مقالة علمية

مقالة علمية

 بسم الله الرحمن الرحيم

"معالجات الانسداد السياسي في العراق  بين الشرعية والمشروعية"

       ما تشهده الساحةُ السياسية من تقديم مبادراتٍ, لا تعني التقدُّم الحقيقيَّ لتفتح القنوات, وتجاوز ما كان من انسدادات, عرقلت سير العملية السياسية, بما يمَكِّنُ من جعل نتائج الانتخابات- التي تعاني التعطيل لتحديد الرئاسات, وإعلان الحكومة المرتقبة؛ التي يفترض أنَّها وليدة النتائج الانتخابية, التي تستوعب الاحتجاجات الشعبية, وتلبِّي الحاجات الملحَّة؛ التي تسعفُ أحوال الشعب المعيشية, وقد طُبِعَتْ على كدرٍ, لا يكادُ يغادرها إلى صفوٍ في العيش ولا إلى رغيده.

     كلِّ الفاعلين-جماعات وفرادى- قد تقدَّموا بمبادرات؛ وُصِفَتْ وفقَ رؤيتهم أنها طُرحتْ لتجاوز الانسداد, والدفع بالعملية السياسية قُدُمَاً؛ إلاَّ أنَّها في حقيقتها- سواءٌ صِيغَتْ في إطار: السلطة التشريعية,؛ ممثَّلةً بالتمديد للتوقيتات الدستورية؛ أو مبادرات الكتل والتيارات السياسية ببغداد, لفسح المجال لتقديم الحلول وعقد التوافقات, أو حتَّى المبادرات الصادرة عن القوى؛ التي لمْ تزل تمسك بزمام السلطة في المركز وفي الإقليم كذلك- تعاني بجملتها إشكاليةَ التأسيس لتلكم المبادرات, التي جعلتها لا تحظى بقبول واسع, من لدن الموالين والمعارضين.

أوَّلاً: فثمَّةَ من يستندُ في مبادراته إلى اعتبار الشرعية ممثلةً بمراعاة المكونات, وواقعها في الواقع, وفيما أقرَّ دستورياً, واعتماد حجمها في قائمة المكونات الاجتماعية للنسيج العراقيِّ, ومعوِّلاً على الدعم الإقليميِّ في "تحصيل المشروعيةِ".

ثانياً: وثمَّةَ من يستندُ في اعتبار الشرعيةِ إلى النتائج الانتخابيةِ, ويستندُ إلى ما سبقها من احتجاجات شعبيةٍ, "تحقق المشروعيةَ", وبما يتجاوز التيارات السياسية-وانتماءاتها الاجتماعية-المذهبية.

ثالثاً: وثمَّةَ من يستندُ إلى قدرته السياسية في قيادة المكوِّن المذهبيِّ وتمثيله؛ تبعاً لما حصده من أصواتٍ في الانتخابات الأخيرة, التي عدَّها مصدراً للشرعيةِ, ومرجعاً للمشروعيةِ جملةً واحدةً, لكن بما يتجاوزُ القيادات التقليدية, التي مثَّلتْ يوماً ما المكون, سواء في عمق الانتماء القبلي/السياسي.

رابعاً: وثمَّةَ من يستند في قيادته المكون القوميَّ, إلى العمق التاريخي, وإلى ثقله الواقعي في العملية السياسية للإقليم, مستنداً كذلك إلى النتائج الانتخابيةِ في بغداد وأربيل, بوصفها جميعاً مصدراً للشرعيةِ, ومرجعاً للمشروعيةِ, بغضِّ النظر عن مراعاة القوى السياسية/المناطقية الفاعلة في المناطق الكوردستانية خارج أربيل ودهوك, وما كان من توافقات واتفاقات بينهما.

خامساً: ولم يُستَثْنَ المستقلون, من ممثلي الشعب في البرلمان من ذلك, بتيههم عن ضالَّتهم, في الميل إلى بعضِ تلكم المبادرات, جعلت من مشاركتهم في الانتخابات موضع التأرجح ما بين الصواب والخطأ؛ إذ باتت موضع تشكيك في تمثيلها للشعب واحتجاجاته من عدمه.

     إنَّ ما تعانيه العملية السياسية من انسدادات, لا تعني أنَّ آثارَ الإخفاق في تجاوزها سيبقى في حدود العملية السياسية, وشرعيتها, بل ستفضي إلى أن يكون العراق بكلِّ آفاقه عرضةً للتأزُّم, في كلِّ آفاقه, وعلاقاته, ومكوناته, ومركزه وإقليمه, بما قدْ يجعلُ العمليةَ السياسيةَ, إن لم يكن النظام السياسيِّ برمَّتهِ, عرضةً لفقدان "المشروعيةِ" التي ستجعل الفاعلَ الأقوى, هو الجانب الشعبي, الذي يفتقد-في العراق-إلى إمكانات تنظيمه, وترشيد توجهاته, وضبط حركته, بما قد يجعل الأمور متفلتةً عن: القوى السياسية, والقوى الإقليمية, والقوى الدوليةِ, عاجزةً عن تهدئته, وتلبية ما يعينُ على الاستقرار وتحقيق مصالحه, بما ستصاعده من خلافات تؤسس لصراعات, قد تتخذ أكثر من طابع لها.

    وممَّا لا بدَّ من التأكيد عليه-في هذا الإطار-أنَّ الأوضاع السياسيةَ إذا كانت بحاجة ملحَّةٍ إلى الإصلاح, فهي ولا شكَّ للمصالحة أحوج.

 

مصطفى جابر العلواني

13/5/2022