أهداف الغزو الفكري

أهداف الغزو الفكري

مقالة الأستاذ المساعد الدكتور عبدالجبار حميد صالح

أهداف الغزو الفكري:

إنَّ المتتبع لأهداف الغزو الفكري المعاصر يجدها لا تختلف كثيراً عن مؤامرات الماضين ومكائدهم وهذه المؤامرات والمكائد غرضها الطعن بالإسلام وتشويه حقائقه ورموزه الكبيرة من القرآن الكريم والسنة النبوية ، وصد الناس عن الإيمان به والدخول فيه، وإفساد من أسلم بالتنصير أو التشكيك في العقيدة على أقل تقدير ، وبذلك وغيره يتم القضاء على الإسلام واستغلال أهله وأرضه، وهذه الأهداف هي :

أولاً: ترك المسلمين لدينهم  وإبعادهم عن عقيدتهم : والواقع هناك صلة وثيقة بين الغزو الفكري والغزو العسكري  فكلا الغزوين يهدف لإبعاد المسلمين عن دينهم , والغزو الفكري هو الذي ساعد الاحتلال على دخول بلاد المسلمين وإذلالهم ونهب خيراتهم , فقد عمل هؤلاء كلٌ حسب موقعه على إفساد المسلمين وإبعادهم عن الإسلام بما ينشرونه من أمراض حضارتهم كالانحلال والإباحية والسفور، عن طريق وسائل الإعلام المرئي والمسموع وعن طريق الكتب والصحف والمجلات وغيرها من هذه الوسائل التي يروجها الغرب ، والتي هي جزء من مؤامراتهم الدنيئة التي تحاك ضد الإسلام في القديم والحديث لهدمه من الداخل قبل شن الحرب عليه ، يقول لويس التاسع ملك فرنسا بعد أن وقع في الأسر وبقي سجيناً في المنصورة يقول: ((إذا أردتم أن تهزموا المسلمين فلا تقاتلوهم بالسلاح وحده, فقد هزمتم أمامهم في معركة السلاح ولكن حاربوهم في عقيدتهم فهي مكمن القوة فيهم)) ([1])

وفي هذا الشأن يقول الدكتور البهي: فالغرب يعملون على إضعاف القيم الإسلامية والتيئيس من التضامن والتكتل الإسلامي وإفساد الإسلام والتراث الإسلامي ، وقد اختار الغرب  وسيلة لذلك فيما أبرزه من المفارقة بين الغرب والشرق من تقدم الأول وتأخر الثاني، وابتدأ العلم وابتدأت الدراسة هناك تبحث عن أسباب هذه المفارقة وتركزت الأسباب أخيرًا في المقابلة بين المسيحية والإسلام، المسيحية دين المتقدمين والإسلام دين المتخلفين... ([2]).

ثانياً: تشكيك المسلمين في تراثهم الأصيل وحضارتهم العريقة : لقد زرع الغرب الشك في البلاد الإسلامية ، مما جعل الكثير من أبناء جلدتنا يهاجمون التراث الإسلامي بما فيه من قيم وإمكانيات هائلة، حتى وصل ألأمر عند بعض المسلمين إلى ترك تراثهم العريق ليتبنوا مكانهُ الأفكار الغربية الباطلة التي جعلتهم ينساقون وراء الغرب ويطيعونه الطاعة العمياء  ، وصاروا تبعاً للغرب في كل ما يقول وما يفعل ، فـ(أول من هاجم التراث الإسلامي وأثار الشبهات حوله الدكتور طه حسين في (مسألة الشعر الجاهلي) ودعا إلى تطبيق منهج الشك الديكارتي عليه . ولقد تبين فساد منهج الشك الذي اصطنعه طه حسين ، ووضح اختلافه مع منهج ديكارت ) ([3]).

لقد كان من أوضح أهداف الغزو الفكري أن يرتاب المسلمون في تراثهم الأصيل ، وأن يتحولوا عنه إلى فكر مطبوع بالطابع الغربي ، وهذا ما يحلم به الغرب ويخططون له .

ثالثاً: السيطرة السياسية على بلاد المسلمين: وهذا الأمر يتحقق بأمرين : أحدهما الاحتلال المباشر من خلال الحروب العسكرية التي تشنها الدول الغربية الطامعة على البلاد الإسلامية وخصوصاً البلاد الغنية بالثروات0 وما أكثر الأمثلة على ذلك ، وكي لا نذهب بعيداً بالبحث عن الأمثلة نلتمس المثال على ذلك من بلدنا العراق حيث أعلنت قوات الغدر والعدوان  ألأمريكية والبريطانية ومن ساعدهما الحرب  على العراق في عام( 2003)  وكان الهدف من ذلك السيطرة السياسية على العراق وتدميره بالكامل ؛ لأنها تعتبر العراق من أهم مصادر الخطر الذي يهدد كيان الغرب عموماً وأمريكا خصوصاً وإسرائيل أو اليهود  بشكل اخص ، وقد صّور الإعلام الدولي العراق بأنه رابع أكبر قوة بالعالم([4]).  

 والذي يبدو أنَّ هذا التصوير عمل على افتعال ضجة كبيرة في البلاد الغربية وغيرها  تُبين بأنَّ العراق أصبح خطراً على البلدان فمن أجل ذلك يجب على البلدان أنْ تتشارك لتفادي هذا الخطر  - المزعوم - الذي أصبح يهددها بالدمار !! والذي يبدو أنَّ هذه الضجة افتعلها الساسة الغربيون ليروا رد الفعل للعالم العربي والإسلامي إزاء العراق ؛ فتبين لهم بأنَّ العرب والمسلمين متفرقون أشتاتا ً ، وقد ساعد هذا التفرق على احتلال العراق ، ليس التفرق فحسب بل لقد وصل ألأمر ببعض حكام الدول العربية إلى تقديم يد العون للمحتل حيث ساعدوا الأمريكان المعتدين على إرساء  قواعد تكون منطلقاً برياً وجوياً للجيوش المحتلة!!

 أما الأمر الثاني فهو: الاحتلال غير المباشر للبلاد الإسلامية وذلك (بأن يجعلوا من حكامها تابعين لهم لا يخرجون عن إرادتهم وطوعهم ولا ينفذون إلا ما يريدون, وقد حدث هذا بعد خروج المحتل ولكنه أبقى نفوذه ووصايته, فبعد اكتشاف النفط في دول الخليج بادرت بريطانيا إلى اخذ التعهدات من حكام تلك الدول ألا يمنحوا امتياز التنقيب عن النفط لشركات أو أشخاص دون مشورتها.

  رابعاً: الاستغلال الاقتصادي لبلاد المسلمين : وذلك لأن البلاد الإسلامية وخصوصا العربية   تقوم على اقتصاد قوى وهذا الاقتصاد القوى لابد له من  موارد اقتصادية واغلب بلدان العالم الإسلامي بها الموارد الاقتصادية التي سال لها لعاب الدول الغربية قديماً وحديثاً مما جعلها تحاول جاهدة استغلال هذه الموارد .

خامساً: إبعاد المسلمين عن مصدر قوتهم –القرآن- عن طريق التشكيك فيه: الغزاة أدركوا أن المسلمين وان كانوا في ضعف وهوان وتشرد وانقسام إلا أنهم يملكون سلاحاً قوياً يستطيعون به الانتصار على عدوهم متى استخدموه ، لذا حرصوا اشد الحرص على إبعاد المسلمين عن هذا السلاح وعن مصدر قوتهم فبدؤوا بمحاربة القرآن الكريم ومحاولة إبطال مصدريته وإبعاده عن بلاد المسلمين وذلك من خلال التشكيك فيه.

يقول غلادستون  رئيس وزراء بريطانيا الاسبق: لن تحقق أوربا شيئاً من غاياتها أبداً في العرب ، إلا إذا سلبتهم سلطان القرآن ، أخرجوا سر هذا الكتاب -القرآن- مما بينهم تتحطم أمامكم جميع السدود([5]).



- [1] واقعنا المعاصر : محمد قطب/ مصدر سابق . ص183

- [2] ينظر: الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي : د. محمد البهي / مكتبة وهبة للنشر ، مصر الجديدة ،ط4،  1384هـ- 1964م ، ص 50-51

- [3] (التراث الإسلامي بين الأصالة والتزييف) حقائق حول التراث الإسلامي: أنور الجندي

- [4] ينظر: حمى سنة 2000(نظرات جديدة في مسيرة الصراع الديني ضد المسلمين ): عبد العزيز بن مصطفى كامل / مؤسسة دار السليم للنشر ، الرياض ، ط1 ، 1420هـ 1999م. ص 50

- [5] ينظر: القراءة المعاصرة للقرآن في الميزان ، أحمد عمران / ، دار النفائس للنشر ، لبنان- بيروت ، ط1 ، 1995 . ص 17. وينظر: قادة الغرب يقولون دمروا الإسلام أبيدوا أهله  /للأستاذ جلال العالم / د. ذكر دار النشر ، ط2 ، 1974م. ص31