مساهمة مشروع حوض الحماد في مكافحة التصحر
Share |
2022-11-23
مساهمة مشروع حوض الحماد في مكافحة التصحر

 أ.د. عبدالكريم احمد مخيلف

  قسم جيولوجيا الصحراء

 الكلمات المفتاحية: حوض الحماد، مكافحة التصحر، هضبة، مناخ.

المقدمة

الحماد تسمية تضريسية جيومورفولوجية للأراضي التي تغطي سطحها الحجارة بنسبة تزيد على 50% ويراوح حجم الحجرة الواحدة منها ما بين قبضة اليد ورأس الإنسان. لذا فهي صعبة الولوج تصنف في سورية في أشكال ثلاثة تبعاً لنوعية الصخور التي تغطيها: بازلتية وكلسية واحجار الصوان وتتضاعف الميم بالشدّة وتضاف لها تاء مربوطة (حمّادة) في مناطق المغرب العربي الكبير وخاصة في القطر العربي الليبي مثل حمّادة الحمرا وحمّادة مرزوق، والحماد تسمية حيوية، تعني عند أعراب منطقة التنف في القطر العربي السوري، أرض القفار، حيث يقل الزرع ويندر الضرع، أن أسباب هذه مشكلة التصحر عديدة؛ فهي مشكلة بيئية خطيرة تسود بصورة واضحة في أجزاء مختلفة من أراضٍ الصحراء الغربية العراقية والتي من ضمنها الجانب العراقي لحوض الحماد  واتضح أيضا أن الإنسان هو صانع التصحر بالدرجة الأولي، ويقع علي عاتقه وزر ظهور هذه المشكلة وتفاقمها، ومن ثم يجب إعادة النظر في علاقته مع بيئته بما يحقق صيانتها وحمايتها، ساهم مشروع حوض الحماد في التقليل من المشكلة بيئية الاقتصادية الخطيرة ضمن المنطقة من خلال  اتخاذ الإجراءات لوقفها وتدهور الاراضي بفعل نشاط الإنسان غير الواعي حيث تتعرض هذه الأراضي للتدهور المستمر وفقدانها وخاصة مع الاستخدام المكثف للرعي وقلة صيانة  التربة وما فقد منها من المادة العضوية عن طريق الأسمدة العضوية خاصة فضلا عن تعرضها إلى عمليات التجريف بهدف استخدام الطبقة السطحية في الزراعة المطرية، وكذلك مما يلزم ضرورة التنبه إلي هذه المشكلة الخطيرة ،وأن تنظر الدولة لمكافحة التصحر كجزء من الخطط الاقتصادية والاجتماعية المتكاملة.

الموقع والحدود والمساحة:

هو جزء من بادية الشام وشمالي شبه الجزيرة العربية، تتقاسمه أربعة أقطار عربية هي: الأردن والسعودية والعراق وسورية، درس تبعاً لمعطيات المركز العربي لدراسة المناطق الجافة والأراضي القاحلة (1983) - اسم حوض وشكلاً قريباً من البيضوي، أقصى أبعاده ما بين حوض تدمر في سورية شمالاً والجوف وصحراء النفود في السعودية جنوباً 525كم. مساحته 166000كم2.

طبيعة الأرض:

يشكل جزءاً من الركيزة العربية، تغطيه التكشفات الصخرية العائدة للحقب القديمة والوسطى بنسبة 12% من مساحته في جزء من قسمه الشرقي، وخاصة في منطقة القعرة بالعراق، بينما تغطي بقية أجزاء سطحه تكوينات الحقب الحديثة، البحرية والقارية  والاندفاعية البازلتية، التي تأخذ عامة شكل أشرطة تمتد من الشمال إلى الجنوب في قسمه الشرقي  ومن شمال الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي في قسمه الغربي. أما الطبقات الرسوبية عامة  فتميل بلطف من جهة الجناحين الشمالي الشرقي والجنوبي الغربي نحو الوسط لتأخذ وضعاً شبه مستو إلى خفيف التموج تاركة منخفضاتها ساحات رحبة للتوضعات الريحية والغرينية الرباعية.

أقسام التضاريس من جنوبه الغربي إلى شماله الشرقي كما يأتي:

أ - وهـدة وادي السرحان: منخفض ارتخائي، يمتد نحو 330كم ما بين محطة ضخ نفط حيفا الخامسة (H5) شمالاً في الأردن وغويطة جراد في السعودية جنوباً، تحده الهضبة البازلتية شرقاً، وتتوسطه مملحة حضوضاء (350كم2) وعدد من الممالح الصغيرة والخبرات على امتداده، وسطي ارتفاعها 550م عن سطح البحر، تسوده التكوينات الرباعية والميوبليوسينية (النيوجينية)  باستثناء أقصاه الشمالي. تسود معظم أراضيه في الوسط الترب الجفافية العادية ذات الأفق الطيني المحلي (الكامبي Camborthids) إلى جانب الترب الجافة العادية الجبسية  Gypsorthids، تربته في الشمال جافة عادية كلسية Calciorethids وفي الجنوب حديثة الترسيب عادية صحراوية Torriorthents، وترب حديثة التكوين  رملية صحراوية Torripsamments.

ب - منطقة أودية وادي السرحان الغربية: تتدرج بالارتفاع باتجاه الجنوب الغربي حتى حافة حوض الحماد. أعلاها بين 1050م (امتدادات جبـل طبيــق) و1010م (الأخيضر). تتجه أوديته عامة شرقاً نحو منخفض وادي السرحان. معظم أراضيه في نصفه الجنوبي توضعات غرينية رباعية بعضها ريحي، وفي قسمه الشمالي باليوجينية، وفي حافاته الوسطى كريتاسية. معظم تربه جافة عادية جبسية أو كلسية، وفي أوديته ترب حديثة غرينية  صحراوية Torrifluvents.

ج - الهضبة البازلتية: تقع ما بين ديرة التلول وصلخد في أقصى الغرب والشمال الغربي (في سورية) والمفرجية أو حافات حَرّة الحرّة جنوباً (في السعودية). تتجاوز ارتفاعاتها في جبل العرب جنوبي صلخد 1400م، تشكل مرتفعاتها خطوط تقسيم المياه الشرقية والشمالية لحوض وادي السرحان وهي  تتكون من كثير من الاندفاعات البركانية المختلفة الأعمار ما بين بداية النيوجين وأواخر الرباعي الحديثة. وبذا فهي مختلفة في درجات التحلل بسبب التجوية و تضاريسها وعرة، تنبثق منها عشرات المخاريط البركانية بفوهاتها المشرومة أو تلك التي تأخذ شكل بحيرة Crater. كما في جبل سيس  تكثر فيها الاحواض المغلقة على شكل خبرات ذات غرين طيني أو سبخات مالحة تجف مياهها صيفاً كخبرتي منقار وغوب في سورية، وخبرتي المطيطة والمحطة الخامسة في الأردن ودوقرا والبحيرات المالحة في السعودية كما تظهر فيها المنخفضات المغلقة ذات الجروف المتجهة نحو الداخل والقليلة الانحدار السطحي نحو الخارج كمنخفض الجوف في سورية و يسود معظم سطحها  الصخور البازلتية وحجارتها المتكشفة، تتخللها ترب جافة عادية كامبية في أقصى الشمال والجنوب، وكلسية وجبسية في بقية المناطق إضافة إلى الترب الحديثة التكوين العادية المتوسطية Xerorthents في جبل العرب والصحراوية في غيرها بما في ذلك الترب الرملية الصحراوية في الوسط  وحديثة التكوين الغرينية الصحراوية جنوباً.

د - هضبة الحماد الوسطى: تمتد من أقصى شمال الحوض الغربي إلى أقصاه الجنوبي الشرقي. تشكل جوانبها الشرقية والشمالية خط تقسيم المياه الفاصل ما بين أودية الفرات وحوض تدمر من جهة والاحواض السباخية والأودية ذات الصرف الداخلي المستقلة من جهة أخرى، وترتفع  إلى أقل من ألف متر فوق سطح البحر وتمتد بجوار حدودها الشمالية والشرقية مظهر الحافات (الكويستات) بشكل طارات بسبب نشاط التعرية الرأسية للأودية المخترقة لها  ترتفع نسبياً عما حولها ما بين 30 و60م. تخترقها بعض الصبات والمخاريط البركانية  كما في جبلي التنف والغراب وتتضمن في جانبها السوري عدداً من الخبرات مثل الزقف، التنف، المشقوقة، الشحيمي وغيرها و معظم تربها جافة عادية جبسية أو كلسية تليها الترب الحديثة   الصحراوية الغرينية.

هـ - منطقة أودية كل من حوض الفرات وحوض تدمر: تشبه سابقتها تربياً وتقع في القسم الشمالي الشرقي من الحوض. تختلف عن كل ماسبق  بنيوياً وبنائياً، إذ يتمثل فيها الجانب الغربي من نهوض الرطبة  المتمثل بظهور طبقات الحقب القديم في منطقة القعرة والحقب المتوسط  في معظم بقية مناطق حوض الحماد العراقية وبعض الأقسام السعودية في أقصى شرقها شمالاً. تظهر في قاع أوديتها أخفض نقاط حوض الحماد كله (450 م) أهم أوديته في سورية: المربعة والمياه وصواب، وفي العراق وادي حوران، وفي السعودية وادي الأبيض.

شكل 1: الخارطة الاساس لمشروع حوض الحماد

المناخ والمياه والنبات:

تبلغ كميات التساقط المطري في منطقة الحوض 500مم بجوار منطقة المشنف بجبل العرب، ثم تتناقص إلى الخمس (100مم) في معظم القسم الشمالي من الحوض في سورية، وإلى العشر (أقل من 50مم) في معظم وادي السرحان في الأردن والسعودية، وكذا الأمر في حزم الجلاميد وجبل الثايات. أما وسطي الحرارة السنوي فيراوح بين 14° في جبل العرب وأكثر من 20°في أطراف الحوض الشرقية والجنوبية كافة يقسم مناخياً إلى أربع مناطق هي: شبه جافة في جبل العرب، جافة في الشريط الشمالي، جافة جداً (منخفضة) في حوض السرحان وما يليه جنوباً وغرباً، جافة جداً (مرتفعة) في بقية أرجاء الحوض.

أما المياه فقليلة، سواء كانت سطحية أم جوفية بسبب قلة التساقط المطري، تتصف المياه السطحية منها المتجمعة في الخبرات والسبخات بضحالتها وسرعة تبخرها بسبب الحرارة العالية. أما شبكة المياه  الجارية السيلية فغير ناضجة، إذ قلما تمتلئ مجاريها مرة كل عدة سنوات لتجرف ما تصادفه في طريقها إلى المنخفضات المغلقة أو إلى مجرى الفرات وهي أودية واسعة ضحلة ، وبسبب قلة الامطار أيضاً يقل الماء الراشح المتجمع في جوف الأرض سواء كان التجمع متقطعاً كما في مناطق الرطبة والهضبة البازلتية وفي شرقي الحماد السوري أو مستمراً كما في بقية أرجاء حوض الحماد ، تراوح أعماق سطح الماء الجوفي عامة (دراسات 1983) بين 50 و250م تحت السطح، وتراوح ملوحته بين 1 و8 غم/ليتر، كما تنتشر النباتات التي تتحمل الجفاف مثل الشيح والقيصوم والروثة والشنان والغضا والرمث والدويد والنيتول ، شكل 2 يمثل بعض النباتات السائدة ضمن خوض الحماد ذات القيمة الطبية والرعوية.

  شكل 2 :يمثل بعض النباتات السائدة ضمن خوض الحماد ذات القيمة الطبية والرعوية

شكل 3 : مشاتل منطقة الرتكة لتنمية النباتات ضمن حوض الحماد - القائم

الواقع السكاني والاقتصادي:

يرجع معظم أبناء هذا الحوض إلى أصول قبلية واحدة تشمل 38عشيرة، بينها 28عشيرة تتنقل عبره دوماً من دون حاجة إلى بطاقة هوية أو جواز سفر وخاصة بين تدمر شمالاً والجوف جنوباً عبر الأردن ووادي السرحان مروراً بطريف غرباً أو عبر العراق مروراً بجوار الرطبة شرقاً، غير أن الأوضاع السياسية الصعبة التي مرّت بها حكومات الدول الأربع منذ النصف الثاني من القرن العشرين أسهمت في ترسيخ الحدود وتعقيدات عبورها عليهم وعلى قطعان مواشيهم، سواء أكانت غنماً أم ماعزاً أم إبلاً، فأسهمت عملياً في توطين واستقرار القسم الأكبر منهم، وقيدت كل دولة حركة بدوها على أراضيها وضمن حدودها فقط، لذا توسعت المدن والقرى التي تتبادل مع البدو إنتاجهم حيث تستقر قطعانهم في الفصول الباردة، والتي قدر مجموع سـكانها عام 1980م بـ90000نسمة، في وادي السرحان تنامت من الشمال إلى الجنوب بلدات: الحديثة والقريات والعقيلة والعيساوية وطبرجل. وفي سورية والأردن قرى السفوح الشرقية والجنوبية من جبل العرب حتى محطة ضخ النفط العراقي في (H5) والزلف. كما تنامت في العراق الرطبة، وفي السعودية عرعر وطريف. ولأهمية حوض الحماد الرعوية والزراعية في إطار الأمن الغذائي وتطور البادية اجتماعياً واقتصادياً في الدول العربية الأربع وسكانها، فقد قام المركز العربي لدراسة المناطق الجافة والأراضي القاحلة بدراسته في أوائل الثمانينات من القرن العشرين دراسة ميدانية ومكتبية في إطار التخطيط الشامل المتكامل. وانتهت الدراسة بتحديد عدد من الأماكن الواعدة القطرية والمشتركة كما أقرت إنجاز المشاريع الرائدة الآتية وهي: في سورية منطقة خبرات التنف، وفي العراق مناطق شمالي الرطبة (القعرة)، وفي الأردن شمالي محطة ضخ النفط العراقي الرابعة إلى حيفا (H4) وجنوبيها، وفي السعودية مراكز الحماد في الحديثة والقريات والكاف وكركر ومحمية حرّة الحرّة المخصصة للإبل.

أهمية مشروع حوض الحماد في مكافحة التصحر:

تتعرض مساحات واسعة من العراق لخطر التصحر، حيث أطلقت وزارة الزراعة مشروع “حوض الحماد” بمشاركة أربع دول مجاورة، كمحاولة لاحتواء تداعيات زحف الصحراء في غرب البلاد وتحسين البيئة فيها،  إن “مشروع حوض الحماد هو أحد مشاريع دائرة الغابات ومكافحة التصحر التابعة لوزارة الزراعة ويقع في قضاء القائم غربي الأنبار ، ان من أهداف مشروع حوض الحماد التقليل من حدة التصحر في المناطق الغربية، فضلاً عن تقديم الخدمات لسكان البادية وتخفيف وطأة الغبار المتصاعد، وإضافة واحات طبيعية في الصحراء والسدود والحفريات المائية والاستفادة من مياه الأمطار وعودة الطيور المهاجرة والحيوانات البرية الصحراوية، بالإضافة الى توفير المياه اللازمة لسكان البادية عن طريق الآبار والمنشآت وتقديم خدمات مختلفة للحفاظ على وجودهم واستقرارهم، وكذلك الحفاظ على الثروة الحيوانية وتنميتها.

أن  المشروع هو جزء من اهتمامات المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة التابع الى جامعة الدول العربية ويرتبط بسلسلة اتفاقات وخطط مستقبلية مع المركز،  أن  عدد المواقع التابعة للمشروع هي عشرة مواقع، موزعة في الصحراء الغربية وجميعها تمتلك آبار ارتوازية ومساحات زراعية مستثمرة ومساحة كل موقع تقدر بنحو ألف دونم ويمتلك تقنيات حديثة، وزراعة أصناف نباتات تتحمل الظروف البيئة القاسية بتقنية جديدة وهي حصاد المياه التي تعد صديقة للبيئة وقليلة الكلفة ان مشروع حوض الحماد تم بمشاركة 4 دول هي العراق والأردن وسوريا والسعودية، وتقدر مساحته 13 مليون دونم وأغلب المزروعات فيه تتحمل صعوبة الجو والظروف البيئية القاسية وتنمو من تلقاء نفسها في بداية كل موسم من خلال نثر البذور التي تنتجها  أن  المشروع توقف عن العمل بسبب العمليات العسكرية في العام 2014 وسرقة وتدمير المعدات الخاصة به، وكذلك قلة التخصيصات المالية التي وقفت عائقا كبيراً أمام اكمال المشروع ، ويعاني المشروع في الجانب العراقي من ازمة مالية وان ما يصل من تخصيصات هو لسد رواتب العاملين فقط ولا يسد الحاجة للنهوض من جديد ، وعلى وزارة الزراعة الى الاهتمام بالمشروع الذي يعد القلب النابض للحياة في الصحراء وساهم بشكل كبير في احتواء سكان المناطق الصحراوية وضمهم الى الملاكات العاملة وإعانتهم مادياً من خلال صرف رواتب شهرية لهم وكذلك استقطاب السكان من المناطق القريبة خصوصاً من خريجي كلية الزراعة والمعاهد الزراعية، وأن المشروع حالياً ينتج مئة ألف شتلة سنوياً وينفذ حملات تشجير في الدوائر الحكومية والمدارس،  أن مشروع حوض الحماد له انعكاسات بيئية كبيرة على البادية، كونه يعمل على مكافحة التصحر بطرق علمية وتقنية حديثة، وهو من المشاريع الاستراتيجية قليلة الكلفة وصديقة للبيئة وتعمل على تنمية النباتات الرعوية المتحملة للجفاف فضلا عن المشروع مهم جداً لتحسين البيئة في عموم العراق، وعلى الجهات المعنية توفير الدعم اللازم لإعادة المشروع الى العمل بكامل طاقته لما له من أهمية كبيرة.

 المصادر:

 

1.   أطلس حوض الحماد ـ مشروع حوض الحماد (المركز العربي لدراسة المناطق الجافة والأراضي القاحلة، طبع إدارة المساحة العسكرية)، دمشق 1983.

2.   عماد الدين الموصلي، تصنيف ترب المملكة العربية السعودية ودوره في الجغرافيا البيئية التطبيقية بالمملكة العربية السعودية (الندوة الجغرافية السادسة لأقسام الجغرافية بجامعات المملكة العربية السعودية بالتنسيق مع الجمعية الجغرافية السعودية، ذو القعدة) 1419هـ/آذار1999.

 
عدد المشاهدات : 598