مقالة علمية

مقالة علمية

  نشر ا.م.د معتز علي صبار التدريسي في كلية القانون و العلوم السياسية مقالا علميا بعنوان (( أثر البطالة التكنولوجية على الإيرادات الحكومية الضريبية)) حيث تطرق فيه .....

هناك مقولة للاقتصاد العالمي جون مينارد كينز في عام 1930 "أننا مصابون بمرض جديد ربما لم يسمع بعض القراء باسمه، ولكنهم سيسمعون عنه الكثير في السنوات القادمة- الا وهو البطالة التكنولوجية"

 يعتبر كل جيل أن التقدم التكنولوجي الذي يحققه يأتي على حساب الأيدي العاملة من الأفراد موظفين أو أجراء لأنها تحل محل الايدي العاملة البشرية، ومع ذلك فقد اظهر التاريخ أن التكنولوجية تتسبب في زيادة كبيرة في الطلب؟

 والتسبب في طفرة في تشغيل العمال كما ان الدروس المستفادة من الثورة الصناعية لاسيما في أوروبا وأمريكا الشمالية من الممكن ان تساعد في تبديد اي مخاوف من ارتفاع نسب البطالة الجماعية.

ويمكن تعريف البطالة التكنولوجية بإنها ظاهرة يحل فيها التقدم التكنولوجي والتقني محل الوظائف البشرية التي يمارسها الافراد مثل الأتمتة والذكاء الاصطناعي والتكنولوجية الرقمية، بل اصبحت الروبوتات اليوم محامين ومصرفيين وأخصائيين اجتماعيين وممرضات وحتى فنانين.

 ان مفهوم البطالة التكنولوجية أصبح ذا أهمية متزايدة مع التطورات التقنية الجديدة والمتسارعة في عالمنا، مما يؤدي الى ازاحة عدد كبير من الأيدي العاملة في مختلف القطاعات الإنتاجية التابعة للقطاع العام او القطاع الخاص.

 الامر الذي من شأنه ان يؤدي الى زيادة معدلات البطالة، لا سيما في بعض الاقتصاديات التي تعاني أصلا من معدلات بطالة مرتفعة مسبقا ولأسباب عديدة ومنها الدول النامية والتي يعد العراق في الوقت الحاضر في طليعة هذه الدول، لذلك يواجه الاقتصاد الحديث تحديا معقدا ذو بعدين متناقضين، فرغم ان التكنولوجية تمثل أنتاج أنساني متطور قادر على تبسيط العمليات وفتح أفاق وسبل جديدة للأبداع والابتكار، ألا أنها من جانب أخر تثير المخاوف بشأن مستقبل عدد كبير من الايدي العاملة بمختلف مستوى مهاراتهم.

 أن فهم البطالة التكنولوجية يعد أمرا مهما لأسباب عدة فهو يساعد صناع السياسات، ومنها السياسات المالية والضريبية على تطوير استراتيجيات للتخفيف من إشكالية فقدان بعض الافراد لوظائفهم أضافة الى دعم الشركات وقطاع الانتاج في التكيف مع متطلبات العمل المتطورة.

 أن هذا الفهم للبطالة التكنولوجية ضروري لأسباب اقتصادية مع ضرورة الحفاظ على نهج متوازن للتقدم التكنولوجي وتنميه قوى العمل، كما أن أثر التطور التكنولوجي تمثل في قيام بعض وحدات وقطاعات الانتاج لا سيما المصانع الكبيرة في أستبدال العمالة البشرية بالآت -روبوتات- للقيام بالمهام المتكررة التي كانت تتطلب جهدا جسديا، وهذا التحول سرعان ما أنتقل الى قطاعات أخرى مثل الاتصالات السلكية واللاسلكية والخدمات وقطاع المصارف وتجارة التجزئة.

 حيث أصبحت هذه العمليات محوسبة ومؤتمته بشكل متزايد، لذلك يتضح لنا أن أثر استبدال الذكاء الاصطناعي بالتوظيف البشري يعني أنخفاضا خطيرا في الايرادات الحكومية الضريبية، لأن القاعدة التقليدية للضريبة-وعاء الضريبة- لا سيما ضريبة الدخل تتمثل بالدخل الذي يمثل عائدا للعمل أي دخول العمال والموظفين، لذلك اصبحت الحكومات الان تشعر بقلق شديد بشأن احتمال تقلص ايراداتها الضريبية -ضريبة الدخل- بسبب حلول الذكاء الاصطناعي محل العمل. خصوصا وأن العائدات الضريبية تأتي من ضرائب العمل ففي الاتحاد الأوروبي مثلا تمثل 53% من عائدات الضرائب.

 ومن عجيب المفارقات أن أوائل من تبنوا الذكاء الاصطناعي هم سلطات الضرائب نفسها -الأتمتة الضريبية- التي تسعى من خلالها الى مكافحة التهرب الضريبي.

 والسؤال الذي يطرح هنا، ما هو الحل لمواجهة هذه الإشكالية؟ وهل يصلح فرض الضرائب على الذكاء الاصطناعي هذه الفجوة الضريبية في الايرادات الحكومية؟

 ان الحلول لابد أن تدرس الأن حتى في بلدنا العراق لأننا لسنا في معزل عن التطورات التكنولوجية والتقنية المتسارعة، لأنه إذا تقلصت أو أذا اختفت أماكن العمل الجماعية للبشر في المستقبل فأنه من الممكن أن يحدث تأثير سلبي مزدوج من المنظور الضريبي، فمن ناحية ستفقد الحكومة عائدات كبيرة من الايرادات الضريبية، ومن ناحية أخرى ستزداد الحاجة الى ايرادات إضافية لدعم العدد المتزايد من العمال العاطلين عن العمل- التي تتمثل بالنفقات التي تخصصها الحكومة للحماية الاجتماعية.

وعودا على بدء للإجابة على التساؤل السابق حول أمكانية فرض الضريبة على الذكاء الاصطناعي لسد الفجوة الضريبية، بدأت دراسات مختلفة في التركيز على الوضع القانوني لألات الذكاء الاصطناعي، وفيما إذا كان بالإمكان منحها شخصية قانونية اعتبارية لغرض المعاملة الضريبية حصرا.

 وخلصت التحليلات الى أن فرض الضرائب على أستخدام الذكاء الاصطناعي في القطاعات الإنتاجية سيكون منطقيا كحل محتمل لمواجهة أثر الذكاء الاصطناعي في خلق ما يعرف بالبطالة التكنولوجية، بل نعتقد أن منح آلات الذكاء الاصطناعي الشخصية الاعتبارية ربما سيؤدي الى ظهور قدرة دفع الكترونية، وهو ما ينبغي الاعتراف به للأغراض الضريبية، ويعد ذلك أثرا إيجابيا في مجال المعاملة الضريبية

 

نهاية المطاف نرى بضرورة إضفاء الشخصية القانونية المتمثلة بأشكال جديدة من الشخصية القانونية الاعتبارية لألات الذكاء الاصطناعي في حدود المعاملة الضريبية حصرا، لتمكين السلطات الضريبية من فرض وتحصيل الضريبة على نشاطها لضمان تدفق الإيرادات الضريبية لخزينة الدولة العامة