الحرب المناخية
Share |
2023-11-06
الحرب المناخية

 ا.د.سيف الدين عبد الرزاق سالم

 قسم مكافحة التصحر

 

مقدمة :

قبل أيام علقت الأمم المتحدة على موجة الحر التي تضرب أنحاء متعددة من العالم، محطمة الأرقام القياسية في القارة الأوروبية، متوقعة اشتداد تلك الموجات بصورة أكبر.

ووفق المستشار الرفيع المستوى لشؤون الحرارة الشديدة في المنظمة العالمية للأرصاد الجوية جون نيرن فإن "شدة هذه الأحداث المناخية ستظل مستمرة في الازدياد، وعلى العالم أن يستعد لمزيد من موجات الحر الأكثر شدة".

وأصر نيرن على أن "الحرارة الشديدة التي نشهدها هي نتيجة لتغير المناخ، ولم تكن جزءاً من أنظمة الطقس العادية في الماضي"، متوقعاً أن تؤدي ظاهرة النينو المعلنة أخيراً إلى تضخيم تواتر وشدة درجات الحرارة المرتفعة، مما ستكون له "تأثيرات خطرة للغاية على صحة الإنسان وسبل عيشه".

وسببت ظاهرة النينو في عامي 1997 و1998 في مقتل 23000 شخص جراء العواصف والفيضانات، وإلى جانب أضرار بلغت أكثر من 33 مليار دولار. وتتصاعد تخوفات علماء أرصاد أن تقترب الخسائر مع نهاية العام من تلك النسبة.

وتعد النينو ظاهرة طبيعية تقع في المحيط الهادئ، وتؤثر في النظام المناخي بجميع أنحاء العالم، وتتكرر كل سنتين إلى سبع سنوات.

الناس يشاهدون الحرائق بالقرب من قرية مالونا في جزيرة رودوس اليونانية

توقعات بزيادة نسبة الوفيات

وفق تقرير صادر حديثاً عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية فإن نحو 60 ألف شخص توفوا بسبب درجات الحرارة الشديدة في أوروبا الصيف الماضي، على رغم وجود خطط قوية للإنذار المبكر والعمل الصحي بالقارة، مما يستدعي ضرورة تكييف البنية التحتية لتحمل درجات الحرارة المرتفعة لفترات طويلة وزيادة الوعي بالأخطار بين الفئات الضعيفة.

 

حرائق غابات بالقرب من بلدة ملولة شمال غربي تونس بالقرب من الحدود مع الجزائر 

وحذرت المنظمة أيضاً من زيادة مخاطر الوفاة بسبب موجات الحر في آسيا وشمال أفريقيا والولايات المتحدة. ووفقاً لها، فإن موجات الحر الشديدة والمكثفة هذا العام مقلقة، إلا أنها غير مستغربة لأنها تتماشى مع التوقعات. متوقعة استمرار موجات الحر الشديد حتى شهر آب .

ووثق عضو الهيئة الدولية لتغير المناخ واستشاري التغيرات المناخية بالأمم المتحدة سمير طنطاوي فإن ما يشهده النصف الشمالي من الكرة الأرضية من ارتفاعات غير مسبوقة في درجات الحرارة يعد أحد مظاهر الأحداث الجامحة الناتجة من التغيرات المناخية، حيث لم تستطع دول العالم حتى الآن التوصل لاتفاق لخفض فوري ومعنوي في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، الأمر الذي يهدد نظماً إحيائية بالفناء، إضافة إلى تأثيراته السلبية على عديد من المحاصيل الزراعية، بما يعني أزمة غذاء، إضافة إلى زيادة معدلات التبخر من المسطحات المائية بما فيها العذبة والتأثير على الموارد المائية.

ويتوقع تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية في  تشرين الأول  من العام الماضي أن يسبب تغير المناخ خلال الفترة من عام 2030 إلى عام 2050، نحو 250 ألف وفاة كل عام بسبب سوء التغذية والملاريا والإسهال والإجهاد الحراري، وأن تتراوح الكلفة المباشرة للضرر على الصحة بين اثنين وأربعة مليارات دولار أميركي بحلول عام 2030.

وأشار التقرير إلى أنه ستكون المجالات التي تفتقر إلى البنية التحتية المتينة في مجال الصحة، ومعظمها في البلدان النامية، أقل قدرة على التعامل من دون الحصول على مساعدة من أجل التأهب والاستجابة.

ورجح نفس الخبير في تصريح لـ"اندبندنت عربية" السبب في موجة الحر الشديدة الحالية إلى توافر ظروف جوية تتمثل في منخفض الهند الموسمي الذي يعمل على سحب كميات كبيرة من الهواء الساخن من منطقة وسط آسيا وشبه الجزيرة العربية، إلى جانب تأثير "القبة الحرارية"، وهي ظاهرة جوية تحدث نتيجة اختلاف في الضغوط الجوية في طبقات الغلاف الجوي، حيث يتولد مرتفع جوي في طبقات الجو العليا نتيجة انخفاض درجة الحرارة والذي يضغط بدوره على الهواء الساخن بطبقات الجو الدنيا مانعاً صعوده لأعلى واستبدال تيارات هواء باردة به تعمل على تلطيف الحرارة.

وأضاف أن المعدلات العالية من الرطوبة النسبية تزيد أيضاً من الإحساس بالحر، ويتطلع العالم إلى الدورة المقبلة من مؤتمر الأمم المتحدة للتغيرات المناخية الذي يعقد بالإمارات في محاولة للوصول إلى حلول جذرية لمشكلة تغير المناخ.

تأثير ظاهرة النينو

وتوقع كبير علماء المناخ في وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" غافين شميت أن يصبح (تموز) 2023 الشهر الأكثر سخونة على الإطلاق، ليس فقط منذ بدء تسجيل درجات الحرارة، إنما "مئات إن لم يكن آلاف السنين".

وأوضح شميت أن "التغييرات المناخية غير المسبوقة في جميع أنحاء العالم لا يمكن أن تعزى فقط إلى ظاهرة النينو المناخية، فعلى رغم الدور الصغير الذي تلعبه، فإن ما نراه هو سخونة شاملة في كل مكان على الغالب، لا سيما في المحيطات. ومنذ أشهر عدة شهدنا درجات حرارة لسطح البحر حطمت الأرقام القياسية حتى خارج المناطق الاستوائية.

ويتفق كبير متخصصي إدارة المشاريع والموارد المائية والزراعة في الأمم المتحدة أحمد فوزي دياب مع رأي شميت، وقال في تصريح خاص إن المشكلة ليست في درجات الحرارة المرتفعة، الشيء الغريب الذي يحدث هذا العام هو استمرارية للطقس المتطرف، حيث إن الموجة الحارة مفترض انتهاؤها بعد نحو أسبوع، لكنها باتت متواصلة لأشهر، وسط توقعات باستمرارها حتى اب المقبل، وهو أمر أبعد من كونه تأثير ظاهرة النينو.

وشدد على أن ما يحدث في العالم خلال الفترة الماضية أمر غير طبيعي، وسيتأثر عديد من الدول السياحية بتلك التغيرات، ومنها العراق و مصر وتركيا وفرنسا واليونان وإيطاليا والبرتغال وإسبانيا، متوقعاً أن تتقلص الأمطار بنسب كبيرة بتلك المناطق في المستقبل، وأن تصل درجات الحرارة فيها إلى 50 درجة مئوية، إضافة إلى تزايد حدوث ظاهرة الهجرة المناخية من أوروبا إلى المناطق ذات الطقس أكثر استقراراً.

 

حرائق بالقرب من مستوطنة بورناري على بعد نحو 25 كيلومترا جنوب غربي أثينا

وتوقع هبوط أمطار غزيرة في توقيتات مفاجئة تصل إلى حد السيول والفيضانات في فصل الشتاء بمناطق في أوروبا والشرق الأوسط، وطالب بضرورة التعاون الدولي للحد من آثار تلك التغيرات، متسائلاً "هل وصل العالم إلى الحرب المناخية؟".

ودعت المنظمة الدولية للهجرة في تقرير صادر عنها في يونيو (حزيران) إلى ضرورة إيجاد حلول ملموسة للتعامل مع الهجرة الناجمة عن التغيرات المناخية في منطقة البحر المتوسط، مشيرة إلى أن التغيرات المناخية تسببت في تشريد 305 آلاف شخص في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عام 2022، بزيادة 30 في المئة عن العام الذي سبقه.

ووفقاً لآخر الأبحاث من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، فإن أمامنا أقل من 11 سنة لإجراء التحول الضروري لتجنب أسوأ تأثيرات تغير المناخ. ويلزم تخفيض مستوى ثاني أكسيد الكربون في الجو بمقدار 45 % بحلول عام 2030 لمنع تجاوز الاحترار العالمي 1.5 درجة مئوية لتجنب أسوأ تأثيرات تغير المناخ.

 

المصادر

Intergovernmental Panel on Climate Change (IPCC) .Climate change 2000: synthesis report, by R. Watson and Core Writing Team, eds. Cambridge University Press.1

FAO, "The State of Food and Agriculture (Climate Change, Agriculture and Food Security"), Chapter II (Climate, Agriculture and Food Security: A Closer Look at the Links), Rome, 2016

FAO, "The State of Food and Agriculture (Climate Change, Agriculture and Food Security"), Rome, 2016.

 

 
عدد المشاهدات : 184