المواطنة الرقميّة والأمن الرقمي: نحو ترسيخ الثقافة الرقمية

المواطنة الرقميّة والأمن الرقمي: نحو ترسيخ الثقافة الرقمية

     إنّ المفاهيم لا تولد من فراغ ولا تولد في فراغ, بل إنّها تظهر في سياقٍ يُعطيها دلالاتها الغائية عند مُنتجيها ومستخدميها, وهذا ينطبق على مفهوم المواطنة التي تعود دلالاتها الى فكرة (المواطن الصالح) التي طُرحت في إطار الفكر السياسي اليوناني القديم, ثم تطوّر مفهوم المواطنة, كما تطوّرت دلالاتها, وصار الحديث عن (المواطنة المدنيّة, والمواطنة الاجتماعيّة, والمواطنة السياسيّة), كما طُرحت أيضًا فكرة (المواطنة العالميّة) التي تعود جذورها الى الفكر الروماني, والتي تُعبّر عن ثقافة الانفتاح الفكري, والالتزام بالعدالة الاجتماعيّة والكرامة الانسانية وصولاً الى انشاء جيل متمكّن يُساهم في قضايا وتحدّيات العالم, وبتصاعد الازمات البيئية, تطوّر مفهوم (المواطنة البيئية )القائمة على ركائز (التربية البيئية, والوعي البيئي, والثقافية البيئية), وبتطور العالم الافتراضي وتقنيات الاتصالات, ظهر مفهوم (المواطنة الرقمية). والملاحظ هنا أنّ علاقة المفاهيم بالواقع ليست علاقة جامدة منفصلة, بل هي علاقة تأثرية إنتاجية, وهذا بدوره يعود الى انّ الفكر عمومًا وإن كان تأملاً عقليًا؛ فإنّه ليس فكرًا قائم بذاتهِ ولذاتهِ بل هو تأملات متصلة بالواقع وتعكس . وبالعودة الى (المواطنة الرقمية) فما هي دلالات هذا المفهوم وما هي أهم خصائصه؟

 

    يُشير مفهوم المواطنة الرقميّة على إنّها (التعامل الذكي مع التكنولوجيا) أي التوجيه نحو منافع التقنية والحماية من الاخطار الناجمة عنها, فالمواطنة الرقمية من بين ما تعنيه أيضًا "الوعي الكامل بالعالم الرقمي والممارسة الفعالة والمناسبة للعالم الرقمي وإتباع القواعد والسلوكيّات الاخلاقيّة والقانونيّة. وبذلك فإنّ المواطنة الرقمية تقوم على ركنين هما: الأول: التوعية: وتقوم على فكرة نشر الوعي بالعالم الرقمي بين جميع شرائح المجتمع. الثاني: الأمان: من خلال رفع مستوى الأمان بين مستخدمي العالم الرقمي. ولهذا ظهرت مفاهيم جديدة من قبيل:

 

 

*الأمن الرقمي: تقوم فكرة الأمن الرقمي على ضرورة تعليم الافراد كيفية حماية بياناتهم الإلكترونية عن طريق استخدام برامج الحماية من الفيروسات، وأنظمة الحماية الرقمية وكذلك عدم تزويد بيانات شخصية لأي شخص على الشبكة الإلكترونية وهذا بدوره يحميهم من مشكلات سرقة الهوية، والاحتيال، والتحرش, والابتزاز, وغيرها من المشكلات الآخذة بالتزايد والتي باتت تُشكّل تهديدًا حقيقيًا للمجتمع .

*الثقافة الرقمية: بالرغم من الجهود المبذولة في نشر التكنولوجيا بشكل عام، إلا أنه في أغلب الأحيان يكون التركيز عند التدريس على تعليم التكنولوجيا بحد ذاتها، وليس كيفية استخدامها بشكل ملائم. ومن أهم قضايا الثقافة الرقمية تعلم الأساسيات الرقمية، تقييم المصادر الإلكترونية ومدى دقة وصدق محتواها، وكذلك كشف وتطوير أنماط التعلم على الشبكة الإلكترونية والتعلم عن بعد, وصولاً الى انتاج المواطن الواعي والمدرك لإيجابيات العالم الرقمي ليستثمرها ويوظفها لصالحه, والمدرك لمخاطر هذا العالم ليتجنبها.

    والحق إن نشر ثقافة المواطنة الرقمية أصبح ضرورة مُلّحة نتيجة تزايد مستخدمي التقنية يوماً بعد يوم، فأصبحت التقنية من الأولويات كما تحولت حياتنا إلى حياة رقمية. وبسبب هذا التحول الرقمي في كافة ميادين الحياة تزداد الحاجة لتعزيز المواطنة الرقمية سواء كانت للمواطنين أو المهاجرين الرقميين في ظل انتشار سلوكيّات غير ملائمة كالجرائم الإلكترونية بمختلف أنواعها مثل: انتشار المواقع الإباحية، جرائم التهديد والتحرش والابتزاز الإلكتروني، والتشهير الإلكتروني و يشمل السب والشتم, انتحال الشخصية، الاحتيال المالي، اختراق المواقع وسرقة البيانات، التطرف والإرهاب، الاستغلال الجنسي للقاصرين.

    فالعالم اليوم يُحمل على كف شاشة, وهذا ربما يدفع الى ضرورة إعادة صياغة للكثير من المفاهيم التقليدية وإعطائها أبعادًا جديدة تستجيب للواقع الجديد وتحتويه, وتضبط ايقاعه, وتحدد المخاطر الواجب تجنبها, وصولا الى تحقيق الاستخدام الذكي والافضل للتكنولوجيا, وتحقيق المجتمع الآمن والمستقر.

 

 

 

                                              م.م احمد كريم صالح