة بها والالمام بجذور الاحداث ومخرجاتها والتنبؤ بالتطورات والنتائج المترتبة عليها، ووضع التوصيات المعنية بالحدث. فهو ادراك الموضوع او الظاهرة السياسية، وتفكيكها لتحديد المؤثرات والاسباب الكامنة ورائها، لغرض الوصول لفهم واضح ونتيجة منطقية، تعي المتغيرات.

   وهو أيضاً منظومة للجهـود المنسقـة المعنيـة بالبحـث والدراسة والتمحيص والتحليل، فـي طبيعـة المشكلات والقضايـا المجتمعية التـي هـي محـط إهتمام السياسة العامـة، والنظـر فـي أسبابها وبواعثها، ومـن ثـم تحديـد البدائـل المناسبـة لمواجهتها، فـي إطـارٍ مـن توثيـق المعلومات والثقـة بمصادرها وصحتها بمـا يـؤدي إلـى تحقيق آثـار تلـك المشكلات ومواجهة القضايا، وإزالة الانعكاسات السلبية الناجمـة عنهـا تمامـاً، وإقامـة التـوازن الطبيعي أو إعادته إلـى المجتمع بصـورة جليـة.

   ومن التحليل العلمي السابق لماهية التحليل السياسي، نتوصل الى انه يتكون من شقين اساسيين، يجيب كل واحد منها عن سؤال رئيس، لا يمكن تصور تحليل سياسي لا يجيب عنهما، وهما:

الشق الاول: هو الفهم الدقيق لمسار الاحداث والظواهر، وهو يجيب عن السؤال الاول، ماذا حدث؟

ونقصد بالفهم الدقيق هنا، سير أغوار الحدث السياسي وعدم الوقوف عند حد المعرفة السطحية، فقد يحتمل الحدث السياسي اكثر من معنى، وقد يكون ظاهره شيء، وباطنه شيء آخر، وهكذا.

الشق الثاني: هو ادراك الاسباب الدافعة لهذا الحدث، ويجيب عن سؤال آخر لماذا حدث؟

  وهنا لا يقف المحلل عن مجرد الدوافع الظاهرة البادية فقط، بل يعتني بها بداية، ثم يبحث عن الاسباب الاخرى الخفية التي ربما لا يدركها، غير المتخصصين والعارفين بأصول التحليل السياسي. فالإدراك مرحلة تفوق مرحلة العلم والمعرفة، كون مرحلة الأدراك تفيد الإحاطة والشمول بكافة الاسباب والدوافع الممكنة والمحتملة وعدم الركون الى بعضها فقط.

     تبتعد العلوم السياسية في تحليلها للأحداث عن التضخيم والتبسيط والمبالغة في ضرب الأمثلة لتأكيد الرأي، وتبتعد عن العاطفية في احكامها، بهدف الموضوعية العلمية في طرح الافكار، كما تبتعد العلوم السياسية ايضاً عن التوجيه المباشر او الخطابة او الاقناع بالتخويف او اطلاق الاتهامات دون بحث ومعلومات كما انها تستخدم المصطلحات السياسية المبسطة والمتداولة التي لها مدلولات محددة في ذهن الرأي العام ولذك يستخدم المحلل السياسي في تحليله للظاهرة السياسية، ادوات حددها الباحثين في مجال العلوم السياسية يمكن ان نحدد منها الآتي:

1-     المخزون المعرفي الذهني.

2-     فهم معطيات الخارطة السياسية والواقع السياسي.

3-     الالمام بمصادر المعلومات الحديثة والمتاحة (التقارير، النشرات، الإحصائيات، التصريحات الرسمية، خطابات المسؤولين، طروحات المفكرين، شخصيات صانعي الاحداث، مسرح الأحداث).

4-     الاستبيانات والمقابلة الشخصية، واختيار العينات.

5-     مصادر الاستطلاع الاعلامي والتغطيات الميدانية للأحداث.

6-      الطرائق العلمية والنظريات الاكاديمية.

7-     الحضور الميداني المباشر والاطلاع الشخصي.

8-     استخدام الوسائل الحديثة وادوات البحث العلمي.

9-     مصادر المعلومات الخاصة التي يمكن ان يحصل عليها كاتب التحليل السياسي بحكم موقعه او اتصالاته او بحثه، وكذلك مدى عمق خبرته في المجال الذي يكتب فيه.

 وللتحليل السياسي أهداف يجملها (توماس داي)، بثلاث اهداف هي:

الهدف الاول: (هدف سياسي):

   إذ أن التحليل السياسي يؤكد على أفضل السياسات التي تتبناها الدول، عبر تحليل السياسات العامة المتاحة، واختيار البديل الأفضل من بينها.

الهدف الثاني: (هدف علمي):

    إذ أن التحليل السياسي عن طريق الفهم المتعمق للمجتمع ودراسة مؤسساته، وبناه السياسية، ودراسة المتغيرات المتبادلة بين البيئة والنظام السياسي، والاجابة العلمية عن تساؤلات حول التفاعلات السياسية والسياسات العامة. فهو يكون ويطور المفهوم النظري العلمي للموضوع (تكوين قاعدة بيانات).

الهدف الثالث: (هدف عملي):

   فالتحليل السياسي يوفر للعمل السياسي امكانية توظيف معارفه في حل المشكلات العلمية. إذ يغلب أن يخلص التحليل السياسي الى توصيات ومقترحات، بشأن سياسات ملائمة لتحقيق الاهداف المتوخاة.

     من الطرح السابق نرى أن للتحليل السياسي شروط موضوعية لابد من توافرها للوصول الى الاهداف المتوخاة من التحليل يمكن ان نذكر منها الآتي:

1-     الابتعاد عن لغة المبالغة.

2-     ضرب الامثلة لتأكيد الرأي.

3-     الابتعاد عن اللغة العاطفية والادبية أو اللغة العلمية الجافة.

4-     الابتعاد عن التوجيه المباشر او الخطابة او الاقناع.

5-     الابتعاد عن اطلاق الاتهامات دون بحث او معلومات دقيقة.

المراجع:

1-     السيــد ياسيــن، السياســة العامــة القضايـا النظريــة والمنهجيـة، مــن كتــاب: (تحليـل السياسات العامـة قضايـا نظريـة ومنهجيـة)، تحريـر: علـي الديـن هــلال، ط1، مركز البحوث والدراسات السياسية، القاهرة.

2-     محاضرة بعنوان "التحليل والتحليل السياسي"، القتها أ.م.د.مها عبداللطيف الحديثي، على طلبة الدكتوراه في قسم النظم السياسية السياسات العامة، في كلية العلوم السياسية، جامعة النهرين، للعام الدراسي 2014-2015.

3-     سعدي الابراهيم، التحليل السياسي، ط1، دار السنهوري، بغداد، 2015.

4-     فهمي خليفة الفهداوي، السياسة العامـة: منظور كلـي فـي البيئة والتحليل، ط1، دار المسيــرة للنشــر والتوزيـع والطباعـة، عمــان، 2001.

5-     مهند العزاوي، مقالة منشورة على شبكة المعلومات العالمية: www.asharqalarabi.org.uk

 

 

 
عدد المشاهدات : 727