التغيرات المناخية وأثارها المستقبلية
Share |
2021-07-02
 التغيرات المناخية وأثارها المستقبلية

 
Climate Change and  Future Impacts
 

 قسم مكافحة التصحر

مقدمة

   على الرغم من التقدم الكبير في التنمية الزراعية لتحسين الإنتاجية الزراعية الأفقية والراسية وضخ مليارات الدنانير في إستصلاح الأراضي الزراعية وإنشاء البنية التحتية، ومع ذلك فإن الفجوة الغذائية في الحنطة – الذرة – الزيوت – فول الصويا – العدس – السكر – واللحوم في تزايد مستمر وتبلع حالياً أكثر من 60 % مما يمثل عبء كبير على الموازنة العامة للدولة، حيث تصل معظم واردات العراق  من السلع الغذائية لأكثر من 11 مليار دولار، وتعتبر الزيادة السكانية عامل أساسي في إجهاض التنمية الزراعية وتزايد مستويات الفقر وإضافة ضغوطاً إضافية على موارد المياه والأرض المتاحة للزراعة.

التغيرات المناخية

     يعتبر تغير المناخ أحد الحقائق التي ينبغي أخذها في الاعتبار في الخطط المستقبلية، والتعامل مع مؤشرات ذلك حالياً والمتمثلة في تزايد الموجات الحارة والباردة وزيادة طول فصل الصيف. المفهوم العلمي لظاهرة ” تغير المناخ” يتلخص في إرتفاع درجات حرارة كوكب الأرض بمعدل حوالي 2°م درجة مئوية بحلول عام 2100 (توزيع إرتفاع درجة الحرارة على الكرة الأرضية سوف يكون متباين وقد يصل إلى 4°م درجة مئوية فى بعض المناطق) وهو ما يسمي بالإحترار العالمي و ذلك كنتيجة مباشرة للاحتباس الحراري داخل الغلاف الجوى الأرضي، ويؤكد ذلك إرتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية فعلياً بمقدار 0.85°م خلال الفترة من 1880 إلى 2012 والتزايد المستمر لتركيزات ثاني أكسيد الكربون بالغلاف الجوي إلي 411.29 جزء فى المليون فى شهر أيلول 2020 وبمستوي أعلى عن التركيز فى نفس التاريخ من العام الماضي 408.54 جزء فى المليون وبمستوي تركيز 310 جزء فى المليون عام 1955م. والجدير بالذكر أن هناك علاقة طردية بين زيادة تركيز ثاني أكسيد الكربون وزيادة درجات الحرارة، ويحدث ذلك نتيجة تصاعد كميات كبيرة من غازات الاحتباس الحراري والتي لها خاصية منع الأشعة الحرارية من الإنطلاق من الغلاف الجوى إلى الفضاء المحيط وهذا ما يعرف بظاهرة الصوبة الزجاجية. أضف إلى ذلك إرتفاع متوسط مستوى سطح البحر في العالم بمقدار 19سم حتى عام 2013م كنتيجة لذوبان الثلوج في المناطق الجبلية والقطبية بسبب إرتفاع حرارة الأرض (وقد تم تأكيد هذا الإرتفاع فى مستوي سطح البحر على شواطيء دلتا مصر من خلال معهد بحوث الشواطئ المصري.

إتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ

     على المستوي الدولي توجد إتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ منذ عام 1992 United Nations  Framework Convention on Climate Change (UNFCCC)  وهي عبارة عن إطاراً عاماً للجهود الدولية الرامية إلى التصدي للتحدي الذي يمثله تغير المناخ من خلال تثبيت تركيزات غازات الإحتباس الحراري في الغلاف الجوي عند مستوى يحول دون إلحاق ضرر بالنظام المناخي. وتتضمن الإتفاقية الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) The Intergovernmental Panel on Climate Change  وهي تمثل الجانب العلمي لمجموعات عمل من الخبراء بهدف:

·        تقييم الجوانب العلمية للنظام المناخي وتغير المناخ.

·   تقييم مدى سرعة تأثر النظم الإجتماعية والإقتصادية والطبيعية بتغير المناخ، والنتائج السلبية والإيجابية لتغير المناخ، وخيارات التكيف مع تغير المناخ.

·        تقييم خيارات الحد من إنبعاثات غازات الدفيئة والتخفيف من حدة تغير المناخ.

   يعقد مؤتمر الأطراف سنويا بغية تقييم تطبيق الإتفاقية والتشاور بشأن وضع إلتزامات جديدة لمواجهة الإحتباس الحراري ولكن بسبب الإنقسامات الدولية وتكلفة تحمل أعباء الالتزامات الدولية أدي ذلك إلى فشل مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ خلال السنوات الماضية فى الوصول إلى إلتزامات تحول دون إلحاق ضرر بالنظام المناخي وننتظر إنعقاد مؤتمر المناخ القادم فى تشرين الثاني 2020 في بريطانيا فى دورته السادسة والعشرون26the UN Climate Change Conference of the Parties (COP26)   لوضع الإلتزامات السياسية لأهداف الإتفاقية، ويشير تقرير فجوة الانبعاثات الصادر          في 26 نوفمبر من خلال برنامج الأمم المتحدة للبيئة 2019 أنه في أعتاب عام 2020 ، نحتاج الآن إلى خفض الانبعاثات بنسبة 7.6% كل عام إلى عام 2030. وإذا لم نفعل ذلك، فسنضيع لحظة ختامية في التاريخ للحد من ظاهرة الإحتباس الحراري للسيطرة على زيادة درجة الحرارة فى الحدود الآمنة وهي 1.5 درجة مئوية. وإذا لم نفعل شيئًا يتجاوز التزاماتنا الحالية  غير الكافية لوقف تغير المناخ فإنه من المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة 3.2 درجات مئوية أعلى من مستويات ما قبل عصر الصناعة، مع تأثير مدمر. تمثل دول مجموعة العشرين مجتمعة 78 % من إجمالي الإنبعاثات العالمية، ولكن سبعة من هذه الدول ليس لديها سياسات حتى الآن لتحقيق تعهداتها بموجب إتفاق باريس لخفض إنبعاثات الكربون. وتساهم أكبر أربعة دول من حيث الانبعاثات (الصين والولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 28 والهند) في أكثر من 55 % من إجمالي الإنبعاثات.

تقلبات الطقس

   تعتبر تقلبات المناخ وأحداث الطقس القاسية والمتزايدة أحد مظاهر التغيرات المناخية، لذلك تم رصد وتحليل الظواهر الجوية المتطرفة لتحديد الآثار على الزراعة العربية في السنوات الأخيرة ( درجات الحرارة، والبرودة ، والرياح، والأمطار)، وأشارت النتائج إلى أن مدة وتواتر الطقس القاسي في معظمها  قد زاد في السنوات الأخيرة مع زيادة الأحداث الأكثر سخونة والأكثر برودة. كما أن للطقس القاسي العديد من الآثار الضارة على المجتمع والبيئة فيها ، مما يؤثر على صحة الإنسان والبنية التحتية والزراعة والنظم الإيكولوجية. ويعد العراق وبعض الدول العربية واحدة من أكثر الدول عرضة للتأثيرات والمخاطر المحتملة وللأحداث المناخية القاسية. بالإضافة إلى ذلك تم رصد عدد من الظواهر المناخية المتطرفة في بعض الدول العربية ومنها على سبيل المثال:-

1.     هجوم الجراد الأحمر على مصر بشكل مكثف فى خريف 2004 بسبب تغيير اتجاه الرياح.

2.  أضرار موجات البرد الشديد (درجات الحرارة أقل من المعتادة الدنيا والقصوى) خلال شهر كانون الثاني عام 2008 والذي تسبب في إنخفاض إنتاجية معظم الحاصلات الزراعية ومنها على سبيل المثال إنخفاض إنتاجية الطماطة (- 20%) البطاطا (- 2%) المانجو (- 30%) الموز (- 40%) عن المتوسط العام.

تكرار السيول نتيجة لهطول أمطار غزيرة على بعض المناطق.

1.  الموجات الحارة خلال شتاء 2010 أدت إلى إنخفاض إنتاجية محصول القمح بـ – 11.8% عن المتوسط العام، ووفقًا للتقارير الدولية فإن عام 2010 سجل درجة حرارة مرتفعة على سطح الكرة الأرضية ضمن أعلى عشرة سنوات ارتفاعا فى درجات الحرارة ابتداء من عام 1880 وحتى عام 2010، وتم رصد الإرتفاع فى درجة الحرارة الدنيا والقصوى أعلى من المعتاد 2.2 درجة مئوية خلال فصل الشتاء 2010 مما تسببت في إنخفاض إنتاجية محصول الحنطة في معظم الدول العربية خلال موسم 2010 مقارنة بموسم 2009.

2.  عاصفة التنين في مصر خلال شتاء 2019 والتي أدت إلى نقص كبير فى إنتاجية المحاصيل الشتوية كالقمح والفول البلدي والبنجر نتيجة غرق الأراضي الزراعية وتشبعها بالمياه لمدة عشرة أيام متتالية بالإضافة إلى موجات العواصف المتتالية.

3.  وعلى اعتبار أن التقلبات الجوية والموجات الحارة أحد مؤشرات التغيرات المناخية وقد أدت إلى خسائر فى إنتاجية الحنطة أكثر من 10 % عن المتوسط العام بسبب ارتفاع درجة الحرارة فقط عام 2010 فكيف سيكون التأثير حال استمرار تزايد تركيز ثاني أكسيد الكربون والرطوبة وسرعة الرياح لذلك فإنه من المتوقع أن تتسبب التغيرات المناخية في آثار عديدة على الزراعية العربية وسواحلها ومواردها المائية.

تأثير التغيرات المناخية على إنتاجية المحاصيل

    تؤثر العوامل المناخية (الحرارة، الرطوبة، الضوء، الرياح، الأمطار، غاز ثاني أكسيد الكربون( CO2) على نمو النباتات وإنتاجيتها وتتفاعل التراكيب الوراثية للنباتات مع عوامل البيئة وتصل جميع العمليات الفسيولوجية والإيضية إلى أقصى معدل بها عندما يصل تركيز العامل إلى الحد الأمثل وينقص معدل العمليات بزيادة أو نقص شدة أو تركيز العامل البيئي عن الحد الأمثل. من المتوقع إرتفاع درجة الحرارة الدنيا بمعدل أكبر من الإرتفاع فى درجة الحرارة العظمي مما سيزيد الاستهلاك أثناء التنفس ليلا بشكل غير متكافئ مع معدل التمثيل الضوئي. وطبقاً لنتائج الدراسات والبحوث فأن التغيرات المناخية تؤثر على إنتاجية الحاصلات الزراعية الرئيسية فى الوطن العربي بمعدل نقص في الإنتاجية يتراوح من -5% – 20% بحلول عام 2100 ويختلف هذا النقض في الإنتاجية تبعاَ للتركيب الوراثي للمحصول ونظم الزراعة والإقليم المناخي لمنطقة الزراعة وسيناريو تغير المناخ.

 الإحتياجات المائية للمحاصيل

      تعتمد معظم الدول العربية  في إمدادها بموارد المياه من خارج حدودها ,فى ظل إضطرابات سياسية و إجتماعية في دول حوضي دجلة والفرات و حوض النيل مما يدعو إلى ضرورة التفكير في كيفية التعامل مع موارد المياه و التحسب لما يمكن إن يحدث مستقبلا بجانب التغيرات المناخية المتوقعة وأثرها على موارد نهر دجلة والفرات  واستخدام المياه فى العراق. ويستهلك القطاع الزراعي حوالي 75% من إجمالي الموارد المائية لذلك يجب تنمية الموارد المائية من خلال إيجاد بدائل كتحليه مياه البحر والمياه الجوفية بإستخدام تكنولوجيا الطاقة الجديدة والمتجددة وحصاد مياه الأمطار وتعظيم العائد المستدام من الزراعة المطرية. ومع ذلك فإن كفاءة إستخدام المياه فى الري الحقلي متدنية جداً بسبب فشل مشروع تطوير الري الحقلي فى تنفيذ أنظمة تتناسب مع أراضي السهل الرسوبي وظروفها البيئية، على الرغم من أهمية مورد المياه باعتباره المورد الأكثر ندره في الزراعة العراقية والحاكم لإمكانيات التوسع في الرقعة الزراعية ولم نلاحظ اي مبادرة من قبل الدولة للتوسع في إستخدام نظم الري المتطور وتبطين القنوات ولكن خطوات التنفيذ تحتاج الى رؤية قادرة على التعامل مع الواقع واعتماد  الدراسات النظرية للمتخصصين .وتؤثر التغيرات المناخية علي الإستهلاك المائي للمحاصيل الزراعية ولذلك من المتوقع زيادة الإحتياجات المائية لمحاصيل بنسبة أعلى من الوضع الحالي تتراوح من 2.9  إلى 12? بحلول عام 2050 للمحاصيل الإستراتيجية وذلك تبعاً لموسم الزراعة ونوع المحصول ومنطقة الزراعة مع زيادة الإجهاد المائي للمحاصيل في العراق.

 تدابير التكيف مع تحديات تغير المناخ على إنتاج المحاصيل

     يعتبر التكيف هو العامل المحدد لتلافي آثار تغير المناخ على إنتاج الغذاء. وهذه التدابير تتطلب استثمارات كبيرة من المزارعين، والحكومات، والعلماء، والمنظمات الإنمائية. ويتم تحديد أولويات الإحتياجات الإستثمارية فى منظومة التكيف بناءً على النقاط الأكثر هشاشة للمخاطر المناخية وحتى الآن الإهتمام بمخاطر المناخ علي القطاع الزراعي محدود. يوجد تقدم كبير فى العراق متمثلة بنشاطات المراكز البحثية كافة على مستوي إنتاج الأصناف والتراكيب الوراثية للمحاصيل الحقلية عالية الإنتاجية والتي يتحمل البعض منها درجات الحرارة المرتفعة ولكن هذا لا يعني تكيفها مع التغيرات المناخية (التفاعل بين زيادة الحرارة وثاني أكسيد الكربون ورطوبة نسبية أعلى) وتحتاج إلى اختبارات حقيقية بمستوي يقين عالي حتى نتمكن من تحديد الإستراتيجيات الوطنية للتكيف مع التغيرات المناخية والتي من بينها:

  تصحيح مفهوم التغيرات المناخية الزراعية لدي متخذ القرار والباحث .

·        إجراء دراسات ميدانية عن مخاطر التغيرات المناخية بدقة عالية وذلك لاستخدام مخرجاتها لبناء الإستراتيجية الوطنية للتكيف مع تغير المناخ مع تفعيل وتنشيط المؤسسات البحثية التابعة لمركز البحوث الزراعية للقيام بدورها.

·        التربية لإنتاج أصناف ذات قدرة إستجابة عالية لتحمل درجات الحرارة وتستجيب لمستويات مرتفعة من ثاني أكسيد الكربون.

·        التكيف باستخدام الأساليب الزراعية المختلفة وتغيير أساليب الري (التحول إلى تكنولوجيات المحافظة على المياه) والممارسات الزراعية الجيدة من حيث كمية وتوقيت الري وتغيير مواعيد الزراعة وإعادة تصميم الدورة الزراعية.

التحميل والتكثيف الزراعي المتوافق .

·        تدعيم آلية الإنذار المبكر بإستخدام الرصد الجوي الزراعي للحد من المخاطر الجوية (صقيع- إجهاد حراري،…..الخ ).

·        الاهتمام بالإرشاد الزراعي وتشجيع ودعم الممارسات الزراعية الجيدة والإدارة المزرعية المتكاملة.

 

 
عدد المشاهدات : 293