قبسات من وحي الحديث

قبسات من وحي الحديث

قبسات من وحي الحديث

أ.د. إسماعيل خليل محمد                                 جامعة الانبار- كلية التربية القائم

روى البخاري بسنده عن حذيفة رضي الله عنه قال: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ: بِاسْمِكَ ‌أَمُوتُ ‌وَأَحْيَا. وَإِذَا قَامَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ».

هذا الحديث من جوامع الكلم التي أوتيها النبي -صلى الله عليه وسلم-، يبين حقيقة ماثلة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، حقيقة حياة الإنسان التي تكون بين موتة صغرى وحياة قصيرة آيلة للكبرى وهي عبارة عن دقائق وثواني.

دقات قلب المرء قائلة له           إن الحياة دقائق وثواني

فالحديث يرشد إلى أن حياتك يا مسلم عبارة عن يوم واحد يمكنك أن تقدم فيه لنفسك  -إن كَمُل ذلك اليوم-.

فالأيام ثلاثة: يوم مفقود وهو الذي مضى وانتهى ولن يعود إلى يوم القيامة، ويوم موعود يتأمله أن يأتي، وقد يأتي ولا يجد نفسه بين الأحياء ، ويوم مشهود وهو الذي يبعث فيه الإنسان من جديد حين ينعم عليه المنعم برد روحه إليه، ويبعثه من جديد لكي يستدرك ما فاته ويقدم لنفسه، وهذه الحقيقة تتجسد في قول الخالق جل جلاله: «اللَّهُ ‌يَتَوَفَّى ‌الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)» سورة الزمر.

وهذا الإرسال إلى أجل مسمى، وقد أخفى الله -جل وعلا- علينا ذلك الأجل لكي نجد ونجتهد ونهيئ الزاد لذلك السفر الطويل الذي يحط فيه الراحل رحاله في الجنة أو في السعير، وسرعان ما تأتي الموتة الصغرى الأخرى في نهاية هذا اليوم، وقد يتحول إلى الموتة الكبرى، فكم من نائم لم يستيقظ من نومه قد قضى الله عليه الموت.  وحين يتدبر المسلم والمؤمن هذا الأمر ويجعله حقيقة ماثلة أمام ناظريه يجد ويجتهد، ويرى أن العمر ضيق كضيق يومه المشهود فلا يحتمل التفريط ولا التسويف، لذلك حين يُسأل المفرطون يوم القيامة «كَمْ ‌لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ (113)» سورة المؤمنون، وأكثر من ذلك قوله -جل شأنه-«وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ‌يُقْسِمُ ‌الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (55)» سورة الروم ولكن عندئذ(ولات حين مندم).

وبالتجربة مع كثير من الناس حين يجعل هذا الأمر حاضرا في عقله واهتمامه يجد ويجتهد ويراها فرصة قد لا تتكرر، كالذي يوضع في قبره وهو مسرف على نفسه يصيح وينادي " رَبِّ ارْجِعُونِ (99)لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً ‌فِيما ‌تَرَكْتُ" سورة المؤمنون فحين يبعث من جديد يوميا يناديه صوت من أعماق خلده: ها قد عدت يا فلان فاعمل لنفسك وتدارك ما فاتك.

 وسبب الغفلة قد ذكره الله جل وعلا في محكم تنزيله: ذَرْهُمْ ‌يَأْكُلُوا ‌وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) وهل يعيش بعض الناس إلا كالأنعام بل هم أضل، يعيشون لشهواتهم وملذاتهم من المآكل والمشارب والتمتع بالنساء، وعندهم طول الأمل الذي ضيع عليهم حياتهم فضاعت الأيام والشهور والسنين وكأنها لحظات.

والموت أقرب إلى أحدنا من شراك نعله وأقرب إلينا من حبل الوريد.

اللهم إنا نعوذ بك من الغفلة وطول الأمل، ونسألك الإخلاص والعمل فيما يرضيك وحسن الختام، آمين ....