الامن الغذائي العربي الحلقة الأضعف في الحرب الروسية الأوكرانية

         لكن الحرب الروسية الأوكرانية ومما لا شك فيه قد القت بظلالها على معظم الدول ان لم يكن جميعها، الا ان الدول العربية باتت الحلقة الأضعف فيها، بما يخص الامن الغذائي، حيث كشفت لنا الحرب الروسية الأوكرانية هشاشة الامن الغذائي العربي لاعتماد الكثير من الدول العربية على الواردات الروسية والاوكرانية من الخماسي الغذائي الاساسي عالمياً: كالحبوب (القمح، الشعير، والذرة) واللحوم، والالبان، والسكر، والزيوت النباتية.

           ان حالة العجز لواقع الامن الغذائي العربي وضعف الإنتاج المحلي من المواد الغذائية الأساسية الذي لا يكفي لسد حجم الاستهلاك العربي دفع بها إلى الاستيراد لتغطية النقص الموجود مقارنة بحجم الاستهلاك عليها، ويبدو ذلك واضحاً من خلال زيادة قيمة الواردات العربية، فمشكلة العجز الغذائي في الوطن العربي تكشف حالة التجزئة  وانعدام التخطيط الاستراتيجي الإنمائي التكاملي على المستوى الوطني خاصة في الميدان الزراعي وسوء الاستغلال الكامل لما هو متاح من موارد طبيعية وبشرية ومالية أدى ذلك إلى ضعف الكفاءة الإنتاجية لهذه الموارد وإلى زيادة الفجوة الغذائية في معظم الدول العربية.

       وتشير الاحصائيات الأخيرة الى ان دول الخليج وحدها تستورد ما بين 80? إلى 90? من احتياجاتها الغذائية، بالإضافة إلى دول مثل مصر والجزائر والمغرب والعراق واليمن والسعودية والسودان وتونس....الخ، تعتمد على استيراد القمح الروسي والاوكراني اعتماداً كلياً، وبحسب التقارير تأتي مصر على راس القائمة كأكبر مستورد للقمح في العالم بنسبة 70? من احتياجات البلاد من القمحين الروسي والأوكراني  بما يصل إلى 13 مليون طن سنوياً. بينما جاءت تونس اخراً بحجم واردات بلغت 1.3 مليون طن، مما يعني ان الدول العربية وحدها مجتمعةً تستورد نحو 40.2 مليون طن من القمح وهو ما يمثل 25% من واردات القمح العالمية، وهذه الأرقام تعكس حجم الاعتماد العربي على غيرها للحصول على القمح.

ان استمرار الحرب في أوكرانيا بعد الاجتياح الروسي يفاقم الوضع المعيشي للبلدان العربية وخاصة إذا امتدت هذه الحرب فترة طويلة، فالهجوم الروسي على أوكرانيا يردف قائمة تحديات المنطقة العربية بأخرى جديدة واهمها:

1- تهديد مناشئ القمح التي تعتمد عليها في تامين احتياجاتها.

2- زيادة أسعار المواد الأساسية الى مستويات غير مسبوقة تضيف اعباءً جديدة إلى ميزانيتها المنكشفة على تقلبات الأسواق العالمية، وبحسب مؤشر منظمة الأغذية والزراعة الدولية (الفاو) ان اسعار الغذاء سجلت ارتفاعاً بنسبة لا تقل عن 20? بالنسبة للحبوب، و7? بالنسبة للحوم والسكر، وبنسبة لا تقل عن 23? بالنسبة للألبان.

3- تشكل حجم الامدادات الروسية الأوكرانية من القمح ما نسبته 30? من امدادات القمح العالمية، حيث تحتل روسيا المركز الأول عالمياً تليها أوكرانيا بالمركز الرابع مما يعني ان هذه الحرب اثرت على امدادات الغذاء الروسية الأوكرانية نتيجة لتدمير البنى الزراعية الأوكرانية والعقوبات الاقتصادية على روسيا والتضييق تدريجياً على صادراتها الغذائية وبالتالي فقدان الدول العربية لهذه الامدادات.

4- رسمياً تتجه أوكرانيا لوقف صادرات الغذاء خشية من ازمة غذائية تلوح بالأفق الاوكراني مما يعني فقدان العالم لإمداداتها الغذائية. 

5- العقوبات الاقتصادية على روسيا تزيد من مخاوف الدول العربية بعدم امكانيتها من الاستمرار بالاعتماد على الواردات الغذائية من روسيا خشية من العقوبات او من ضغوطاً غربيةً وامريكيةً.

6- صعوبة إيجاد البدائل للإمدادات الروسية والأوكرانية في الوقت الحالي لأسباب تتعلق بالظروف الطبيعية او لأسباب فنية تتعلق بالعقود المبرمة، وحتى لو توفرت البدائل فان الامر سيحتاج إلى البدء بمفاوضات مع دول أخرى على عقود جديدة لتوريد القمح وبالتأكيد انها ستكون بأسعار مرتفعة.

          ان تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية تلخص اعتماد الدول العربية على غيرها في تأمين ابسط مقومات معيشتها لذا فان عليها ان تدفع ثمن هذا الارتهان لأنها خضعت لعقود طويلة لسياسة استيرادها وفشلت في التمييز ما بين فكرة الاعتماد على الذات في جزء من القضايا الحساسة وفكرة الاعتماد المتبادل، فالاعتماد على غيرها من الدول في تأمين المواد الغذائية الأساسية هو امر لا يمكن النظر له من زاوية الاعتماد المتبادل بقدر ما هو هشاشة سياسية مطلقة، لذا فان فقدان الموارد الأساسية وارتفاع أسعارها في بعض الدول العربية قد تنذر بموجة احتجاجات جديدة على الساحة العربية.

 

وختاماً يستلزم على الدول العربية ان تفكر ملياً في ايجاد بدائل للحبوب الروسية والاوكرانية، وبما لايؤثر على الواقع المعيشي لديها، وان تفعّل القطاع الزراعي ليسهم في تقليل الاعتمادية على الخارج.   

          

م.م. ساهر مخلف حبيب

كلية القانون والعلوم السياسية/ قسم العلوم السياسية