مفهوم الثقافة من منظور صيني

مفهوم الثقافة من منظور صيني

 تعرف الثقافة الصينية بأنها طريقة حياة المجتمع الصيني ، بحيث يرى " ستيفن أيون " أن الثقافة الصينية مفهوم حديث تشكل أثناء الثورة الصينية ،وأصبح واضحا في مواجهة الثقافة الغربية ، إذ لم يستخدم الصينيون المفهوم العلماني الغربي للثقافة ليعبر عن ثقافتهم ، بل استخدموا مفهوم يعبر عن البوذية والكونفوشيوسية والطاوية ، واستخدمت الثورة الصينية مصطلح الثقافة الصينية في مجابهة الثقافة العلمانية الغربية في فترة الصراع بين الشيوعية والرأسمالية في النصف الثاني من القرن العشرين ، حيث احتفظت الصين بوحدة ثقافتها وبمفاهيمها الثقافية ولم تتخل عنها ، ولم تتأثر كثيرا بالمفاهيم الغربية ، ويرجع الفضل في ذلك دون ان يتعرض المجتمع الصيني الى التمزق أو الصراعات الثقافية الى قادة الثورة الصينية ، وتعتبر الثقافة الصينية من اقدم الثقافات الحية الموجودة حاليا ، وتمثل مجتمع معاصر يؤمن بالمعتقدات الدينية التي قامت على تلك الثقافة وتلك الحضارة ، ومن اجل مواجهة الثقافة والحضارة العلمانية الغربية ظهرت الكونفوشيوسية الحديثة للمحافظة على التقاليد الصينية وحمايتها من الغزو الفكري الخارجي ، حيث ادركت الصين ، أن الثقافة أصبحت بشكل متزايد مصدرا رئيسا للتلاحم والابداع الوطني ، في حين أظهر التأريخ أنه عند نهوض أمة ما ، فأنها تبدأ بالبعد الثقافي ، إذ أن الثقافة تعبير عن التنشئة الاجتماعية للإنسان ، حيث تعتبر قلب الدولة وروح الامة ، وهي التي تحدد كيان الدولة وقدرتها التنافسية ، بالإضافة الى تحديد مستقبل وأمل الأمة ، كما تحدد بقاء وتطور الانسان في المجتمع الذي نعيش فيه ، فالإنسان بحاجة الى الثقافة كي يتطور ويندمج مع غيره في المجتمع ، وبالتالي فأن ما يقوم به الافراد من اعمال وانشطة ثقافية هي مجرد محاولات لاستخدام الثقافة في صياغة وتشكيل روح الامة ، وتعبر الثقافة عن روح التناغم في المجتمع ، حيث تعتمد عملية التناغم بين الانسان والمجتمع والطبيعة على الثقافة ، أي أن التناغم بين الانسان والانسان ، وبين الانسان والمجتمع ، وبين الانسان والطبيعة هو نتيجة للثقافة والمكونات المعنوية . كانت الصين أولى الأمم التي شكلت ثقافة تقليدية متميزة ، بالشمولية أكثر من الخصوصية ، الامر الذي أثر على كل جوانب الحياة الصينية ، على سبيل المثال ، توحدت آلاف اللكنات الصينية في إطار لغة مكتوبة واحدة في انحاء هذه الدولة شاسعة المساحة ،  ايضا يختلف سكان بكين وشنغهاي وجوانزو، أشهر ثلاث مدن في الصين ،اختلافا كبيرا عن بعضهم البعض من حيث اسلوب الحياة والعقلية ، كما تظهر اختلافات جلية بين 56 مجموعة عرقية صينية ، ولكن أغلب هذه الاختلافات ان لم يكن جميعها تتكامل مع بعضها البعض في نطاق الاطار العام للفكرة الكونفوشيوسية المعتمدة على الوحدة في التنوع .بحيث وظفتها الصين في محاولة منها للتأثير على الشعوب والثقافات الأخرى لتحقيق أهدافها ومصالحها ومكانتها في البيئة الدولية ، حيث لا تقاس الدولة بما تمتلكه من قوة اقتصادية وعسكرية  فقط ، بل تقاس ايضا بثقافتها وقيمها الاخلاقية ، من هنا أدرك صناع القرار بضرورة تنويع مجالات الانفتاح على العالم ، لا سيما في المجالات الثقافية ، حيث أدركت النخبة الثقافية في الصين بأن الانفتاح الثقافي لا يقل أهمية عن الانفتاح الاقتصادي بالنسبة لمصالح البلاد . وبذلك يمكن للصين أن تعزز وتوسع قوتها ، فقوة الدولة لا تنحصر في مكانتها الاقتصادية ، بل أيضا في أنماط حياة مواطنيها ، ومستوى التنمية الثقافية والمنظومة القيمية والاخلاقية.

الدكتور . شاكر رزيج محمد

التدريسي في كلية القانون و العلوم السياسية
قسم العلوم السياسية