التنمية المستدامة من منظور جغرافي

التنمية المستدامة من منظور جغرافي

 

التنمية المستدامة من منظور جغرافي

م.حازم محمد خلف

         شهد العالم خلال السنوات الأخيرة تطورات جوهرية طالت مختلف جوانب الحياة وأثرت في مختلف أنواع المؤسسات، مما ولد عالما جديدا سمي بالعولمة، الذي سادت فيه الثورة العلمية و التطورات التقنية الهائلة.

        ان هذا الواقع الجديد أوجد حاجة متزايدة لنوعية جديدة من التعامل مع الواقع البشري الحالي الذي يتطلب تفكيرا عالميا وعملا محليا.

         ان العنصر البشري يعتبر اهم مرتكز ترتكز عليه التنمية البشرية ، والتي تقودنا الى تحقيق التنمية المستدامة.

        التنمية في اللغة مصدر أشتق مـن الفـعـل نـمـا أي زاد، ويعني الزيادة والكثرة ومنه ينمي ونماءاً، وبهذا فالتنمية هي فعل النماء والعمل على إحداثه (سواء في المال أو غيـره).

          أما التنمية (اصطلاحاً) فهي تغيير الأحوال نحو الأفضل وهذا يحدث بوسائل وإجـراءات مخطط لها سلفاً، ووضعها موضـع التطبيق، وإذ اختلفت رؤى الباحثين فـي تـعـريفهم الاصطلاحي للتنميـة استنادا لخلفياتهم الفكرية أو ميادين عملهم، فإنهم مجمعون على الاهتمام بتوسيع قدرات الناس ليحيوا حياة يتمنونها أو يرغبون في تحقيقها

        تأخذ التنمية اشكال متعددة وتكون فرصة جديدة مواتية لنوعيّة تطوير مناحي الحياة جميعها وكيفيّة توزيع منافعه على كل طبقات المجتمع، لتحقيق الهدف الأسمى الا وهو التنمية المستدامة التي تفرض نفسها كمفهوم عملي للمشاكل المتعدّدة التي تتحدّى البشرية.

 

ماهية التنمية المستدامة
    إن الذي يتحدث عن التنمية المستدامة كمفهوم فإنه يعود الفضل في نحته إلى الباحث الباكستاني "محبوب الحق "و الباحث الهندي "أمرتاياس" و ذلك من خلال فترة عملهما في إطار البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، فالتنمية  المستدامة بالنسبة إليهما تنمية اقتصادية اجتماعية وليست تنمية اقتصادية فحسب تجعل الإنســــــــان منطلقــــــــــــــــــــــــــــها و غايتها، و نتعامل مع الأبعاد البشرية أو الاجتماعية للتنمية باعتبارها العنصر المهيمن و ننظر للطاقات المادية كشرط من شروط تحقيق التنمية المستدامة.  لقد أولت الأمم المتحدة اهتماما خاصا بمفهوم التنمية البشرية منذ عام 1990 م عندما اصدرت التقرير الأول للتنمية البشرية، و طبقا لما ورد في تقرير التنمية البشرية الصادرة عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة فان التنمية البشرية تعرف بأنها " عملية توسيع خيارات الناس "و الخيارات يمكن أن تكون مطلقة، و يمكن أن تتغير بمرور الوقت و لكن الخيارات الأساسية الثلاثة على جميع مستويات التنمية البشرية هي:

1-   أن يعيش الناس حياة مادية صحية.

2-   اكتساب المعرفة.

3-   الحصول على موارد لازمة لمستوى معيشة لائقة.


              ومن خلال فهمنا للتنمية المستدامة  يكن لدينا تصور واضح بان أي تنمية  في أي إقليم يجب ان يكون هنالك دور للجغرافي ،من خلال  دوره المهم في حل الكثير من مشكلات التوازن التنموي بين الأقاليم وإعطاء البعد المستقبلي لتنمية اي  منطقة جغرافية  ببعديها الزماني والمكاني وهو ما يدخل ضمن مفهوم الجغرافية المستقبلية.

كما يعمل الجغرافي على توضيح  ورسم صورة  توزيع نتائج التنمية بين الأقاليم  الجغرافية  بشكل متوازن  مدركا وناضرا بعين الاعتبار  تنمية المناطق او الأقاليم الجغرافية الأكثر فقرا ومحاولة الموازنة بينها وبين الأقاليم الجغرافية الأكثر غنى  , بغية الوصول إلى مرحلة العدالة التنموية، كما ان للجغرافي دور بارز في  احداث عملية التنمية المستدامة من خلال استخدامه للوسائل الإحصائية وابرزها مؤشّر مرتبة التنمية ومؤشّر حالة التنمية ولا يقتصر دور الجغرافي على دراسة التنمية من الجوانب التي تمت الإشارة اليها، بل يساهم ايضا بإدخال التنمية ضمن مفاهيمها الرئيسة وأبراز التوزيع والتباين والعلاقات المكانية، فهي تبحث في تباين مستويات التنمية بين الدول وتوزيع الدول بحسب موقعها في سلم التنمية.

         كما ويرى الجغرافي ان التنمية تعني إيجاد أفضل السبل لاستغلال موارد اقليم ما لتحقيق رفاهية سكانه وتلبي طموحاته، وان هذه الموارد يختلف توزيعها من نطاق الى آخر ويختلف معها طرق استغلالها حسب قدرة السكان على ذلك ومن ثم ينعكس ذلك على تفاوت مستويات نوعيات الحياة.

ومن هنا تظهر قضية الاختلافات المكانية في مستويات التنمية ويأتي دور الجغرافي لإبراز تلك الاختلافات، لذا تعرف التنمية المستدامة من وجهة نظر الجغرافي بانها استثمار موارد الأقاليم المختلفة استثمارا مقننا بقصد توفير احتياجات السكان حاليا وتحسين مستوياتهم المعيشية دون التأثير على الأجيال اللاحقة.

كما يساهم الجغرافي في بلورة التفاعل المكاني للتنمية وما يؤدى إليه من أنماط مكانية مختلفة، ومن هنا ظهرت جغرافية التنمية وهي إحدى فروع الجغرافية البشرية التي انبثقت منها التنمية المستدامة التي تعني استخدام الموارد الطبيعية بالشكل الذي يضمن المحافظة على حقوق الأجيال القادمة  معتمدا في رؤيته على ترشيد استخدام كل ما من شانه  ان يطيل   في بقاء نتاج الأمور الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية.

في هذا الصدد  يرى الجغرافيون أن للتنمية البشرية المستدامة تاخذ جانبان هما
1-  تنمية البشر بالتركيز على تكوين و بناء القدرات البشرية من خلال  التقنين والمحافظة على  نوعية الموارد المتاحة لدى الانسان حاليا و استدامة تلك الموارد سواء كانت موارد طبيعية ام موارد مصنعة.
2- التنمية بواسطة الناس فيتعين فيها أن يشترك الناس مشاركة كاملة في تخطيط و تنفيذ استراتيجيتها من خلال الهياكل الملائمة لاتخاذ القرارات، و يتعين أن توفر هذه الاستراتيجيات فرصا كاملة لنمو الدخل، حتى يمكن تحقيق الاستفادة الملائمة من القدرات البشرية و تتاح الفرصة للتعبير الكامل عن قدرة البشر على الابتكار.