رواتب موظفي الدولة بين الدخل الاسمي و الدخل الحقيقي

رواتب موظفي الدولة بين الدخل الاسمي و الدخل الحقيقي

 رواتب موظفي الدولة بين الدخل الاسمي و الدخل الحقيقي

أ.د. سعيد علي العبيدي

 من المواضيع المهمة في علم الاقتصاد ما يسمى بالاسمي و الحقيقي فهناك معدل الفائدة الاسمي و معدل الفائدة الحقيقي والاجور الاسمية والاجور الحقيقية. و الاجر هو الدخل الذي يحصل عليه العامل او الموظف خلال مدة معينة وبشكل دوري كأن يكون شهر او اقل.  وراتب  الموظف في الدولة هو دخله الشهري. وهذا الدخل يكون بصورتين هما الدخل الاسمي والذي يعني المبلغ النقدي الذي يستلمه الموظف كل شهر. ويقاس بعدد الدنانير العراقية المستلمة اما الصورة الثانية لدخل الموظف فهو الدخل الحقيقي والذي يعني القوة الشرائية للدخل الاسمي او بمعنى اوضح هو مقدار السلع و الخدمات التي يستطيع الموظف شرائها من السوق مقابل انفاق كل دخله الاسمي.

     ان الدخل الحقيقي من حيث القيمة يتوقف على امرين هما: الاول مقدار الدخل النقدي والثاني هو المستوى العام للاسعار وخاصة اسعار السلع و الخدمات الاستهلاكية التي عادة ما يطلبها المستهلك. وتكون العلاقة بين الدخل الحقيقي و الدخل النقدي علاقة طردية بمعنى كلما زاد الدخل الاسمي زاد الدخل الحقيقي على افتراض ثبات المستوى العام للاسعار اما العلاقة مع المستوى العام للاسعار فتكون عكسية بمعنى كلما ارتفع المستوى العام للاسعار انخفض الدخل الحقيقي. وكلما انخفض المستوى العام للاسعار ارتفع الدخل الحقيقي على افتراض ثبات الدخل الاسمي.

     نعود الى رواتب موظفي الدولة العراقية في هذه الايام. فقد انخفضت قيمتها الحقيقة و الذي يعني انخفاض المستوى المعيشي للموظف. وذلك لعدة اسباب من اهمها ما ياتي:

1-    عمدت الحكومة على تخفيض سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار بحدود 20% وهذا يعني بشكل مباشر خفض دخل الموظف الحقيقي بحدود 20%. وذلك لان هذا الامر ادى الى ارتفاع اسعار السلع في السوق والتي معظمها سلع اجنبية مقومة بالدولار الامريكي وان هذا الامر ينطبق على السلع الاستهلاكية و السلع الراسمالية و السلع المعمرة على حد سواء وهذا يعني ان كمية السلع و الخدمات التي كان يشتريها الموظف مقابل انفاق راتبه قد قلت بنفس نسبة انخفاض سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الامريكي.

2-    نشوب الحرب الروسية الاوكرانية ادت الى ارتفاع في اسعار السلع الغذائية وغير الغذائية التي تساهم هاتان الدولتان بنسبة كبيره من انتاجها عالميا . وهي في ارتفاع مستمر وعلى الصعيد العالمي كذلك. وهذا الارتفاع في الاسعار يدعى بالتضخم الناشئ عن قلة العرض من السلع ويعني انخفاض قيمة النقود او الراتب الحقيقي بنفس معدل التضخم وكذلك انخفاض المستوى المعيشي بنفس النسبة. ومن تداعيات الحرب الروسية الاوكرانية ارتفاع حاد في اسعار الطاقة. وكما يعلم الكل ان تكلفة الطاقة تدخل في كل عملية الانتاج. فتشغيل المكائن و المعدات ووسائط النقل و الاتصالات و الزراعة و الصناعة و الخدمات كله تحتاج الى الطاقة لتعمل و ارتفاع اسعار النفط الخام يؤدي الى ارتفاع تكاليف الانتاج بشكل عام مما يؤدي الى حدوث تضخم يدعى تضخم دفع التكاليف. وهذا التضخم يفاقم من ارتفاع الاسعار ومن ثم انخفاض القيمة الحقيقة للدخل الحقيقي للموظف وما يترتب عليها من انخفاض المستوى المعيشي .

3-    قبل عدة سنوات قامت وزارة التجارة بحجب البطاقة التموينية عن كل موظف راتبه مليون ونصف او اكثر على اساس ان هذا المبلغ يكفيه ليكون في بحبوحة من العيش الرغيد. ولكن ما حصل بعد ذلك من موجات تضخمية او انخفاض سعر صرف الدينار العراقي و الارتفاع  العالمي لاسعار المواد الغذائية جعل من المليون ونصف تفقد اكثر من ثلث قيمتها او قوتها الشرائية. ولم تقوم الوزارة بمعالجة هذا الموضوع من خلال رفع الحد الادنى لراتب الموظف الذي يحجب عنه مفردات البطاقة التموينية ولو عدنا الى مستوى الاسعار يوم اتخاذ قرار الحجب وقارناها بالاسعار في الوقت الحاضر لوجدنا ان عدد المحرومين من البطاقة التموينية قد تضاعف . وهذا يزيد من اتساع دائرة الحرمان و المعاناة على مستوى موظفي الدولة .

   ان الدول المتقدمة و المتطورة اقتصاديا واجتماعيا عادة ما تربط الاجور بالمستوى العام للأسعار او بمعدل التضخم . و الغرض من ذلك هو الحفاظ على المستوى المعيشي لمواطنيها. اما في العراق فلم تقم الحكومة باي اجراء من هذا القبيل يعوض الموظف عما فقدة من دخله الحقيقي ومن مستوى معيشته وعائلته. ومع تفاقم الوضع سوءً بعد الحرب الروسية الاوكرانية ضل الامر على حاله كذلك. اللهم الا من معونة طارئة لمن دخله(500) الف دينار او اقل اذ منحوا مبلغ (100) الف دينار ولمره واحدة. وان كان هذا المبلغ زهيد ولكن افضل من لا شيء ويجب ان يتكرر. وعلى الحكومة النظر في الخسائر التي طالت الفئات الدخلية الاخرى.

    ان الحفاظ على مستوى الدخل الحقيقي للموظف ومن ثم مستواه المعيشي مر في غاية الاهمية فهو يساهم في اغناء الموظف وعائلته من العوز و الحرمان ويمكنه من مواصلة تعليم ابناءه و تقديم الخدمات الطبية لهم و التغذية الجيدة. وكذلك يساهم في جعل ولاءه لدائرته ويحصنه من الانحراف في متاهات الفساد والرشوة والتقصير في العمل.

   لكل ذلك ندعو الحكومة الى ان تكون هناك فقرة في الراتب تسمى مخصصات غلاء معيشة  تكون بيضة القبان في الموازنة بين ارتفاع تكاليف المعيشة و الراتب المستلم . وهذه المخصصات تكون متغيرة زيادة او نقصان حسب تغير معدل التضخم في الاقتصاد العراقي.