الوقف وأثره في الحروف الـمُشْرَبَة

الوقف وأثره في الحروف الـمُشْرَبَة
Share |
2022-09-23

الوقف وأثره في الحروف الـمُشْرَبَة

أ.د. علي حسين خضير

الوقف لغة: مصدر وقَفَ الثلاثي، والأصل في معناه أنَّه يدل على تمكّث في شيء، وأما اصطلاحًا: فهو قطع الصوت عن آخر الكلمة زمنًا، يُتنفس فيه عادة، لاستئناف القراءة مرة أخرى إما بما يعقب الحرف الموقوف عليه، أو بما قبله. ولابدَّ لي قبل التحدث عن أثر الوقف في الأصوات المشربة أنْ أعرِّف بالإشْراب، فالإشْراب: هو اختلاط صوت بصوت آخر مزيج من صوتين، وبعبارة أخرى: هو الأثر السمعي المصاحب للأصوات التي تضغط في مواضعها عند الوقف. 

علة الإشراب:

هي شدة ضغط الأصوات من مواضعها حال الوقف، أي: أنَّ صفة الإشراب لا تتكون إلا بتوافر عنصرين هما: عنصر الضغط، وعنصر الوقف، مع الانتباه إلى اختلاف نسبة الضغط، ودونك هذا المخطط للإيضاح:

 

أولًا: قال سيبويه: " واعلم أنَّ من الحروف حروفًا مشربة ضغطت من مواضعها فإذا وقفت خرج معها من الفم صويتٌ ونبا اللسان عن موضعه، وهي حروف القلقلة"

ثانيًا: "ومن المشربة حروفٌ إذا وقفت عندها خرج معها نحو النفخة ولم تضغط ضغط الأولى، وهي الزاي، والظاء، والذال، والضاد؛ لأن هذه الحروف إذا خرجت بصوت الصدر انسلّ آخره وفتر من بين الثنايا لأنه يجد منفذًا، فتسمع نحو النفخة ".

ثالثًا: "وأما الحروف المهموسة فكلها تقف عندها مع نفخٍ؛ لأنهنّ يخرجنَ مع التنفس لا صوت الصدر؛ وإنما تنسلّ معه".

رابعًا: " ومنها حروفٌ مشربة لا تسمع بعدها في الوقف شيئًا مما ذكرنا؛ لأنها لم تضغط ضغط القاف ولا تجد منفذًا كما وجد في الحروف الأربعة. وذلك اللام والنون؛ لأنهما ارتفعتا عن الثنايا فلم تجدا منفذًا. وكذلك الميم؛ لأنك تضم شفتيك ولا تجافيهما كما جافيت لسانك في الأربعة حيث وجدن المنفذ. وكذلك العين والغين والهمزة؛ لأنَّك لو أردت النفخ من مواضعها لم يكن كما لا يكون من مواضع اللام والميم وما ذكرت لك من نحوهما. ولو وضعت لسانك في مواضع الأربعة لاستطعت النفخ فكان آخر الصوت حين يفتر نفخاً. والراء نحو الضاد".

وبنظرة مستوفزة في نصوص سيبويه المذكورة آنفًا ستجد أنَّه قسّم الحروف الموقوف عليها- بحسب طريقة نطقها أو كيفية انفتاح مخارجها - على قسمين هما: الأول: ما تسمع معه شيئًا.  والثاني: ما لا تسمع معه شيئًا.

الأول: ما تسمع معه شيئًا:

وقسّم سيبويه درجات الإشراب في أصوات العربية على ثلاثة أقسام، مبيَّنة على النحو الآتي:

1-  الإشْراب الصُويتي أو الفَمَوي: هي أحرف إذا وقفت عندها خرج صُوَيْت مصاحب لها وارتفع اللسان عن موضعه وأحرفه هي: (الباء، والجيم، والدال، والطاء، والقاف) وتسمى: أحرف القلقلة، مع أنَّ هذه الأصوات تنتمي إلى مجموعة واحدة بيد أننا نجد مميزات تعد فرعية تفصل بينهما، فهناك ما ينطق من موضع خلفي– أي: آخر الحجرة الفموية -كالقاف والطاء حال إطباقها، وهناك ما ينطق من موضع في الجزء الأمامي من الحجرة الفموية، وهي الباء، والجيم، والدال.

2- الإشراب النَّفْخِي أو الحَنْجَري: هي أحرف إذا وقفت عندها خرج معها نحو النَّفْخَة ولم تعرّض للضغط كتعرض الأولى أي: أصوات القلقلة؛ لأنها تخرج مُنْسَلَّة من الصدر، وأحرفه هي: (الزاي، والظاء، والذَّال، والضاد (كما وصفها القدماء)، إذا خرجت هذه الحروف بصوت الصدر انسلَّ آخره، لوجود منفذ، ومنفذ الضاد من بين الأضراس، فتسمع نحو النَّفْخَة. إذن هذه الحروف أشربت بنفخة بسبب الفتور في آخر الصوت المنسل من بين الثنايا.

3- الإشراب النَّفَسي أو الرِّئــــَوي:

يستشف مما قال سيبويه أنَّ الحروف المهموسة كلها تتصف بالإشراب، وضعف الاعتماد في موضع هذه الأصوات - المهموسة - أدى إلى اندثار وتلاش للضغط في هذه الأصوات.

الثاني: ما لا تسمع معه شيئًا:

هو الذي لا تسمع معه شيئًا، من صُويت، أو نفخة، أو نفس. 

فاللام والنون لم يسمع بعدهما شيء؛ لانَّهما ارتفعتا عن الثنايا ، فلم تجدا المنفذ المتوافر لـ ( الزاي والضاد والذال والظاء ) ، والميم لم يسمع معها شيء لانعدام المقدرة على تجافي الشفتين بعد ضمهما لأداء الميم ، وكذلك العين والغين والهمزة لا يمكن النفخ مع هذه الأصوات من موضعها " ومثلما شذّت الضاد عن فصيلها الصوتي في كون النفخ المصاحب لها لم يكن من الثنايا ، وإنَّما من الأضراس ، فإنَّ الراء يؤدي من موضعه بتعدد ضربات اللسان على اللثة ، ولكن في حال الوقف يمكن ملاحظة أنَّ آخر حركة للسان هي ملازمة اللثة ، ومن ثَمّ لا مجال لتسرّب ما يمكن سماعه بعد الراء " .

اضغط هنا لتحميل الملف

 
عدد المشاهدات : 85