المدينة العربية بين الواقع والمستقبل

المدينة العربية بين الواقع والمستقبل

المدينة العربية بين الواقع والمستقبل                                                          لتنزيل المقال اضغط هنا

م.م. محمود عكاش احمد

           تمثل المدينة احد فروع الجغرافية البشرية التي يرتكز قيامها على امتلاكها للمقومات الجغرافية الطبيعية منها والبشرية بما فيها من بنى تحتية تسهم في الاستقرار البشري على ارضها وبالرغم استقرار وتواجد 45% من سكان العالم في المدن واختلاف بيئاتها الحضرية من موضع الى اخر واختلافها من حيث الحجم والنطاق، تبقى تلك المدن الاساس الثقافي والاقتصادي والاداري والاجتماعي الذي يلبي متطلبات الحياة الحضرية، وامتداده الى اقليمها المجاور والبعيد، ولا يمكن ان تستمر هذه المدن دون استمرار وتنوع التغييرات والتطورات فيها لتواكب تطورات العصر الحديث لديمومة المدينة والمحافظة عليها.                                                                          

           لقد عانت الكثير من المدن في القرن الماضي من ضعف البنية التحتية بما فيها النقل والاستدامة والتوظيف الفعال لمتطلبات ديمومتها، وللأسف لازالت المدن العربية والعراقية منها تعاني هذه الاشكالية وهذا ما اشار اليه جون ديل موث ممثل الامم المتحدة لإدارة الشؤون الاجتماعية والاقتصادية في العالم والذي اعتبر ادارة البيئات الحضرية أحد أبرز التحديات التي تواجه التنمية في القرن الحادي والعشرون.                         

            وهنا يبرز دور الجغرافي المتخصص في دراسة العلاقات المكانية وتفاعلها  ما بين المستقرات البشرية الحضرية وما يحيط بها مع بعضها البعض من اجل استدامة المدينة وتحسين كفاءتها، ونظراً للسرعة العالية في نمو المدن فأننا بحاجة الى التفكير والتخطيط العلمي المباشر لواقع مدننا من اجل الوصول الى الطرق المناسبة التي تجعل التحضر عنصراً مستداماً ، ففي البلدان الحديثة نجد ان توفير التعليم والخدمات الصحية للسكان امراً في غاية الاهمية، فالبيئات الحضرية التي يكتظ بها السكان في مدنها لا سيما العربية والعراقية منها تعيش بطرق مأساوية تفتقر الى تطبيق اسس التعليم الحديثة ومعايير كفاءتها العالية والاستفادة من مخرجاتها وتفعيلها والضعف في خدماتها الصحية واحادية مواردها الاقتصادية دون التفكير بإيجاد بدائل لها، فضلا سرعة انتشار الأوبئة فيها مثل فايروس كورونا الذي اعطى درساً واضحاً عن واقع مدننا العراقية وما تعانيه من الضعف والحرمان من متطلبات الحياة الحضرية التي تحقق الغاية المدنية لمفهوم التمدن ، ولذلك فمن اعتمادنا على متطلبات التحضر المستدام يمكننا تغيير الطريقة التي يخطط بها في بناء المدن وبالشكل الذي يحقق اقل ضرراً بيئياً والافضل للعيش والاستقرار فيها ، فمن خلال المتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتعليمية والخدمية المتنوعة والثقافية يمكن للمدينة توفير حياة افضل واكثر استدامة للسكان، وهذ يمكن ان نطلق عليه بالهيكل التنظيمي لمبانيها وتنوع فضاءاتها وطرق نقلها وامداداتها الاقتصادية ومصادر طاقتها والتي تشكل العمود الفقري لبنائها الاقتصادي السليم ، فبدون تطوير البنى التحتية لا يمكن بناء المدن لأنه في كل يوم يستخدم كل فرد في مجتمعها نوعاً وشكلاً من اشكال البنية التحتية، فالابتكارات الجديدة في البنى التحتية تعزز وتسمح في زيادة الكفاءة الانتاجية والتغيير المستمر في النظام الاجتماعي والثقافي الحضري للسكان، وهذا ما يعزز الدور الفاعل لسكان المدينة والذي يمكن الإشارة اليه من خلال المدن الحديثة، اذ استطاعت مدن القرن الحادي والعشرين من الوصول الى مديات متقدمة لتنفيذ تطلعاتها وطموحاتها التي تصبو اليها في تحسين الحياة و تلبية المتطلبات و الحاجات الانسانية والاجتماعية المعاصرة من خلال توجهين أساسيين هما التوجه الاول يتمثل بنموذج المدن المستدامة الذي يستند الى الحفاظ على الموارد والطاقات المتاحة للبيئة ، واعادة استغلاها بمعايير غير مستنفذة صحيا وبيئيا.           

          اما التوجه الثاني فيتمثل بنموذج المدن الذكية التي تستند الى استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كــوسيلة لتحقيق أهدافها، وكأداة لتحسين المدينة                                    وان هذين التوجهين بدأت ملامحهما تظهر في مجالات التصميم والتخطيط   الحضري في بدايات عقد الثمانيات من القرن المنصرم، ولكل منهما مبادئه الخاصة به، األا ان توجهات التخطيط والتصميم الحضري الحديثة المعنية بالتخطيط الاستراتيجي لنمو المدن تتجه الان للترابط بين هذين التوجهين في محاولات لتكامل كافة الامكانات والعوامل المؤثرة والمتأثرة بالتخطيط الحضري في هذين التوجهين، لذلك قد يرى القارئ هذا المقال انه مجرد اراء وأفكار صعبت التطبيق لكنه عندما نعتمد قياس المؤشرات الحضرية لاستدامة مدننا ونحن في القرن الواحد والعشرون التي تعتمد على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كوسيلة لتحقيق أهدافها العقلانية وقياس كفاءة خدماتها لاسيما التعليمية والصحية وفي ترشيد الاقتصاد والطاقة وتنوعهما فضلا عن قياسهما الزمني ندرك الإشكالية الموجودة فيها والالية التي يجب اتباعها للحيلولة دون استمرار مشاكلها والانتقال بها الى نمط المدن المستدامة ، ففي المدن الذكية الحديثة نلاحظ انها تستند الى الاعتماد على نمط النمو الحضري المستدام، والذي يتم فيه ربط رأس المال البشري ورأس المال الاجتماعي والبنية التحتية بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات من أجل معالجة القضايا الحضرية العامة، لـتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز نوعية الحياة لمواطنيها.