مقال اكاديمي للاستاذ المساعد الدكتور  شيماء جبار علي

مقال اكاديمي للاستاذ المساعد الدكتور شيماء جبار علي

نظرة في سيميائية الأهواء

أ.م.د. شيماء جبار علي/ تخصص نقد حديث

            تعول السيميائية  على دراسة العلامة والانساق التواصلية ، سعيًا للكشف عن لعبة المعنى، ويعد دي سوسير أول من بــشر بميلاد هذه الــقراءات النصية التي تهتم بذكر العــلامات الحية التي تفضي إلى دلالة توليدية نابضة ، وقد أشار في عمله الفيلولوجي  إلى أن عملية التواصـل قائمة على أساس جملة من الإشارات اللغوية وغير اللغوية .

     وفي تسعينيات القـرن الماضي شـهدت الدراسـات المعرفية جـملة من الأبـحاث التي تلـقي الـضوء على سيـميائية الأهواء بِِعد الهـوى أريجًا ملازمًا لـلذات ، وقد تزعـمها أ.ج. غريماس وجاك فونتـني في كتـابهما ( سيميائيات الأهواء من حالات الأشـياء إلى حالات النـفس ) الذي يخضع إلى مقتضيات لا تنفك عن مسارات السلوك الجسدي والروحي، والتي تتمثل بجملة من الـدوال بـ( القلق ، الخوف ، الهيام ، السقم ، العشق ....) الأمر الذي يسـتدعي حضـور الذات والتعـويل على البـنية الدلالـية في تشـخـيص المسـارات التوليـدية التي تحـيل تـلابـيبـها إلـى المـكون التوتري والعاطفي ودلالتهـما الحدّية التي تأخذ بعضها برقاب بعض في توليد كينونة الـمعنى.

      وتسعف الاختلافات الـدلالية في استحضار معطـيات مربع غريماس للكشف عن نواة المعنى العاطفي ، ويعد الاستهواء جوهر المادة التي تتكون منها الاهواء وبها يتم ممارسة فعل التلفظ ؛ لذا تتجلى نظرة غريماس وفونتني بضـرورة دراسة الـخطاب الذي يضم الـصيغ الأهوائـية للوقوف على فاعلية المسـار التوتري والعـاطفي ووضعيتهما في الاستهلال والاستهواء والختام ،مما يشـكل الدلالات السـياقية والايحـائية في نطاق ما تنسجه الصورة المشـهدية إزاء الـذات  التي ستفـضح عن جملة من الدلالات العـشقية غير المتنـاهية عبر مسارات توليدية تفضي بالقـارئ الى قصدية النص .               

       إن الذات لا تقتصر على الفعل فحسب ، بل هي نسيج من الشحنات الانفعالية ؛ لذا ربطت سيميائية الاهواء أي عمل بالذات ؛ لأن الاخيرة ملازمة لكل عمل .

      وتعمل السيمياء على التنقيب في الآثار المعنوية التي تتجلى فيها هذه الاهواء ، ولاسيما في الخطابات التي تتجـسد فيها الصـفات المتداولة بين النـاس ويأتي تـصنيفها حسـب التـمكن الدلالي والجانب الانفعالي فـ( الحسد ، والحقد، والغيبة ، والغيرة ...) كلها صفات تعيـش بين الطبـقات المجـتمعية ، وتحددها طـبيعة العـتبة التي يقـيمها المجتـمع. فالهـوى امر محـسوم لا يمـكن الـتخلص مـنه ؛ لأنه ليـس عارضًا بل جزءًا من الكـيان الإنسـاني ؛ وعليه يـأخذ الـجانب العاطفي حيزًا كبيرًا في سيمياء الفعل الذي به تتوسع الدلالات ضمن فضاء الخطاب.

      وقد شـخـص غريمـاس مـقومات سيميـاء الاهواء وعـول على الجـسد بِعـده أسـاس الـعاطفة والتـربة الخصـبة لهذه الـقراءات ، وقـد تمـضخت دراسـة غريـماس للهـوى مـفاهـيم إجـرائيـة مفـصلية يكتسي بها النص الدور  الثيـمي للخطاب الاسـتهوائي ، وهذه المفـاهيم شـكلت حـلقـة ثلاثيـة لمشـروعية الاستهواء وهـي:

(  الإحـباط ، والاسـتياء ، والـعدوانية    )

فبـها يتـشكل الـدور الـعاملي للنـص. وهذه  المشروعية  منوطة  براي غريماس في حديثه  عن  السيميائية العامة وسيميائية الاهواء والحديث يضفي الى تمطيط الخطاب الذي  يقودنا الى استقلالية البعد الانفعالي وتميزه عن البعد المعرفي التداولي؛ لأن السيميائية العامة تهتم بالموضوع في حين تسعى سيميائية الاهواء لإبراز الذات وعلاقتها بالموضوع.

     وقد نـظر ياوس إلى النص على أنه مركبًا  لـغويًا ، فاللغة على الرغم من أنها مجمـوعة مـن الـعلامات الـدالة فهي أيـضا الوسـيلة الأسـاس للتعـبير عن الانـفـعالات الشـعورية ، مما يجعل التعاطي مع النص بين منفعل وفاعل في الوقت نفسه، وطبقا لهذا فسيمـياء الأهواء  لا تتعـامل مع العواطف على أنها حـالات نـفسية متعـلقة بالـذات فحسب، بل تلـقي الضـوء على تمـدد مدلولات هذه العـواطف دخل الـبنية الخطابية، فلا يوجد أي عمـل من دون هـوى ،فكل رغبة تفـضي إلى طموح الذي تتحقق به ما ترجوه النفس .  

مصادر المقال:

- سيميائية الأهواء ، محمد الداهي، مجلة عالم الفكر ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، الكويت ،مجلد 35، ع: 3 ، 200

- -سيميائيات الأهواء من حالات الأشياء الى حالات النفس، غريماس وجاك فونتني ، ترجمة : سعيد بنكراد ، دار الكتاب الجديدة ، ط1، 2010

- فردينان دو سوسير تأصيل علم اللغة الحديث وعلم العلامات ، جوناثا كللر ، ترجمة: محمود حمدي عبد الغني ، المجلس الاعلى للثقافة ، مصر،  200