أ.م.د. فؤاد محمد فريح

أ.م.د. فؤاد محمد فريح

 الآثار النفسية للعنف القائم على النوع

The Psychological Impact of Gender Based Violence (GBV)

أ.م.د. فؤاد محمد فريح

رئيس قسم العلوم التربوية والنفسية- كلية التربية للعلوم الانسانية

الصفحة الالكترونية الرسمية للكاتب

ed.fuad.muhammad@uoanbar.edu.iq

اصبح العنف وبكل أشكاله في وقتنا الحاضر يتزايد وبشكل مضطرد في شتى ارجاء المعمورة، وبات لايقتصر على دولة او شعب بعينه وهذا ما اكدته منظمة اليونسكو في تقاريرها ودراساتها التي اجرتها على مختلف المجتمعات والتي اشارت فيها الى ان ظاهرة العنف أصبحت ظاهرة يومية وتبدو جلية في العلاقات بين الافراد وفي حياة المجتمعات والامم على حد سواء، الامر الذي قد يثير لدى تلك الجماعات الشعور بالخوف والتوتر والقلق وعدم الاطمئنان الذي يسود كل مفاصل حياة الفرد. هذه الحقيقة اصبحت واضحة لكل من له تماس مباشر مع المؤسسات الطبية بمختلف اشكالها والنفسية والاجتماعية.    

تعرّف الأمم المتحدة العنف الممارس ضد المرأة بأنّه "أيّ فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة. كما يعرف بانه سلوك عنيف مُتعمَّد موجّه نحو المرأة، ويأخذ عدة أشكال سواء كانت معنويّة أو جسدية مما يؤدّي إلى معاناة وأذى يلحق المرأة في الجوانب الجسديّة والنفسيّة والجنسيّة.

تشير الدراسة التي أجرتها منظمة الصحة العالمية عن صحة المرأة والعنف المنزلي المُمارس ضدها في عدة بلدان" (عام 2005) وشملت عشرة بلدان الى ان هناك ما يقرب من 15% من النساء قد تعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي. في عام 2013 ازدادت النسبة بشكل كبير جدا جاء ذلك في المسح الميداني الذي أجرته المنظمة بالاشتراك مع كلية لندن  وتبين ان ثلث النساء تقريباً (30%) من إجمالي نساء العالم أجمع قد تعرضن للعنف الجسدي و/ أو الجنسي. كما تشير التقديرات إلى أن معدل انتشار هذا العنف يتراوح بين 23.2% في البلدان المرتفعة الدخل و24.6% في إقليم غرب المحيط الهادئ و37% في إقليم شرق المتوسط و37.7% في إقليم جنوب شرق آسيا. وعلاوة على ذلك، يوجد على الصعيد العالمي نسبة تصل إلى 38% من جرائم قتل النساء. وبالإضافة إلى العنف الممارس على يد الزوج، تبلّغ نسبة 7% من النساء في العالم عن تعرضهن للاعتداء الجنسي على يد شخص آخر غير الزوج. اما في العراق فقد سجلت وزارة الداخلية العراقية 15 الف حالة عنف منزلي مابين قتل وانتحار وحرق واعتداء جنسي خلال العام 2020 فقط مقارنة ب 17 الف حالة خلال العام 2017، الا اننا نعتقد ان العدد اكبر بكثير.

اشارت الدراسات النفسية الى ان العنف الممارس ضد المرأة له تأثير كبير على المرأة في المقام الاول ومن ثم يساهم بشكل فاعل في تصدع الأسرة وإصابة كل من البنين والبنات باضطرابات نفسية، فقد اشارت الدراسات الى ان تعرض المرأة الدائم الى العنف بمختلف اشكاله يؤدي الى ضعف الثقة بالنفس والقدرات الذاتية لها كإنسانة، تدهور عام في الدور والوظيفة الاجتماعية، عدم الشعور بالامان والاطمئنان اللازمين للحياة والابداع، كره الزوج، فقدان القدرة على تربية الاولاد وتنشئتهم التنشئة الصحيحة، كذلك هناك مخاطر كبيرة تشتمل على معاناة دائمة للشعور بالالم النفسي والوقوع فريسة سهلة للتحقير والاهمال ويجعلها اخيرا عرضة للاصابة بالكثير من الامراض والاضطرابات النفسيىة منها القلق، الاكتئاب، مشاعر من القهر، فقدان الذاكرة، ضعف التركيز، بارانويا، ادمان العقاقير الطبية واخيرا الانتحار او محاولات الانتحار المتكررة، لذا تعتبر النساء المعنفات في خطر متزايد للاقدام على الانتحار وهذا ما اشارت اليه احدى الدراسات التي وجدت ان نسبة 35% من النساء المعنفات يحاولن الانتحار مرة واحدة على الاقل.

اما مايخص الاطفال والاسرة بشكل عام، فهناك عدة دلائل علمية على ان الاطفال لهم نصيب كبير من التاثير السلبي للعنف الموجه ضد المرأة، حيث لوحظ ان الاطفال الذين يتربون في جو أسري مشحون غالباً مايكونوا اكثر ارتكاباً للعنف ضد الاطفال الاخرين، بالاضافة الى ضعف تحصيلهم الدراسي والاكاديمي بشكل عام، كما اشارت الدلائل العلمية الى وجود مؤشرات نفسية لاصابة هؤلاء الاطفال بشكل اكبر من الاطفال الاخرين بالقلق والاكتئاب والعزلة والانحرافات السلوكية خاصة في فترة المراهقة. كما يمكن ان يتسبب التعنيف غير المباشر الى الشعور بالخوف، انعدام الثقة، ضعف المهارات الادراكية مثل صعوبات التعلّم وضعف الانتباه أو التركيز، كما أنّهم معرّضون لإعاقات في الوظائف التنفيذية للدماغ، مثل الضعف الذي يصيب الذاكرة العاملة، وضبط النفس، والمرونة المعرفية. كما قد يؤدي العنف غير المباشر الى خلل في الصحة العقلية والعاطفية وصعوبات على الصعيد الاجتماعي خاصة فيما يتعلّق بقدرتهم على تكوين صداقات وعلاقات اجتماعية إيجابية في وقت لاحق من حياتهم.