كسر الحظر الإلكتروني المفروض على الإجراءات القضائية في القانون العراقي
وما بين عين ترنو لتلك المكاسب التي تحققها حوسبة الإجراءات القضائية وأخرى تتوجس من تهديدها الفعلي للعدالة القضائية ظلت التشريعات والمحاكم مترددة بين السماح بحوسبة الإجراءات القضائية وبين حظرها، أو رفع الحظر الإلكتروني عنها جزئيا بضمانات فنية وقانونية تحول دون هدر العدالة القضائية. وكان القانون العراقي الخاص بالتوقيع الإلكتروني والمعاملات الإلكترونية رقم (78) لسنة 2012 من بين التشريعات التي حظرت حوسبة الإجراءات القضائية ومنعت بشكل مطلق تمرير إي إجراء قضائي بوسيلة إلكترونية حيث نصت المادة (3/ثانيا-هـ) منه على عدم سريان هذا القانون على إجراءات المحاكم والإعلانات القضائية والإعلانات بالحضور وأوامر التفتيش وأوامر القبض والأحكام القضائية. وبالتالي أجهض هذا القانون أي مشروع يطرح للتقاضي الإلكتروني عن بعد الذي أصبح سمة من سمات تطور العمل القضائي في عالمنا المعاصر.
وفي الوقت الذي نقر فيه بعدم إمكانية تبديد المخاوف المتحصلة من حوسبة الإجراءات القضائية بشكل نهائي؛ إلا أنه وفي ظل القانون العراقي يمكن تحقيق بعض المتطلبات الفنية والقانونية التي تخفف من حدة هذه المخاطر وتسمح برفع الحظر ولو جزئيًا عن حوسبة الإجراءات القضائية. لذا نقترح على المشرع العراقي كسر الجمود الذي فرضه على الإجراءات القضائية عندما أخرجها من نطاق التعامل الالكتروني، وذلك يتطلب رفع الحظر عن التعامل الإلكتروني في إجراءات المحاكم الوارد في المادة (3) من قانون التوقيع الالكتروني والمعاملات الالكترونية رقم (78) لسنة 2012. ويتحقق ذلك بإلغاء هذه المادة والسماح باستخدام الوسائل الإلكترونية في الإجراءات القضائية للدعاوى المدنية والتجارية وبعض الإجراءات القضائية للدعاوى الجزائية. وهذا التوجه يستلزم القيام بجملة من الخطوات أهمها بناء نظام تقني في المحاكم العراقية مجهز بمعدات ووسائل إلكترونية مزودة ببرامج متطورة وشبكة أنترنت فاعلة وآمنة. وضع نصوص قانونية سواء ضمن قوانين أصول المرافعات المدنية أو الجزائية، أو ضمن قانون المعاملات الإلكترونية، أو ضمن قانون خاص بعصرنة النظام القضائي تحدد نطاق الحوسبة الإلكترونية للإجراءات القضائية بحيث يتم السماح بحوسبة جميع إجراءات الدعاوى المدنية والتجارية، والسماح بحوسبة جزئية تَدرّجية لبعض إجراءات الدعاوى الجزائية حسب خطورة هذه الإجراءات، إضافة إلى اشتراط قبول المدعى عليهم بهذه الحوسبة ومنح القضاة والمدعين العامين سلطة في تقدير ظروف كل قضية على حدة في كونها تقبل الحوسبة من عدمه. فضلًا عن وضع نصوص في قانون المعلوماتية توفر حماية لحوسبة الإجراءات القضائية من الانتهاك المتمثل بالاختراق وإفشاء السرية وسرقة البيانات أو تحريفها إلكترونيًا.