روح النص والامانة العلمية لدى المترجم

روح النص والامانة العلمية لدى المترجم

 

المدرس عفتان مهاوش شرقي

كلية التربية القائم _ قسم اللغة العربية

روح النص والامانة العلمية لدى المترجم                  ( لتنزيل المقال اضغط هنا )

مع تقدم التكنولوجيا والتطور العلمي السريع وظهور وسائل الترجمة الالية، أصبح بمقدور أي شخص ان يكون مترجما.ً، ما عليه سوى كتابة النص الذي يريد ترجمته في جوجل ثم يحدد ترجمته بلغات كثيرة .

وربما يشعرنا هذا وللوهلة الأولى أن امتهان الترجمة مهمة سهلة بسبب تطور وسائل الترجمة الألية إلا أن الحقيقة عكس ذلك، فالمترجم يجب ان يكون متمكنا من اللغة الهدف، ضليعاً بلغة المصدر وان يكون ملماً بثقافة المتحدثين باللغة التي يترجم اليها. كما يجب على المترجم أن يحقق هدفين أثناء الترجمة هما: الأمانة العلمية في النقل، والمحافظة على أصالة النص، حتى يستطيع ان يوصل المعلومة وان يقرئها القارئ بلغة الهدف كما لو كانت مكتوبة بتلك اللغة.

وإذا ما تطرقنا للصعوبات التي تعترض طريق المترجم فهي كثيرة، منها ما يتعلق بإمكانيات المترجم ومدى اتقانه للغتي الهدف والمصدر، ومنها ما يتعلق باللغة الهدف، التي ينوي المترجم نقل النص اليها ، فقصور بعض اللغات عن مجارات لغة المصدر وخاصة اذا ما تكلمنا عن اللغة العربية وثرائها  بالمعاني والتي تمتلك ما يزيد عن عشرات الملايين من المفردات اذا ما قرنت بلغة أخرى مثل اللغة العبرية، حتماً سيجبر المترجم في بعض الأحيان الى الاتيان بألفاظ لا توازي المقابل العربي، او استخدام جملة  او عدة كلمات لتعبير عن لفظ عربي مفرد، وهذا الاسهاب يجرد النص من الصورة الجمالية التي يحملها ، او ربما يضطر المترجم على وضع هامش توضيحي في اسفل النص لمصطلح معين يورده المترجم كما هو يضعه بأحرف لغة الهدف ، خاصة اذا تعلق الامر بمصطلح ديني كمصطلح الزكاة او الجهاد او التوبة عند نقلها الى اللغة العبرية .

ومن الإشكاليات الأخرى التي يواجها المترجم مطابقة الجنس ففي بعض الأحيان تتم الإشارة الى أسماء حسب جنسها في لغة المصدر وليس هو الحال دائماً مطابق لغة الهدف، فكثير من الكلمات يكون جنسها مؤنثة في اللغة العربية وفي اللغة العبرية يكون جنسها مذكر والعكس صحيح فمثل كلمة شجرة مؤنثة في اللغة العربية وهي مذكرة في العبرية وتجمع جمع مذكر.

يواجه المترجم ايضاً إشكالية ترجمة التي لا تقتصر ترجمتها على معنى الكلمة وانما يتعدى ذلك الى الصوت كما في الاوزان والقوافي، وقد لا تنتهي الكلمتين بنفس القافية لذلك يضطر المترجم للبحث عن كلمات مرادفة او مشابهة تتناغم مع الكلمات في سياق الجملة، ففي ترجمة القصيدة يكون العمل اشبه بكتابة قصيدة جديدة مستوحاة من القصيدة في لغة المصدر. بداية تترجم القصيدة على انها نص نثري، ثم يعيد المترجم بناء القصيدة جاهداً في البحث عن قافية مشابهة للقافية والوزن الأصلي ويجب على المترجم ان يترك شيء للمتلقي من ثقافة لغة المصدر واساليبها لكي يتمكن من نقل ذلك العالم الغريب له. وقد تكون الترجمة وخصوصاً في القضايا العقائدية والدينية من اخطر الموضوعات كون الكثير من التوجهات تلقي بأثرها على هذا الجانب، ونحن اذ نتحدث عن اللغة العبرية، فلا يخفى علي الجميع ان التصدي ونقد هذه الترجمات يعتبر من ضروريات جيوش المترجمين المختصين في هذه اللغة، وذلك لان الترجمات التي قدمها (الاكاديميين الإسرائيليين) كانت محط شك وريبة فمنهم من قدم القران الكريم بلغة بسيطة مجردة من صورها البلاغية، وكأنها لغة جريدة والقسم الاخر أدخل الكثير من المصطلحات التوراتية والقصد كان محاولة الايحاء بان القران الكريم مأخوذ من العهد القديم، كما ان قسم من هذه الترجمات في ضعفها وعدم دقتها نابع من الثقافة القليلة وعدم ادراك البلاغة العالية للقران الكريم ناهيك عن عدم مرونة اللغة العبرية واصطناعها قد أشكل عليهم تقديم ترجمة خالية من الاخطاء والانتقادات. ومن هنا فان مهمة المترجم تكون بالغة الصعوبة وتحتاج منا أن نكون متيقظين، كل حسب اختصاصه في جدية عمليات الترجمة وتقديم النصوص الدينية بشكل دقيق بعيد عن التدليس في الالفاظ ولا يعني هذا اهمال باقي نواحي الحياة، بل جميع الموضوعات والنواحي السياسية والاجتماعية وغيرها، فالمترجم والترجمة عملية نقل كائن حي من بيئة الي بيئة جديدة واي تغيير او انتزاع اجزاء منه سيؤدي لوفاة النص وقتله بلا رحمة.