ا.م.د. صافي عمال صالح

ا.م.د. صافي عمال صالح

الغباء المثمر

Fruitful Stupidity

ا.م.د. صافي عمال صالح

اختصاص علم النفس التربوي

ed.safee.saleh@uoanbar.edu.iq

https://www.uoanbar.edu.iq/staff-page.php?ID=177

ليس بالضرورة ان يكون إحساس الطالب بالغباء وقلة المعرفة أمرًا سيئًا لدرجة كبيرة، فالغباء هو حقيقة وجودية ملازمة لجهودنا تدفعنا إلى مواصلة البحث نحو المجهول، لنصبح أكثر راحة وسعادة مع كوننا أغبياء، عندما نتعمق أكثر في المجهول ونبحث عن المعرفة والحقيقة العلمية، ونقوم باكتشافات معرفية كبيرة تخصنا وتخص الاخرين.

ان هذا النوع من الغباء يُعَد غباءً مثمراً– منتجاً، اذ يشكل دافعاً هائلاً للاستقصاء والبحث والتعلم وهو الهدف الأسمى في برامج الدراسات الأولية والعليا في التعليم الجامعي، لكننا للأسف لا نقوم بعمل جيد بما يكفي لتعليم طلبتنا كيف يكونوا أغبياءً منتجين - فإذا لم نعمد وفق برامج تعليمية رصينة ونجعلهم يشعرون بالغباء فهذا يعني أننا لا نأخذ بيدهم الى الطريق القويم الذي يخلق منهم افرادا مبدعين منتجين وليس متلقين سلبيين، فإن من المفيد أن يكون الطالب جاهلاً في القضايا العلمية التي تتعدى حدود الكتب المنهجية وكراسات الدرس، لتشكل مهمازاً للتفاعل العلمي وبذل الجهد والمثابرة لحل المشكلات وإيجاد الحلول الجديدة والمبدعة.             
يجب إن تعد الاختبارات التمهيدية في الدراسات العليا لكي يكون الطالب باحثا علميا مثابرا، فمن المناسب ان تقوم على فكرة مفادها الضغط على الطالب إلى أن يبدأ بالوصول إلى إجابات خاطئة أو يستسلم ويقول: "لا أعرف"!  فالهدف من هذه الاختبارات ليس معرفة ما إذا كان الطالب يعرف جميع الإجابات أم لا، بل الهدف هو تحديد نقاط الضعف لديه، وأين يحتاج إلى استثمار المزيد من الجهد، ولمعرفة ما إذا كانت معرفته بدرجة كافية تسمح لهم بالقيام بمشروع بحثي مثمر.               
لبلدنا العديد من المشكلات الاجتماعية والنفسية العلمية الكبيرة" متعددة الأبعاد، والتي تبدو عصيةً على الحل، وتحتاج تدخلاً من المتخصصين من العلماء والباحثين في مختلف فروع المعرفة، وتستلزم حلولا قد تبدو بعيدة أو شاقة، وتتطلب العديد من الخطوات، وللأسف ومن خلال خبرتي الشخصية في الاشراف على برامج الدراسات العليا في الاختصاصات الإنسانية والعلمية، تأشر لديَّ ان طلبة الدراسات العليا والمتفوقين تحصيلياً منهم غالباً ما يتخلون عن إثارة الاستفهام والاكتشاف لأنهم يعتقدون أنهم غير قادرين على معالجة مثل هذه المشكلات بنجاح، فمهما كانت اهتمامات الطلبة، يجب أن يجدوا مكانًا للدراسة يساعدهم على الاعتراف "بغبائهم المثمر" واستخدامه كقاعدة للاندماج في استكشاف المشكلات وحلها، كما يجب أن تحتوي برامجهم الدراسية على أفضل المناهج المنطقية والتنبؤية المستندة الى خطوات المنهج العلمي الرصين، فضلاً عن تحليهم (الطلبة) بالمنطق التكميلي  الذي يتخلله التفكير والتعلم بأكثر من محاولة، وبالمزيد من التجريب والبحث، وعلينا ان نعي ان هذه المنهجية ليست فقط للطلبة المبادرين والمتميزين، بل لكل شخص يريد خلق قيمة علمية واقتصادية واجتماعية في الحياة، اذ  يجب ان يلعب التعلم التفاعلي دوراً أكبر في التعليم، فالطلبة بحاجة إلى مجموعة من الأدوات والأفكار للنجاح في بيئة تتغير فيها الافتراضات والمعرفة بوتيرة سريعة، ويجب تشجيعهم على شق طريقهم إلى المجهول بنجاح وتفوق مثمر، فالتعلم القائم على العمل وعدم اليقين الشديد والمطلق هو الطريقة الوحيدة التي من خلالها يمكن إيجاد الدليل الذي يسمح للمنهجية العلمية بالعمل، فالتوجهات العلمية الحديثة اليوم تتطلب منا أن نستكشف جهلنا ونعترف بفرص التجريب التي تمثل الدافع نحو التعلم والوصول الى الحقائق العلمية، فعلينا اذن الاحتفاء بالغباء المثمر وبالأشخاص الذين يشعرون بالفضول تجاه جهلهم، والذين يستخدمون العمل أساسًا للتعلم، مع توفير فرص الاندماج في التعلم العميق الذي يخترق المعرفية.

الكلمات المفتاحية:

الغباء المثمر: 

التعلم التفاعلي:  

المعرفية: