أنواع الحق في الشريعة الاسلامية

أنواع الحق في الشريعة الاسلامية

أنواع الحق في الشريعة الاسلامية

 

'anwae alhaqi fi alsharieat aliaslamia

ed.mohamed.oueed@uoanbar.edu.iq

 محمد عويد جبر عبد الدليمي (أستاذ)

 

ينقسم الحق عدة تقسيمات باعتبارات مختلفة بحسب المعنى الذي يدور عليه الحق، أذكر أهم هذه التقسيمات وأحكامها وما يترتب عليها من نتائج.

التقسيم الأول ـ باعتبار صاحب الحق ينقسم الحق بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أنواع :

النوع الأول : حق الله ،

والنوع الثاني : حق الإنسان،

والنوع الثالث : الحق مشترك: والحق المشترك : وهو ما اجتمع فيه الحقان ولكن قد يغلب حق الله أو حق الإنسان الشخصي ( ).

1 – النوع الأول حق الله تعالى (أو الحق العام):

حق الله على عباده

إنّ لله تعالى حقًا على عباده، فلم يستخلف الله تعالى الإنسان في هذه الأرض عبثًا، وإنما جعل لهم حقًا عليه كما جعل لنفسه حقًا على العباد ،  فالله تعالى هو مدبر الكون ومصرف الأمور، وهو الخالق المستحق للعبادة، وعلى الإنسان أن يُظهر هذه العبودية لخالقه ويؤمن به وحده ولا يشرك به شيئًا.

وقد بيّن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم حق الله على عباده في الحديث الذي رواه معاذ بن جبل عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم عندما ناداه ثلاث مرات ثم قال له:  ( هلْ تَدْرِي ما حَقُّ اللَّهِ علَى عِبَادِهِ؟ قُلتُ: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: حَقُّ اللَّهِ علَى عِبَادِهِ أنْ يَعْبُدُوهُ ولَا يُشْرِكُوا به شيئًا، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قالَ: يا مُعَاذُ بنَ جَبَلٍ، قُلتُ: لَبَّيْكَ رَسولَ اللَّهِ وسَعْدَيْكَ، فَقالَ: هلْ تَدْرِي ما حَقُّ العِبَادِ علَى اللَّهِ إذَا فَعَلُوهُ؟ قُلتُ : اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ : حَقُّ العِبَادِ علَى اللَّهِ أنْ لا يُعَذِّبَهُمْ (حديث صحيح

وحق الله : ما قصد به التقرب إلى الله تعالى وتعظيمه وإقامة شعائر دينه، أو تحقيق النفع العام للمجتمعات الانسانية وحمايتها من غير اختصاص بأحد من الناس. وينسب هذا الحق إلى الله تعالى لعظم خطره وشمول نفعه، أي أنه هو حق للمجتمع.

ومن امثلته :  العبادات الواجبة  من الصلاة ، والصيام ، والحج ، والزكاة والجهاد، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر، والنذر لله تعالى ، وتسمية الله عند الذبح وكل الأعمال التي تقرب العبد الى ربه  .

ومثال الثاني: (الحق العام)  الذي يقصد به نفع المِجتمع وحمايته  والكف عن الجرائم والمحرمات وتطبيق العقوبات من حدود (حد الزنا ، والقذف ، والسرقة ، والحرابة ، وحد شرب الخمر) ، وتعزيرات على الجرائم المختلفة التي لم يحدد الشرع مقدار العقوبة ،  مثل لعب القمار ، والربا ، والغش في المعاملات ، وصيانة المرافق العامة من أنهار وطرقات ومساجد وغيرها مما لا بد منها للمجتمع . واقامة هذه العقوبات على المجرمين والذين يتجاوزون على ما شرع الله ؛ لأنه يترتب على هذه العقوبات مصلحة عامة وهي القضاء على الجرائم في المجتمع والزجر عن ارتكاب المعاصي . 

وأحكام حق الله تعالى هي :

1-       لا يجوز إسقاطه بعفو أو صلح أو تنازل، فلا يسقط حد السرقة بعفو المسروق منه أو صلحه مع السارق بعد بلوغ الأمر إلى الحاكم ويدل عليه حادثة سرقة رداء صفوان بن امية عن يوسف بن ماهك أن عبدا لبعض أهل مكة سرق رداء لصفوان بن أمية. فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بقطعه ، فقال : يا رسول الله ! تقطعه من أجل ثوبي ، قال : ( فهلا قبل أن يأتيني) . ولا يسقط حد الزنا بعفو الزوج أو غيره أو إباحة المرأة نفسها.

2-       لا يجوز تغيير الحكم المقدر فيها ، فحد الزنا مقدر100 ، وحد القذف مقدر ب(80) جلدة ، وحد السرقة مقدر بالقطع ، وحد الحرابة مقدرة عقوبته ، وحد السكر مقدرة عقوبته فلا يجوز تغيير الحكم أو تقليل العقوبة ؛ لأنها محددة من قبل الشارع . 

3-       ولا تورث حقوق الله ، فلا يجب على الورثة ما فات مورثهم من عبادات، ولا يسأل الوارث عن جريمة المورث.

4-       ويجري التداخل في عقوبة حقوق الله، فمن زنى مراراً، أو سرق مراراً ولم يعاقب على هذه الجرائم في وقتها  ، فيكتفى بعقوبة واحدة ؛ لأن المقصود من العقوبة هو الزجر والردع ويتحقق بذلك .

واستيفاء هذه العقوبات والجرائم من قبل الحاكم، فهو الذي يؤدب على ترك العبادات أو التهاون بشأنها، وهو الذي يقيم الحدود والتعزيرات على العصاة منعاً من الفوضى وتثبيتاً من وقوع الجريمة.

2 – النوع الثاني : حق الإنسان (أو العبد): وهو نوعان عام وخاص :

وحق الانسان وهو ما يقصد منه حماية مصلحة الشخص، سواء أكان الحق عاماً أو خاصا كالحفاظ على الصحة والزوجة والأولاد ، والأموال، وتحقيق الأمن، وقمع الجريمة، ورد العدوان، والتمتع بالمرافق العامة للدولة ، وهذه فيها مصلحة عامة للمجتمع من غير اختصاص بأحد مثل: المياه والمدارس والجامعات ووسائل النقل العامة، ومعنى عمومها أن الانتفاع بها يثبت لجميع افراد المجتمع، وصيانتها والحفاظ عليها فرض على جميع المجتمع ونفقت هذه المرافق من ميزانية الدولة. 

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا، طَوَّقَهُ اللهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ  .

أم كان الحق خاصاً، كرعاية حق المالك في ملكه، وحق البائع في الثمن والمشتري في المبيع، وحق الشخص في بدل ماله المتلف، ورد المال المغصوب، وحق الزوجة في النفقة على زوجها، وحق الأم في حضانة طفلها، وحق والأب في الولاية على أولاده،  ونحو ذلك.

قال تعالى : ? وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ? البقرة آية 233 .

احكام حق الانسان :

1-       يجوز لصاحبه التنازل عنه وإسقاطه بالعفو أو الصلح أو الإبراء .

2-       ويجرى فيه التوارث .

3-       ولا يقبل التداخل، فتتكرر فيه العقوبة على كل جريمة على حدة .

4-       واستيفاؤه منوط بصاحب الحق أو وليه.

النوع الثالث : الحق المشترك

وهو الحق الذي يجتمع فيه الحقان: حق الله وحق الشخص، وينظر فيه الى الغالب فإما أن يكون فيه حق الله تعالى هو الغالب، وإما أن يكون حق الشخص هو الغالب .

فان كان فيه حق الله هو الغالب فهو يتبع حق الله ، وان كان فيه حق الشخص هو الغالب فهو يتبع حق الشخص .   

مثال الأول: (حق الله فيه الغالب) عدة المطلقة، ففيها حقان حق الله : وهو صيانة الأنساب عن الاختلاط ، وفيها حق الشخص، وهو المحافظة على نسب أولاده ، لكن حق الله غالب؛ لأن في صيانة الأنساب نفع عام للمجتمع، وهو حمايته من الفوضى والانهيار قال تعالى : ? وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ? سورة البقرة من الآية 228.

ومثاله أيضاً: صيانة الإنسان لحياته فقال تعالى : ? وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ? سورة النساء من الآية 29 وصيانة عقله وصحته عن الإفساد قال تعالى : ? إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ? سورة المائدة من الآية 90 ، وصيانة ماله عن اتلافه أو تضييعه في عمل غير مشروع ، فيها حقان، لكن حق الله غالب لعموم النفع العائد للمجتمع .

ومثاله عند الحنفية ( ) حد القذف (وهو ثمانون جلدة لمن يتهم غيره بالزنا) قال تعالى : ? وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ? سورة النور الآية 4 فيه حقان : حق للمقذوف بدفع العار عنه وإثبات شرفه وحصانته ، وحق الله : وهو صيانة أعراض الناس وإخلاء العالم من الفساد، وحق الله أغلب .

وحكمه: أنه يلحق بالقسم الأول، وهو حق الله تعالى باعتبار أنه هو الغالب ، ويجري فيه ما يجري في حقوق الله من احكام .

ومثال الثاني : ( حق الشخص فيه غالب ) حق القصاص الثابت لولي المقتول، فيه حقان: حق لله وهو تطهير المجتمع عن ارتكاب جريمة القتل النكراء قال تعالى : ? وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ? ، سورة البقرة الآية (179) وحق للشخص: وهو شفاء غيظه وتطييب نفسه بقتل القاتل، وحق الانسان هنا هو الغالب ؛ لأن مبنى القصاص على المماثلة ، وحكمه أنه يلحق بالقسم الثاني ( حق العبد ) : وهو حق الشخص في جميع أحكامه، فيجوز لولي المقتول العفو عن القاتل، والصلح معه على مال فقال تعالى :  ? فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ? البقرة: 178 . وقال عز وجل: ? وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33) ? الإسراء:33.