نظـرة عامـة على مـرض السكـري

نظـرة عامـة على مـرض السكـري

 نظـرة عامـة على مـرض السكــري

الاستاذ الدكتور.شاكر فارس طليب-قسم الكيمياء

esp.shaker.faris@uoanbar.edu.iq

 الصفحة الرسمية الالكترونية للكاتب

  مرض السكري عرف منذ القدم عندما لاحظ الطبيب الإغريقي أريتاروس في أوائل عام 200 قبل الميلاد أن بعض المرضى تظهر عليهم أعراض غريبة ككثرة التبول و العطش الشديد, وبعدها وفي عام 1675 أضاف العالم توماس ويليس كلمة "ملليتوس" وتعني باللاتينية "الحلو كالعسل" بعد ملاحظة أن دم وبول مرضى السكري له مذاق حلو فأصبحت تسمية هذا المرض "ديابيتس ملليتوس" أو مرض السكري . و مع إن كلمة ديابيتس تعني مرض السكري إلا أن هناك أيضا حالة نادرة تسمى "ديابيتس إنسيبيدس" لا يكون مذاق البول فيه حلو و تنتج هذه الحالة بسبب قصور في وظائف الكلى. للبنكرياس دور كبير في مرض السكري, وبدأ هذا الدور واضحا عندما اكتشف العالمان جوزيف فون ميرينج و أوسكار مينكوسكي عام 1889 دور البنكرياس في هذا المرض وذلك بعد إزالة البنكرياس بشكل تام من بعض الكلاب حيث ظهرت عليهم علامات و أعراض مرض السكري وأدى إلى وفاتهم بعد فترة قصيرة. وفي عام 1910 اكتشف العالم سير إدوارد شاربي أن المرضى المصابين بالسكري يعانون من نقص في مادة كيميائية واحدة ينتجها البنكرياس وسماها "الأنسولين". وهذا الأنسولين تفرزه جزر لانكرهانز في البنكرياس وفي عام 1929 تمكن العالم باتينج وزملائه من جامعة تورنتو بكندا من فصل هرمون الأنسولين لأول مرة من بنكرياس البقر, وهذا أدى إلى توفر حقن الأنسولين والتي استخدمت لأول مرة لعلاج مرضى السكري عام 1922. ويعتبر مرض السكري في وقتنا الحاضر من أكثر الأمراض انتشارا في العالم و أظهرت الدراسات العلمية إن ما يقارب من 5-8% من الأفراد مصابون بداء السكري, والكثير لا تظهر عليهم أعراض المرض ولا يعرفون أنهم مصابون بهذا المرض. يعرف مرض السكري على أنه اختلال في عملية أيض الكلوكوز مما يؤدي إلى ارتفا مستوى الكلوكوزفي الدم عن النسبة الطبيعية ويرجع ذلك لعدة اسباب منها نفسية أو عضوية أو بسبب الافراط في تناول السكريات أو بسبب عوامل وراثية , مما يقود خلل في إفراز االانسولين من البنكرياس ، في بعض الاحيان تكون كمية الانسولين التي يفرزها البنكرياس اقل من الكمية المطلوبة أو لا يكون هناك أي إفراز وربما تكون الكمية المفرزة كبيرة في بعض الاحيان كما في المصابين بالسمنة ولكن توجد هناك مقاومة من الانسجة و الخلايا بالجسم تعرقل وظيفة الانسولين ويطلق على هذه الحالة "مقاومةالانسولين" وفي بعض الاحيان لا يستطيع الكلوكوز دخول الخلايا مما يؤدي إلى تراكمه في الدم وظهوره في البول ، ومع مرور الوقت وبازدياد تراكم كمية الكلوكوز في الدم وعدم دخوله لخلايا الجسم تحدث مضاعفات مزمنة لبعض أجزاء الجسم مثل الاوعية الدموية الدقيقة في شبكة العين وحويصلات الكلى وتلك المغذية للاعصاب. والانسولين هو هرمون تفرزه خلايا معينة في البنكرياس تسمي خلايا بيتا والتي تنتشر على شكل جزر داخل البنكرياس وتعرف بجزر (لانكرهانز) نسبة إلى مكتشفها ويعمل الانسولين على منع تراكم الكلوكوز أو زيادة مستواه في الدم عن الحد الطبيعي مهما تناول الانسان من سكريات ونشويات وبقائه ثابتا طوال اليوم، وبعد اكتمال مهمة الانسولين في الجسم يقوم كل من الكبد و الكلى بتكسيره والتخلص منه, حيث تقوم الكبد بتكسير ما يقارب 61 %من الانسولين, بينما تقوم الكلى بتكسير الباقي منه وإفرازه في البول ويتم هذا عادة في دقائق محدودة. والحكمة في هذا التكسر والتخلص من الانسولين هو تفادي انخفاض مستوى الكلوكوز بشكل كبير ومن ثم الدخول في غيبوبة نقص السكر، هناك سن محددة لظهور مرض السكر فمن الممكن أن يظهر في أي مرحلة من مراحل العمر الا إن اغلب الحالات تظهر بعد وصول الانسان سن الاربعين, وقد يصاب الانسان بهذا المرض قبل أن يصل الى هذا السن. كما يمكن أن يصاب به الاطفال في سن مبكرة ولكن بشكل نادر, أيضا يمكن أن يصيب هذا المرض الشباب في أوائل العشرينات أوالثلاثينات.

أنواع مرض السكر

 تم تصنيف مرض السكري حديثا إلى ثلاثة أنواع:

النوع الاول: الذي يعتمد على الانسولين في علاجه, والنوع الثاني: الذي لا يعتمد على االانسولين في علاجه, النوع الثالث وهو سكر الحمل .

 النوع الاول سابقا كان يسمى بالسكري المعتمد على الانسولين: وهو يصيب مرضى السكري الذين يعتمدون على الانسولين في علاجهم، وكان هذا النوع يسمى كذلك "بسكر الصغار" وبعدها ألغيت هذه التسمية بسبب إن هذا النوع في الغالب يصيب الاطفال و البالغين اقل من ثلاثين عاما وغالبا بين عمر 11 و 13 عاما، لكنه قد يبدأ في أي فئة عمرية بما فيها الشيخوخة، واغلب المرضى المصابين بالنوع الاول من السكري عادة هم أصحاء و أوزانهم اعتيادية عند حدوث المرض، و يتميز بانعدام أو نقص الانسولين الشديد بسبب تلف معظم خلايا بيتا في البنكرياس مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى الكلوكوز في الدم فهذا النوع لا يستجيب للعلاج بالاقراص الخافضة للسكر ولا ينفعه سوى حقن الانسولين، بالاضافة إلى ذلك فان أعراض المرض قد تحدث فجأة مع حدوث عطش وتبول كثير وانفتاح للشهية وفقدان في الوزن ويتم ذلك في خلال أيام قليلة وتزيد معه احتمال حدوث المضاعفات كحامضية الدم الكيتونية. وبعد اكتشاف الانسولين حدث تطوير كبير في علاج هذا المرض وتحول من مرض يقتل بسرعة الي مرض مزمن, ولسوء الحظ أدت إطالة عمر المريض مع وجود المرض الي ظهور المضاعفات الثانوية للسكر مثل اعتلال الاعصاب و الفشل الكلوي واعتلال الشبكية و أمراض الدورة الدموية والقلب.

اهم الاسباب لحدوث هذا المرض:- نقص كفاءة الجهاز المناعي للجسم, العوامل الوراثية, الفيروسات, كما يعتبر هذا النوع اقل شيوعا من النو الثاني حيث يشكل 7 %من حالات مرض السكري، ومع ذلك مثل مرض السكري من النوع الثاني فان معدل الاصابة بالنوع الاول من السكري قد زاد خلال السنوات الماضية.

 يتم تشخيص النوع الاول من السكري عادة بظهور أعراض التبول والعطش الشديد ويصاحبه فقدان للوزن، وهذه الاعراض تسوء خلال أيام إلى أسابيع، وينصح ب جراء فحص السكر بشكل منتظم بعد سن 45 عاما , كما يجب فحص السكر لدى البالغين من صغار السن وذلك في بعض الحالات كالزيادة في الوزن, أو ارتفاع ضغط الدم، أو نقص معدل الكولسترول الجيد، أو زيادة في مستويات الدهون الثلاثية.

النوع الثاني: سابقا كان يسمى بأسماء أخرى كالسكري الذي لا يعتمد على الانسولين. وهو يشمل مرضى السكري الذين لا يعتمدون على الانسولين في علاجهم, وكان يسمى كذلك "سكر الكبار" لانه عادة ما يبدأ بعد سن االاربعين. ومن أعراض هذا المرض حدوث الغيبوبة السكرية وتكون المضاعفات اقل حدة من النوع الاول ,ويتم اكتشافه عن طريق الصدفة عند إجراء التحاليل الطبية الروتينية، ونجد في هذا النوع تكون كمية الانسولين المفرزة من البنكرياس غير كافية أو إن هناك مقاومة من الانسجة و الخلايا لعمل الانسولين بسبب نقص مستقبلات الانسولين أو لوجود أجسام مضادة لهذه المستقبلالت تمنع الانسولين وتنافسه على الوصول إليها مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الكلوكوز في الدم.

 تلعب الوراثة و السمنة دورا هاما في حدوث المرض فمعظم المرضى يتصفون بالسمنة وخاصة الاشخاص الذين لديهم زيارة في الوزن حول منطقة وسط البطن، بسبب إجهاد البنكرياس، فالعلاقة وطيدة بين السمنة ومرض السكري من النوع الثاني، ينصح دائما بأجراء فحص السكر من النوع الثاني لكل طفل بدين وعمره أكبر من 10 سنوات , أو إذا كان احد عوامل خطورة الاصابة التي عادة يسببها مرض السكري مثل الجلطة القلبية و الجلطة الدماغية واعتلال الاعصاب وبطء التئام الجروح أو ظهور قرحة القدم أو مشاكل في العين وبعض الالتهابات الفطرية أو ولادة طفل بدين يعاني من نقص في كلوكوز الدم , وغالبا ما يكفي تنظيم الغذاء بالتقليل من استهلاك المواد السكرية وإنقاص الوزن و الرياضة لعلاج هذا النوع من السكري حيث يرجع مستوى الانسولين للمعدل الطبيعي بعد انقاص الوزن، في بعض الاحيان يكون الشخص مصاب بالسكري من النوع الثاني لعدة سنوات قبل التشخيص دون ملاحظة ذلك من قبل المريض بسبب أن الاعراض عادة ما تكون خفية في البداية، مع أن المضاعفات الخطيرة يمكن أن تحدث لعدم ملاحظة الاصابة الا بعد سنوات عديدة، و التي تشمل الفشل الكلوي , وأمراض الاوعية الدموية (بما فيها الاوعية التاجية). و المصاب بهذا النوع يستجيب في الغالب للاقراص الخافضة للسكري.

النوع الثالث: وهو يصيب النساء الحوامل ويسمى سكري الحمل لانه يظهر اثناء فترة الحمل فقط وغالبا ما يظهر في الشهر الخامس او السادس من فترة الحمل ويحدث سكري الحمل نتيجة زيادة نسبة الكلوكوز بسبب الهرمونات الاستروجينية التي تزداد مستوياتها في فترة الحمل مما يؤدي الى تقليل استجابة البنكرياس لمستويات الكلوكوز العالية في الدم بسبب مقاومة الهرمونات التي تفرزها المشيمة لعمل هرمون الانسولين، كما تعمل هرمونات المشيمة على افراز مستويات عالية من الكلوكوز للدم وتعطل مرور الكلوكوز الى الخلايا والانسجة,  وهويشكل 3? من انواع مرض السكري و يصيب بحدود 6? من النساء الحوامل اثناء فترة الحمل وفي الغالب يختفي سكر الحمل بعد الولادة ولكن تبقى المخاوف بان تحدث الاصابة مرة اخرى مع تكرار عملية الحمل، وربما تصاب المرأة بمرض السكري من النوع الثاني وذلك بسبب تكرار ارتفتع سكر الكلوكوز في الدم مع كل عملية حمل، علما انه لا يوجد ما يمنع النساء المصابات بمرض السكري من الزواج والانجاب ولكن يجب عليها الالتزام بنظام غذائي صحي مع اخذ العلاجات المخفضة للكلوكوز في الدم.