أهمية الخطاب الديني المعتدل في تعزيز السلم المجتمعي في محافظة الانبار

أهمية الخطاب الديني المعتدل في تعزيز السلم المجتمعي في محافظة الانبار

       يقصد بالخطاب الديني (المضمون الذي يقدمه أي شخص او مؤسسة حول القضايا الدينية سواء اكان هذا المضمون خطبة للجمعة, او مقالا صحفيا او حديثا اذاعيا او تلفزيونيا او محاضرة او موقعا من المواقع الالكترونية المختلفة في شبكة الانترنت او التدوين من خلال شبكات التواصل الاجتماعي او حتى الحديث المباشر الذي يتم بين الأشخاص او بين بعضهم البعض وغالبا ما يتم الاستشهاد بالآيات القرآنية والاحاديث النبوية وتكون مرجعيته الشريعة الإسلامية), وهذا الخطاب قد يكون خطابا متطرفا يرتبط بالانغلاق والتعصب للرأي ورفض الآخر وشيطنته وكراهيته وازدرائه وتسفيه آرائه وافكاره وتكفيره دينيا, وربما اباحة دمه وعرضه, وهو ما يكون سببا رئيسيا في تهديد السلم المجتمعي, وقد يكون خطابا معتدلا يسعى الى قبول الاخر على قاعدة حرية الدين والاعتقاد والمواطنة واعتباره الاخر شريك أساسي في الوطن بما يسهم في تعزيز أواصر الوحدة والتلاحم المجتمعي.

       ونستطيع القول أن ما كان سائدا في محافظة الانبار تاريخيا هو الخطاب المعتدل المتمثل بالمذهبين الشافعي والحنفي والصوفية, القائم على اساس قبول الاخر المختلف دينيا ومذهبيا وكان من نتائجه وحدة واستقرار هذا المجتمع , الا انه بعد الاحتلال الامريكي 2003 بدأت تشهد المحافظة خطابا متطرفا, كان من أسبابه الرئيسية ظهور التيارات السلفية التكفيرية التي اتخذت من العنف وسيلة ضد الاخر الأجنبي المحتل ثم انتقلت بعد ذلك لتكون ضد ابن الوطن المختلف دينيا او مذهبيا, ومن ثم في مرحلة ثالثة انتقل هذا العنف ليكون, ضد ابن المذهب بل وابن العشيرة والأقرباء وعلى صعيد الاسرة الواحدة, مما خلق ازمة اجتماعية كبيرة هددت السلم المجتمعي في المحافظة كان من نتائجها تعرض المحافظة لدمارا كبيرا , اذ تم الايغال باهلها قتلا وتشريدا وتهجيرا وتدميرا تحت حجج وذرائع واتهامات شتى معروفة للجميع.

        واذا كانت مهمة الدين هي إيجاد الحياة المستقيمة للبشر وإيجاد القوانين التي تسهم في إيجاد الحياة الامنة المستقرة لهم , والمساجد هي بيوت الله مهمتها ان تحض على المودة والتأخي والتواصل بين البشر, فان محافظة الانبار التي عانت ويلات التهجير والتي ماتزال تواجه تحديات امنية واقتصادية واجتماعية ونفسية كبيرة, هي في حاجة ماسة اليوم لخطاب ديني معتدل يسهم في تعزيز السلم المجتمعي, ويمنع من العودة الى التطرف ونتائجه الكارثية, اذ ان الوصول إلى خطاب ديني معتدل, يمثل العلاج والحل الناجع للوصول إلى بيئة أمنة ومجتمع مستقر، اذ لا يخفى على أحد ما للمنابر الدينية من تأثير واضح على المجتمع, الذي تعمل فيه سلباً أو إيجاباً .

        إن ما يميز الخطاب الديني هو ارتباطه بمعتقدات الإنسان والقيمة الفكرية التي تنسج سلوكه، وبالتالي يمكن للخطيب ورجل الدين إعادة تشكيل وتصحيح أو انحراف أفكار الإنسان المتدين وهنا تكمن الخطورة، وهذا جوهر المشكلة التي تحتاج الى معالجة حقيقية.

      إن الخطاب الديني المعتدل القائم على النصوص الشرعية والاستدلال الصحيح هو أفضل طريقة يمكن للأفراد والدول استعمالها لعلاج جميع الانحرافات التي تعاني منها المجتمعات اليوم سواء كانت هذه الانحرافات عقدية ام فكرية. إذ تعدّ هداية الناس للطريق القويم هي القيمة الأبرز في الخطاب الديني المعتدل، وهو هدف ذو قيمة كبيرة يمر عبر دعوة الناس وتبليغهم وإرشادهم وينظم حياة الأفراد والجماعات بسنن وقوانين وقواعد اخلاق الدين السامية، التي تركز على هداية الناس وحثهم لسلوك طريق الدعوة إلى الله تعالى عن طريق الخطاب الديني المعتدل، وترغيبهم في ذلك، وكشف زيف الخطابات المتطرفة التي أودت بالأمة وشبابها في هاوية القتل والتكفير. لذا تعمل كل المجتمعات لتغيير واقعها المعاش من حيث توفر الفرصة المناسبة لتحقيق الاستقرار الذي يقودها إلى الأفضل مما كانت عليه سابقاً، ولتحقيق ذلك الاستقرار؛ لابدّ من توفر ووجود الحوافز والأسباب التي تدعوا له وتعمل جاهدة على تحقيقه مهما كانت الظروف والنتائج، وهنا يأتي توظيف الخطاب الديني المعتدل الذي يعمل جاهداً للحد من نبذ التطرف والكراهية لأنه صمام الأمن والأمان للمجتمع ويسهم بدوره في استقرار المجتمع.

         وفي رأينا ان الخطاب الديني المعتدل يتحقق من خلال مايلي:

1- ان يعمل رجال الدين على إعادة هيبة وقدسية الدين في نفوس الناس من خلال ابعاد الدين وعدم اقحامه بالشأن السياسي، وان ينصب اهتمامهم على الجانب الديني والاجتماعي.

2- على رجال الدين العمل على بث الوعي الديني الذي يرتقي بروح الانسان عن طريق تقوية الايمان الذي يسمو بالنفس ويذكرها بالحساب والجزاء.

3- العمل على الرصد والتشخيص المبكر للفكر المتطرف في المساجد وأماكن العبادة، وتقديم النصح المناسب للخطيب او المتحدث او الداعية للفكر المتطرف، وفي حالة فشل هذا أسلوب النصح والإرشاد, يتم إحالة من يحمل أفكار متطرفة الى مؤسسات اجتماعية او نفسية ليتلقى فيها الدعم النفسي والاجتماعي الذي يساعده في تجاوز رؤى التطرف.

4- الاختيار الصحيح للخطباء وائمة المساجد من قبل المسؤولين عن الاوقاف، وان تلتزم خطب هؤلاء الائمة باستنكار التطرف في كل صوره واشكاله بوصفه لا يتفق مع القيم الدينية.

5- التشجيع على الحوار بين أطراف المجتمع المحلي، وذلك يكون من خلال عقد اللقاءات والأنشطة المختلفة برعاية رجال الدين ممن يتمتعون بسمعة ومكانة طيبة في مناطقهم، اذ ان هذه اللقاءات من شأنها تقليل الاحتقان الذي يعد السبب الأساس للتطرف.

6- تضمين المناهج الدراسية في المدارس والجامعات التعريف بالأديان والمذاهب الأخرى، واجراء مراجعة للمناهج المقررة لتخليصها من كل الآراء المتطرفة او التي تدعوا الى تكفير الاخر او تخطئته او تدعو الى محاربته.

7- تقديم فهما جديدا لثوابت الدين وفروعه بما ينسجم والحاجات المتجددة للبشر، وبما يضمن نشر الخير بشكل أفضل وميسر وسهل من خلال الالتزام بمبادئ الدين والشريعة ودعوة الناس لذلك.

8- أن يكون الخطاب الديني إيجابياً في كل مناحي الحياة وينفع جميع الناس من خلال تحقيق التنمية المستدامة، والعدالة الاجتماعية، والقضاء على البطالة، والاهتمام بالبيئة والمحافظة عليها . 

 

      أ.د. هادي مشعان ربيع

 

عميد كلية القانون والعلوم السياسية