"معركة التصحر التحديات والحلول"

 

م.م إيهاب لطيف مخلف – قسم البيئة                                   

 

مقدمة

     تعد ظاهرة التصحر من اخطر المشاكل البيئية التي أسهم الانسان في السنوات الاخيرة في ابرازها. وتعد مخاطر التصحر كبيرة وواضحة اذ ان عملية التصحر تتزايد بسرعة مخيفة وهي كالسرطان الذي ينتشر في جسم الانسان، اذ ان الاراضي القابلة للتصحر تشبه الاجسام الضعيفة التي يتربص بها الداء اسرع من غيرها لملائمة جميع الظروف لتصحرها. ويسبب التصحر فقدان الغطاء النباتي والتربة الخصبة مما يؤثر سلبا على الحياة النباتية والحيوانية والبشرية.

المحور الاول:- استعراض اهم الاسباب المؤدية الى التصحر:-

بدأت في الآونة الاخيرة وخاصة خلال ما بعد الثمانينات ظاهرة التصحر بالتفاقم وتعاظمت اثارها السلبية على كافة الاصعدة البيئية، الاجتماعية والاقتصادية والسبب في ذلك يعود الى:

اولا:- التغير المناخي:- يشير التغير المناخي الى التغيرات الطويلة الامد في نمط الطقس على مستوى الكوكب. يتمثل التغير المناخي في زيادة او انخفاض متوسط درجات الحرارة على مدار فترة طويلة من الزمن، ويمكن ان يكون سببه اسباب طبيعية او نشاط الانسان. ومن اهم الاثار الرئيسية للتغير المناخي:-

1-   زيادة درجات الحرارة:- مع ارتفاع تريكزات الغازات الدفيئة ترتفع درجة حرارة سطح الارض، حيث ارتفع متوسط درجة حرارة الارض وفقا لتقرير اللجنة الدولية لتغير المناخ (IPCC) بمقدار 1.07 درجة مئوية منذ نهاية القرن التاسع عشر، لذلك شهدت جميع مناطق اليابسة تقريبا المزيد من الايام الحارة وموجات الحر، مما ينعكس ذلك الى تغيير توفر المياه مما يجعلها اكثر ندرة في المزيد من المناطق وكذلك يؤدي الاحترار العالمي إلى تفاقم نقص المياه في المناطق الفقيرة بالمياه، كما يؤدي إلى زيادة مخاطر الجفاف فيما يخص الزراعة، ويؤثر بالتالي على المحاصيل، ويزيد الجفاف البيئي من ضعف النُظُم البيئية. يمكن أن يثير الجفاف أيضًا عواصف رملية وترابية مدمرة يمكن أن تنقل مليارات الأطنان من الرمال عبر القارات. كذلك فإن الصحاري آخذةٌ في التوسع، مما يقلل من مساحة الأرض المتوفرة لزراعة الغذاء. ويواجه الكثير من الناس الآن خطر عدم الحصول على ما يكفي من المياه بشكلٍ منتظم.

2-   ارتفاع درجة حرارة المحيطات:- تمتص المحيطات معظم حرارة الاحتباس الحراري. وقد ازداد معدل ارتفاع درجة حرارة المحيطات بشدة خلال العقدين الماضيين، عبر جميع أعماق المحيطات. ومع ارتفاع درجة حرارة المحيطات، يزداد حجمها مع تمدد المياه بسبب ارتفاع درجة حرارتها. كما يتسبب ذوبان الصفائح الجليدية في ارتفاع مستويات سطح البحار، مما يهدد المجتمعات الساحلية والجُزُرية. وبالإضافة إلى ذلك، تمتص المحيطات غاز ثاني أكسيد الكربون، وتمنعها من الانطلاق نحو الغلاف الجوي، لكن زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون تجعل المحيطات أكثر حمضيةً، مما يعرض الحياة البحرية والشعاب المرجانية للمخاطر.

3-   فقدان الأنواع:- يشكل تغير المناخ مخاطر على بقاء الأنواع على الأرض وفي المحيطات. وتزداد هذه المخاطر مع ارتفاع درجات الحرارة. يتفاقم فقد الأنواع بسبب تغير المناخ، إذ يفقد العالمُ الأنواعَ بمعدلٍ أكبر 1000 مرة من أي وقتٍ مضى في التاريخ البشري المدون. وهناك مليون نوع من الكائنات الحية معرضون لخطر الانقراض خلال العقود القليلة القادمة. وتعد حرائق الغابات والطقس القاسي والآفات والأمراض الغازية من بين العديد من التهديدات المتعلقة بتغير المناخ. وفي حين أن بعض الأنواع ستكون قادرةً على الانتقال والبقاء على قيد الحياة، فإن البعض الآخر لن يتمكن من ذلك.

4-   نقص الغذاء

تعدُّ التغيرات في المناخ وزيادة الظواهر الجوية المتطرفة من بين الأسباب الكامنة وراء الارتفاع العالمي في معدلات الجوع وسوء التغذية. إذ قد يتم تدمير مصايد الأسماك والمحاصيل والماشية أو تصبح أقل إنتاجيةً. ومع ازدياد حمضية المحيطات، أصبحت الموارد البحرية التي تغذي مليارات البشر معرضةً للخطر. وقد أدت التغيرات في الجليد والغطاء الجليدي في العديد من مناطق القطب الشمالي إلى تعطيل الإمدادات الغذائية من مصادر الرعي والصيد وصيد الأسماك. ويمكن أن يؤدي الإجهاد الحراري إلى تقليل المياه والأراضي العشبية الصالحة للرعي، مما يتسبب في انخفاض غلة المحاصيل ويؤثر على الثروة الحيوانية.

5-   مزيد من المخاطر الصحية:-إن تغير المناخ هو أكبر تهديدٍ صحيٍ يواجه البشرية. تضر تأثيرات المناخ بالفعل بالصحة، من خلال تلوث الهواء، والأمراض، والظواهر الجوية الشديدة، والتهجير القسري، والضغوط على الصحة العقلية، وزيادة الجوع وسوء التغذية في الأماكن التي لا يستطيع الناس فيها زراعة المحاصيل أو العثور على غذاءٍ كافٍ. وفي كل عام، تودي العوامل البيئية بحياة ما يقارب 13 مليون شخص. وتؤدي أنماط الطقس المتغيرة إلى انتشار الأمراض، وتزيد الظواهر الجوية المتطرفة من الوفيات وتجعل من الصعب على أنظمة الرعاية الصحية مواكبة الأمر.

6-  الفقر والنزوح

يزيد تغير المناخ من العوامل التي تضع الناس وتبقيهم في حالة فقر. وقد تجرف الفيضانات الأحياء الفقيرة في المدن وتدمر المنازل وسُبُل العيش. ويمكن أن تجعل الحرارةُ العملَ في الوظائف الخارجية صعبًا. وقد تؤثر ندرةُ المياه على المحاصيل. على مدى العقد الماضي (2010-2019)، أدت الأحداث المتعلقة بالطقس إلى نزوح ما يقدر بنحو 23.1 مليون شخص في المتوسط كل عام، مما ترك الكثيرين عرضةً للفقر بشكلٍ أكبر. ويأتي معظم اللاجئين من البلدان الأكثر ضعفاً والأقل استعداداً للتكيف مع آثار تغير المناخ.

ثانيا:- سوء ادارة الموارد:- يمكن أن يتجلى في عدة أمثلة ويؤدي إلى تفاقم ظاهرة التصحر

1. الزراعة غير المستدامة: استخدام الممارسات الزراعية غير المستدامة مثل الري المفرط واستخدام المبيدات الكيميائية بشكل مفرط يؤدي إلى نقص المياه وتلوث التربة. تؤدي هذه الممارسات إلى تدهور جودة التربة ونضوب الموارد المائية وتفاقم التصحر.

2. زيادة الاستخدامات غير المستدامة للمياه: استخدام غير مستدام للمياه في الصناعة والمنازل والزراعة يؤدي إلى نقص المياه وتساهم في جفاف الأراضي. على سبيل المثال، سحب المياه بشكل غير مستدام من الأنهار والبحيرات للاستخدام الزراعي يمكن أن ينقص مصادر المياه الجوفية ويؤدي إلى تصحر المناطق المجاورة.

3. إزالة الغابات بشكل غير مستدام: إزالة الغابات بسبب التصحر أو الطلب على الأراضي الزراعية أو الحصول على الخشب يؤدي إلى تدهور التربة وفقدان التنوع البيولوجي وتغير نظام الأمطار. بدون الغابات، يتلاشى الغطاء النباتي الطبيعي الذي يحمي التربة ويحتفظ بالرطوبة، مما يزيد من احتمالية حدوث التصحر.

4. سوء إدارة الموارد المائية: عدم وجود تخطيط فعال لإدارة وتوزيع موارد المياه يؤدي إلى هدر المياه وتفاقم التصحر. على سبيل المثال، تجفيف المستنقعات وإسناد المجاري المائية بشكل غير منظم يؤدي إلى فقدان النظم البيئية المائية وتدهور الأراضي المحيطة.

هذه من الادلة على سوء إدارة الموارد وتأثيرها على التصحر. يتفاوت تأثير كل مثال حسب السياق المحلي والعوامل البيئية المحيطة.

ثالثا:- التدهور البيئي:- التصحر يؤدي إلى التدهور البيئي بشكل كبير ويؤثر سلبًا على النظم البيئية والتنوع البيولوجي. إليك بعض التأثيرات الرئيسية:-

1. فقدان التنوع البيولوجي: يؤدي التصحر إلى تدمير المواطن البيئية والمساحات الطبيعية المتنوعة. يتسبب في فقدان النباتات البرية والحيوانات والكائنات الحية الأخرى التي تعتمد على هذه المناطق للبقاء. يؤثر تناقص التنوع البيولوجي على استدامة النظم البيئية ويؤثر على التوازن البيئي العام.

2. تدهور التربة: يؤدي التصحر إلى تدهور جودة التربة وانخفاض خصوبتها. يتسبب في خسارة طبقة الأرض العليا المغذية والتي تحتوي على العناصر الغذائية الضرورية للنباتات. يصبح من الصعب للنباتات النمو والاستفادة من الموارد المتاحة، مما يزيد من احتمالية تراجع النباتات وتدهور النظام البيئي.

3. تأثير على المياه الجوفية: يؤثر التصحر على توازن المياه الجوفية ويقلل من كميتها وجودتها. عندما تفقد التربة الرطوبة والغطاء النباتي، يصبح من الصعب للأراضي امتصاص المياه والاحتفاظ بها. يؤدي ذلك إلى نقص المياه الجوفية وتجفاف الآبار والينابيع، مما يؤثر على الحياة النباتية والحيوانية التي تعتمد على هذه المصادر المائية.

4. زيادة التآكل الرياحي: يتسبب التصحر في تعرية التربة وجعلها عرضة للتآكل الرياحي. تنقل الرياح الجافة الأتربة والرمال وتسبب عواصف رملية، مما يؤدي إلى تدمير المحاصيل الزراعية وتغطية المناطق الحضرية وتلوث الهواء.

5. تأثير على الحياة البشرية: يؤثر التصحر على الحياة البشرية بشكل مباشر وغير مباشر. يزيد من صعوبة الحصول على الموارد الأساسية مثل المياه والغذاء والوقود. يؤدي إلى نقص الفرص الاقتصادية وزيادة الفقر في المناطق المتضررة، مما يتسبب في تهجير السكان والهجرة وتفاقم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية.

 المحور الثاني:-الحلول الابتكارية والمستدامة التي يتعين اتخاذها للتصدي للتصحر

لمواجهة التصحر، هناك حاجة ملحة إلى اتخاذ إجراءات جادة. يجب على المجتمع الدولي والحكومات والمنظمات غير الحكومية والأفراد أن يعملوا سويًا لتنفيذ استراتيجيات مستدامة لإدارة الأراضي وحماية الموارد الطبيعية. من بين الإجراءات المهمة التي يمكن اتخاذها هي زيادة الوعي بأهمية المحافظة على البيئة وترشيد استخدام الموارد المائية. يجب تشجيع الممارسات الزراعية المستدامة وتطوير تقنيات الري الفعالة. يجب أيضًا إجراء دراسات لتحديد المناطق الأكثر عرضة للتصحر وتطوير استراتيجيات لتعزيز الاستدامة البيئية في هذه المناطق.

علاوة على ذلك، يمكن استخدام التقنيات الحديثة مثل التحلية وإعادة تدوير المياه لتوفير مصادر مائية جديدة. يجب أيضًا تشجيع التنوع البيولوجي وحماية النباتات والحيوانات المتكيفة مع ظروف الجفاف.

تعد الشراكات العابرة للحدود بين الدول ضرورية لمكافحة التصحر. يجب تبادل المعرفة والخبرات والتعاون في مجال البحث العلمي وتطوير التقنيات الجديدة لمكافحة التصحر. يجب أيضًا توفير التمويل اللازم لتنفيذ المشاريع والبرامج التي تهدف إلى وقف وعكس عملية التصحر.

بالإضافة إلى ذلك، يجب تشجيع الحكومات على وضع سياسات بيئية قوية وتشريعات للحفاظ على الأراضي والموارد الطبيعية. يجب أيضًا تعزيز التعليم وتوعية الناس بأهمية الحفاظ على البيئة وتبني الممارسات المستدامة في حياتهم اليومية.

في الختام، التصحر هو تحدي كبير يواجه العالم، ولكن بالتعاون والتصميم الجاد، يمكننا التصدي لهذه المشكلة وحماية الأراضي والبيئة. يجب علينا العمل معًا لتبني استراتيجيات شاملة تهدف إلى الحفاظ على التنوع البيولوجي وتحقيق التنمية المستدامة في جميع أنحاء العالم.