كيف تتكيف النباتات مع الجفاف وما هو دور الجينات في الاستجابة للجفاف
Share |
2022-08-07
كيف تتكيف النباتات مع الجفاف وما هو دور الجينات في الاستجابة للجفاف

 
 م.م. مصطفى عبدالجبار صالح
 قسم مكافحة التصحر
 
How do plants adapt to drought and what is the role of genes in response to drought

المقدمة

أن الأرض تزداد سخونة كل عام وتؤدي درجات الحرارة المرتفعة هذه إلى حدوث تقلبات مناخية غير متوقعة وغير معتادة من ضمنها فترات الجفاف المتكررة والشديدة. فترات الجفاف هي فترات زمنية طويلة للغاية تخلو من أي مطر. نحن نعلم أن النباتات كائنات لاطئة وتعني أنها تبقى في مكان واحد ولا يمكنها التحرك كما يفعل البشر، كما لا يمكنها سحب جذورها والانتقال إلى مكان ظليل أو رطب وبالتالي تضطر النباتات بطريقة أو بأخرى إلى التعامل مع ظروف الجفاف المتزايدة باستمرار  وإلا ستموت ببساطة.

ماذا يمكن أن تفعل النباتات من أجل البقاء إذا لم تتوافر المياه حولها؟ من الحقائق المثيرة للدهشة أن النباتات كافة تمتلك عددًا من الجينات الخاصة باستراتيجيات تحمل الجفاف تكون مشفرة في حمضها النووي. الجينات هي أجزاء صغيرة من الحمض النووي وتعتمد قدرة النباتات على النجاة من فترات الجفاف على كيفية استخدام النباتات لهذه الجينات. تستخدم النباتات تلك الجينات لزيادة قدرتها على النجاة من الجفاف.

بعض النباتات مقاومة للجفاف. نقصد بمصطلح النباتات المقاومة للجفاف تلك النباتات التي يمكنها تحمل الظروف الجافة دون أن تموت. يمكن للنباتات المقاومة للجفاف أن تصمد أمام الجفاف باستخدام ثلاث استراتيجيات دفاعية: الهروب من فقدان المياه، أو الوقاية منه، أو تحمله . يندر وجود النباتات المقاومة للجفاف في الطبيعة ويمكن لتلك النباتات النادرة أن تتحمل فترات طويلة بدون مياه على الإطلاق. من ضمن أكثر النباتات مقاومة للجفاف نبات يطلق عليه اسم نبات القيامة. يستطيع نبات القيامة البقاء لفترات طويلة على قيد الحياة (حتى 3 سنوات) دون الارتواء بأي ماء. ومع ذلك إذا سقيته بالقليل من الماء، فسوف يعود إلى الحياة ويزدهر خلال يوم أو يومين. قد لا تتمتع النباتات الأخرى المقاومة للجفاف بنفس القدرة على تحمل الجفاف، إلا أنه بإمكانها أيضًا النجاة من فترات الجفاف القصيرة باستخدام طرق خاصة واستراتيجيات دفاعية.

بعض النباتات لها بنية خاصة تساعدها على النجاة

تتمتع بعض النباتات بقدرتها على النجاة من الجفاف بفضل بنيتها الفريدة. ومن بين هذه الخواص البنيوية الفريدة الدروع الخارجية للنباتات التي تحميها من فقدان المياه، بالإضافة إلى وسائل لمساعدة النباتات على امتصاص المياه وتخزينها. قد تتكيف النباتات المقاومة للجفاف خصيصًا للعيش والبقاء في البيئات شديدة الجفاف. غالبًا ما تبدو هذه النباتات مختلفة تمامًا عن النباتات التي تعيش في المناطق التي تتوفر فيها المياه بسهولة. تتميز النباتات المقاومة للجفاف عادةً بميزات وقاية خاصة (إحدى وسائل التكيف الدفاعي) لضمان فقدان كمية أقل من المياه في البيئة أو امتصاص المزيد من المياه وتخزينها في النبات. تعد النباتات المسماة بالنباتات العصارية الصحراوية مثالًا جيدًا للنباتات التي لديها استراتيجيات لتفادي الجفاف . تمتاز النباتات العصارية الصحراوية بوجود أوراق لحمية سميكة لا تشبه على الأغلب الأوراق على الإطلاق، ولديها طبقة شمعية سميكة لمنع فقدان المياه. تحتوي النباتات العصارية الصحراوية أيضًا على مجموعات جذرية متشعبة تمكنها من البحث عن المياه تحت التربة الصحراوية الجافة (شكل 1) تتميز بعض النباتات العصارية بجذور خاصة على هيئة بصيلات كبيرة، تشكل في الواقع خزانات مياه جوفية للنبات. تستطيع هذه النباتات البقاء على قيد الحياة لسنوات من الجفاف باستخدام المياه المخزنة في البصيلات.

 

 شكل1:  تتمتع النباتات بوسائل تكيف هيكلية فائقة لمكافحة فقدان المياه وتخزين المزيد منها

 

جينات النبات تتحكم في استجابته للجفاف

ناقشنا في الأعلى العمليات المستخدمة لحماية النباتات من الجفاف بطريقة مبسطة للغاية، والتعمق فيها يعد أمرًا معقدًا. وإذا أردنا التعبير عن الأمر ببساطة شديدة، فيمكننا القول إن النبات يستخدم شفرته الجينية - أي جيناته - في تنظيم هذه العمليات. وسينتج النبات المواد التي يحتاجها لمقاومة الجفاف من خلال تفعيل دور هذه الشفرة في الوقت المناسب، وتُسمى عملية تفعيل الشفرة الجنينة التي من شأنها مساعدة النبات على مقاومة الجفاف باسم الاستجابة الجينية للنبات . تتسم الاستجابات الجينية للنبات الذي يعاني من الجفاف بالتعقيد الشديد؛ حيث يتم تنشيط الكثير من الجينات ويتم كبت البعض الآخر منها. يستطيع العلماء الآن تحديد معظم الجينات التي تلعب دورًا مهمًا في عملية حماية النبات من الجفاف وذلك باستخدام التقنيات  الحاسوبية المتقدمة. وأوضحت هذه التقنيات أنه يتم تنشيط المئات من الجينات وكبتها وفقًا لأوقات وأماكن الحاجة إليها. ولكن يمكن أن نبسط الأمر ونقول إن هذه الجينات تنقسم إلى ثلاث مجموعات:

 (1) الجينات التي تتحكم في الجينات الأخرى اللازمة لتنشيط الجينات وكبتها.

 (2) الجينات التي تُنتج المواد التي تساعد على حماية النبات من الجفاف.

 (3) الجينات التي تدخل في عملية امتصاص المياه ونقلها.

لماذا في رأيك من المهم أن نكون على دراية بالجينات التي تلعب دورًا في مساعدة النباتات على تجنب الجفاف أو تحمله؟ الجدير بالذكر أن معظم محاصيلنا لا تستطيع تحمل الجفاف، لذلك علينا معرفة كيف سنتمكن من حماية محاصلينا من الجفاف أو تحديد الطرق اللازمة لدعمها ليكون لديها مقاومة أعلى لموجات الجفاف. نحن بحاجة إلى استخدام المعلومات المتعلقة بالجينات التي يتم تنشيطها أو كبتها خلال أوقات الجفاف للحصول على نباتات تتمتع بمقاومة أعلى للجفاف .

على مر السنين، حقق علماء النباتات بعض النجاحات وتتمثل في إنتاج محاصيل مقاومة للجفاف، وهذه المحاصيل تم إنتاجها من خلال انتقاء نباتات فردية تحملت ظروف الجفاف بشكل جيد والقيام بزراعتها. علاوةً على ذلك، على مدار العقود القليلة الماضية بدأ في التركيز على إنتاج محاصيل مقاومة للجفاف .

لإنتاج نبات معدل وراثيًا يتم دمج جين جديد (من أي مصدر) في الحمض النووي للنبات ومن خلال عملية دمج هذا الجين (أو الجينات) يأمل العلماء في إكساب النبات المُعدل وراثيًا سمة جديدة ونافعة  فمثلًا تخيل أن يكون لدينا القدرة على الاختيار من بين مئات الجينات المفيدة في نبات القيامة ودمج بعضها في القمح! ولكن من المؤسف إنه لم يتم إنتاج إلا عدد قليل من النباتات المعدلة وراثيًا المقاومة للجفاف (مثل الذرة وقصب السكر) بنجاح. يحتاج الأمر إلى المزيد من العمل فضلًا عن إقناع عامة الناس أن النباتات المعدلة وراثيًا ليست خطيرة .

الخلاصة

نخلص في هذا المقال إلى القول بأن النباتات تتعرض للخطر الشديد عندما تحدث ندرة في المياه، فالجفاف يؤثر على نمو النبات وإنتاجيته وبالتالي على بقائه. ولكن تتمتع النباتات ببعض الحماية الذاتية ضد الجفاف، حيث يمكنها أن تجري بعض التعديلات الهيكلية التكيفية لتجنب الجفاف أو تحمله. بالإضافة إلى ذلك، تمتلك النباتات آليات دفاعية داخلية يتم تفعليها في محاولة للحد من فقدان المياه عند التنبؤ بندرتها. والجدير بالذكر أن كل هذه الأنظمة الدفاعية تخضع للتنظيم من قبل جينات النبات. لذلك فإن الإلمام بهذه الجينات وطرق حمايتها للنبات ضد الجفاف تفتح طاقة أمل أمام البشرية لإنتاج محاصيل معدلة وراثيًا مقاومة للجفاف.

 
عدد المشاهدات : 1141