جريمة الابتزاز الالكتروني وخطرها على المجتمع

جريمة الابتزاز الالكتروني وخطرها على المجتمع

مقال بعنوان

جريمة الابتزاز الالكتروني وخطرها على المجتمع

احمد راكع خليفة

جامعة الانبار- كلية التربية- القائم

        تعد جريمة الابتزاز الالكتروني من الظواهر الجديدة نسبياً كونها بدأت بالانتشار مع ظهور وتوسع شبكة الانترنت ووسائل الاتصال الالكترونية الحديثة، ومع هذا التطور والاتساع في استخدام هذه التقنيات؛ بدأت المجتمعات تشهد انتشار واسع لتصرفات لا اخلاقية تستهدف امن وسلامة الأشخاص الذين يستخدمون أدوات التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير؛ من خلال قيام البعض من ضعاف النفوس بالتربص للضحية وإكراهها فيما بعد على الرضوخ لرغبات الجاني لدفع مبالغ نقدية او القيام بأعمال غير قانونية او تقديم تنازلات لاأخلاقية؛ مقابل امتناع الجاني عن نشر محادثات شخصية او معلومات ذات طبيعة خاصة او صور تخص الضحية قد تحّصل عليها الجاني من خلال طرق متعددة منها المشروعة ومنها غير المشروعة؛ وباتت هذه التكنلوجيا تستخدم كمعول هدم في ايدي الخارجين عن القانون بدل ان تكون وسيلة للارتقاء بالأوطان وتطورها، وأصبح الاستخدام السيء لها يشكل ظاهرة جديرة بالنظر والاعتبار، كونها تخترق المجتمع وتهدد دعائمه، وتضرب في مقتل أهم أهداف المجتمعات المتحضرة والمتمثلة في تحقيق الأمن لأفرادها، وتقويض شعورهم بالأمان في حياتهم.

     ان خطورة هذه الجريمة وسرعة انتشارها هو من  دعا شراح القانون والمهتمين به لتفسير هذه الظاهرة وشرحها، بحسبان ان هذه الجرائم  تمثل الوجه الآخر للإجرام التقليدي، الذي يرتكب في وسط مادي واضح ومسرح جريمة تقليدي، كون الوسط الذي ترتكب فيه الجريمة الإلكترونية هو ومضات كهربائية ومغناطيسية ورموز وشفرات، وبالتالي أصبح مسرح الجريمة افتراضياً، لذلك قاموا بوضع عدة تعاريف لجريمة الابتزاز الإلكتروني من اجل ايضاح مفهومها؛ فمنهم من عرفها على  انها تمثل " الضغط الذي يباشره شخص على إرادة شخص اخر لحمله على ارتكاب جريمة معينة"، فيما عرفها جانب اخر من الفقه على انها " ذلك السلوك الذي يتم باستخدام الإمكانيات التكنولوجية الحديثة ضد ضحايا أغلبهم من النساء لابتزازهم ماديا أو جنسياً"، بالتالي فان هذا النوع من الجرائم  انما يمثل عملية تهديد وترهيب للضحية بنشر صور أو مقاطع فيلميه أو افشاء معلومات سرية تخص الضحية، مقابل دفع مبالغ نقدية أو السعي لاستغلال الضحية للقيام بأعمال غير مشروعة لصالح الجاني او غيره كالإفصاح بمعلومات سرية خاصة بجهة العمل أو غيرها من الأعمال غير القانونية،  إذ يتم تصيّد الضحايا عن طريق البريد الإلكتروني أو وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة كـ " الفيس بوك، أو تويتر، أوالإنستغرام وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي الاخرى" نظرًا لانتشارها الواسع واستخدامها الكبير من قبل غالبية فئات المجتمع.

   ان انتشار جرائم الابتزاز الإلكتروني بشكل واسع بين مستخدمي هذه الحداثة وفي مختلف دول العالم ومن بينها العراق؛ قد عزاه المختصون لضعف تطبيق القانون والتعامل غير الحازم مع هذه الجرائم، واحجام الضحايا عن إبلاغ السلطات المختصة بوقوعها؛ بسبب خشية الفضيحة، ناهيك عن انتشار البطالة والفقر وعدم الاستقرار في تلك المجتمعات، بحسبان ان ارتكاب مثل هذه الجرائم بات يشكل مصدر لجني الأموال للجناة من الضحايا أو محاولة  لسد الفراغ الذي يمر به بعض الشباب ممن يقومون بتلك الحماقات، مما يتطلب تحرك عاجل وفوري من قبل المشرع العراقي لوضع حد لهذا النقص التشريعي الهام؛ من خلال إصدار تشريعات قانونية صارمة تعالج هذه المسألة وتواكب التطورات الحاصلة في دول المنطقة والمتخذة لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، بحسبان ان التأخير في ايجاد حلول حقيقية لهذه الظاهرة سيزيد الامر تعقيدا خاصة مع ارتفاع نسب ارتكاب جرائم الابتزاز الالكتروني؛ مما يتطلب وضع عقوبات رادعة تجاه مرتكبيها، وعدم اكتفاء المشرع العراقي على وجه التحديد بإخضاع هذا النوع من الجرائم الخطيرة للنصوص العامة، كون هذا النوع من الجرائم ما زال يكييف وفقاً للمواد (430-431-432) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل، والخاصة بجريمة التهديد، وهذا التكييف بطبيعة الحال لا يفي بالغرض المطلوب ولا يتلاءم مع خطورة مثل هذا الفعل الخطير على امن واستقرار المجتمع.

مما تقدم يتضح لنا جلياً اهمية تحقق امرين لمواجهة انتشار ظاهرة الابتزاز الإلكتروني في المجتمع العراقي، الاول ان  يحذو المشرع العراقي حذو المشرع في اقليم كردستان والذي تنبه بدوره لخطورة هذه الجريمة عندما  اصدر قانون منع اساءة استعمال اجهزة الاتصال في اقليم كردستان– العراق رقم (6) لسنة (2008)؛ من خلال اصدار قانون خاص بالجرائم الالكترونية يتناسب وخطورة الجريمة، اما الامر الاخر فيكمن في ان يعيّ الضحية بضرورة ابلاغ السلطات المختصة بتعرضه للابتزاز؛ من اجل القاء القبض على الجناة لضمان عدم افلاتهم من العقاب، وبما يساهم في القضاء على هذه الجريمة أو على اقل تقدير الحد منها.