مقال للاستاذ الدكتور صادق خلف ايوب

مقال للاستاذ الدكتور صادق خلف ايوب

 

 التكييف الفقهي للاستحقاق الوظيفي في قانون الخدمة الجامعية العراقي رقم 23 لسنة 2008  

             إعداد : أد. صادق خلف أيوب

الحمد لله الذي جعل القرآن الكريم تبيانا لكل شيء تؤكده وتوضحه سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم  ،وبعد ... إن من المصطلحات العامة التي شرعت فيه القوانين المختلفة التي تنظم تطبيقاته هو : (الموظف) ، وعُرف في القانون العراقي بإنه : ( كل شخص عهدت اليه وظيفة داخل ملاك الوزارة أو الجهة غير المرتبطة بوزارة )(1) ، إن مصطلح الموظف لم يكن غريبا على فقهاء المسلمين في المذاهب الاسلامية  وقد عبروا عنه بلفظة : العِمالة -  وهي توازي في المعنى الموظف العام في وقتنا الحاضر ، وتعرف عندهم :بإنها كل من شغل بشيء من أعمال المسلمين وأخذ الرزق عليه بتكليف ممن يتولى أمور البلاد (2)، وفي بلادنا شُرع قانون الخدمة الجامعة العراقي رقم (  23 ) لسنة 2008 ،  وهومختص بالتدريسيين والباحثين ضمن نطاق التعليم العالي ، وعُرف الموظف الجامعي بإعتباره أسم مركب أضيفت اليه لفظة خصصت تكليفه بجانب معين ، فهو في القانون العراقي : ( كل موظف يقوم بممارسة التدريس الجامعي والبحث العلمي والاستشارة العلمية والفنية أو العمل في ديوان وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أو مؤسساتها )(3)

فالموظف الجامعي أجير خاص ضمن مدة معلومة يتقاضى أجرا على الواجبات المكلف بها ضمن هذه المدة  ، وفي ضوء مواد وفقرات قانون الخدمة الجامعية المذكور ، فإن المهام المكلف بها الأجير الذي يستحق عليها الأجرة المقدرة له يمكن تقسيمها الى أربعة أقسام(4) :

الأولى - المهام الأخلاقية والتربوية : لكي تؤدى هذه المهام ينبغي أن يكون الممتهن لهذه المهنة على درجة عالية من الصفات الحميدة لكي ينهل تلامذته من وعائه فيطبقوها وسط مجتمعاتهم فالتدريسي ممكن أن يكون الرابط المشترك للتنوع المجتمعي في البلد الواحد ، ويستدل لهذه الخصلة المهمة بما روي عن حذيفة رضي الله عنه قال : ( جاء أهل نجران الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : إبعث لنا رجلا أمينا ، فقال : لأبعثن اليكم رجلا أمينا حق أمين ، فأستشرف له الناس ، فبعث أبا عبيدة بن الجراح )(5)، فإستأمان الخائن على حقوق الطلبة التي ناهزت أعمارهم البلوغ ،  في التعلم وتطبيق المناهج العلمية ، يكون كمن يسترعي الذئب على الغنم .

الثانية – المهام التدريسية : التدريس مهنة ربانية أمتدحت من لدن الخالق جل علاه بقوله : ((كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ))(6) ، والتدريسي الجامعي مطالب في إحدى مميزاته الاساسية  أن يضيف قدرا من التعلم للطالب غير موجود في الاسطر التي سردت في كتبه المنهجية  ، ذو أسلوب وطريقة مفهومة لعموم الطلبة ، ولأهمية هذه المهنة ،نص الفقهاء في كتبهم : (إنه لا يصح تولية السلطان مدرسا ليس أهلا للتدريس )(7)  .

الثالثة – المهام البحثية :  والمقصود بها التحري والكشف واستفراغ الخبرة الكافية لإكتشاف حقائق تخدم المجتمع من خلال مؤسسته التعليمية ، ولذلك أضيفت عبارة : والبحث العلمي الى تسمية وزارة التعليم العالي العراقية ، ليستبان منها أهميته  للموظف في الخدمة الجامعية ، وذلك بالتطبيقات العملية للعلوم النظرية لإستحصال نتائج جديدة تخدم مؤسسته والمجتمع ، وذلك يكون بإستحضار الخبرة اللازمة في إختصاص الباحث ، قال تعالى : ((وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ))(8)

فما يتوصل اليه الباحثون أولوا الخبرة في هذا المستوى العلمي تكون فائدته ذات جدوى أعلى مما يتوصل اليه غيرهم في مستويات علمية أدنى .

رابعا- المهام النشاطية والتقويمية في خدمة المجتمع: ويتحصل ذلك بحل مشكلة عامة أو المساهمة في التنمية الشاملة  في المجالات المختلفة  ، بإن يكون للمختصين في الجانبين الإنساني والعلمي الصرف ، دوراً أيجابيا في أوساط المجتمعات التي ينتمون اليها ، فلا يمكن تحقيق التنمية الشاملة وإن تحققت الابتكارات العلمية أو أستعيرت من البلدان الأخرى مالم تتحقق التنمية البشرية ، ولكي تؤتى الأفكار وما سطر من مكتوب نتاجها على الواقع ،لابد من إصدار القرارات الرسمية بهذا الشأن ، كأن يكلف التدريسي في العطلة الصيفية بالممارسة الفعلية ضمن نطاق معين في مؤسسات الدولة المختلفة وبما ينسجم مع إختصاصه ، جراء منفعة  له تقابل هذا التكليف ، وإنما تقدر منازل العباد في الحياة الدنيا بمقدار الأعمال الخيرة التي يقوم بها الفرد في خدمة المجتمع ، قال تعالى: ((وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ))(9) .

إن القيام بهذه الواجبات التي كلف بها موظف الخدمة الجامعية يستلزم منه العمل خارج أوقات الدوام المخصصة للعمل ، وهذا تفسير مهم للزيادة في الراتب  التي تضمنها هذا القانون ، فهو إستحقاق وظيفي مشروع إن أديت الواجبات المكلف بها دون تقصير لأن ذلك يعود بالإثم وينسحب على الأجرة التي يتقاضها . 

 

.............................................................................

(1)   المادة (1) الفقرة (3) من قانون إنضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 المعدل

(2)   فتح الباري للعسقلاني ت852 هـ ، دار المعرفة -1379 : 13 / 154، التراتيب الادارية ، تأليف : محمد عبد الحي الإدريسي ت1382 هـ ،دار الأرقم –بيروت، ط2 : 1/ 313

(3)   المادة (1) الفقرة (3) من قانون الخدمة الجامعية العراقي رقم (23 ) لسنة 2008 م.

(4)   فقرات المادة الثانية والمادة الثالثة  من قانون الخدمة الجامعية العراقي رقم 23 لسنة 2008 م

(5)   صحيح البخاري ، دار طوق النجاة ، ط1،1422هـ: 5/ 172(رقم الحديث 4381)

(6)   سورة أل عمران : (79)

(7)   الاشباه والنظائر لابن نجيم ،دار الكتب العلمية ،ط1-1419 هـ : ص 337

(8)   سورة فاطر : (14)

(9)   سورة الأنعام : ( 132 )