تطور العلاقة بين دولة مجلس التعاون والاتحاد الاوربي

تطور العلاقة بين دولة مجلس التعاون والاتحاد الاوربي

 مما لا شك فيه أن عالمنا اليوم هو عالم مرتبط ومتداخل , بحيث باتت الوحدات السياسية الأساسية المكونة ذات علاقات متشابكة وعلى جميع الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية والفكرية وكذلك جوانبها الاجتماعية والثقافية حتى أصبحت تكمل احدهما الأخرى بحيث لا يمكن لأي دولة أن تكون بمعزل عن هذا التشابك , وعلى هذا الأساس ووقائعه المنظورة تطورات العلاقات بين الوحدات السياسية في النظام الدولي , القائم على الاعتماد المتبادل كونه قائم على مجموعة من القضايا والأبعاد التي تحدد قوة هذه العلاقة أو ضعفها من خلال مواقفها المشتركة سواء أن كانت توافقية أو متضادة .

لذلك ظلت العلاقة بين الاتحاد الأوربي ودول مجلس التعاون الخليجي تقوم على النمط اثنائي , فهو أمر باعدت في بروزه عوامل عديدة ابتداءً من عهود الاستعمار الأوربي في منطقة الخليج والتي استمرت إلى منتصف القرن العشرين , الأمر الذي جعل من تلك العلاقة تأخذ شكل التعاون أحيانًا , وشكل الصراع أحيانًا أخرى , فعلى جانب الأبعاد السياسية أخذت بعض المواقف المشتركة بين الاتحاد الأوربي ودول مجلس التعاون الخليجي , من خلال جملة من العناوين المهمة التي كانت محور التجاذب والتنافر والنقاش بين دول مجلس التعاون . والاتحاد الأوربي وأهم تلك القضايا المشتركة هي القضية الفلسطينية التي أخذت طابع التنافر مع اغلب دول الاتحاد نتيجة المواقف الأوربية التي تميل لصالح ( إسرائيل ) في الغالب , ثم لحقتها تبعات البرنامج النووي الإيراني والذي أخذ طابع التعاون في أغلب الاجتماعات , ومن ثم قضية ما سمَّي بالإرهاب والتي جاءت الرؤى تقريبًا متوافقة حول هذه القضية وما تحملها من تداعيات على جميع الأطراف . فعلى صعيد القوى الإقليمية المتمثلة بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية , شكل هذا الملف تهديدًا مباشر لها , في الوقت نفسه أن هذا الملف كان في اولويات الدول الكبرى ولاسيما الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الأوربي , التي تنظر إليه كأحد الفواعل المهددة لمصالحها ولحلفائها الخليجيين ان التجاوب المستمر والكبير للمطالب الإسرائيلية وأهمها الأمن , اذ ترى أوربا أن الأمن بالنسبة لإسرائيل يمثل أهمية كبرى لها , وقد استغلت إسرائيل ذلك الدعم بشكل مبالغ فيه , على الرغم من انه لا يوجد أي تهديد من جانب الدول العربية , التي أعلنت السلام كخيار استراتيجي من خلال المبادرة السعودية التي رفضتها إسرائيل( لكن الغريب أن دول الاتحاد الأوربي تتغافل عن الاطلالة العربية البحرية الطويلة نحو أوربا والتي تمتد من سوريا إلى المغرب , كأحد اولوياتهم الأمنية , مركزين الأمر بإسرائيل لوحدها , ولعلنا نلمس ذلك الان من خلال التسرب الكبير لأعداد المهاجرين نحو أوربا من هذه السواحل , مع ما يحمله ذلك التسرب من أشكال عنف متعددة .

أولًا : البرنامج النووي الإيراني :

يعد الملف النووي الإيراني اليوم واحدَا من أهم الملفات المثارة في العالم اجمع , ولاسيما أن هذا البرنامج مرتبط بدولة مثل ( إيران ) لها علاقات متوترة مع اغلب القوى الإقليمية والدولية . يعد الحوار السياسي بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وبين الاتحاد الأوربي من أهم الركائز للعلاقات بين الطرفين من خلال مناقشة أهم القضايا السياسية التي تربط مصالح دول مجلس التعاون والاتحاد الأوربي , وتمثل الاهتمام المشترك بينهما وفي ضوء الإطار المؤسسي بين الطرفين , تم بحث أهم القضايا التي شكلت وجهات نظر ورؤى مختلفة ،فضلًا عن ذلك كان للأبعاد الاقتصادية دور مهم في توحيد الجهود نحو بناء شراكة اقتصادية على مستوى الإطار المؤسسي بين الاتحاد الأوربي ودول مجلس التعاون والذي انطلق ونشأ منذ عام 1988 عندما توصلت المجموعة الأوربية ودول مجلس التعاون إلى اتفاقية تعاون ثنائي في بداية عام 1990 , وقد شملت هذه الاتفاقية التعاون في جميع الجوانب الاقتصادية التجارية والزراعية والطاقة والاستثمار والبيئة , ثم تطور الأمر إلى التوصل إلى اتفاق يقضي إلى انشاء منطقة تجارة حرة بين الجانبين ،أما على الجانب العسكري فقد أخذت الدول الأوربية تنشط  منفردة على الجانب العسكري في بداية الأمر , ولاسيما بعد لجوء الدول الخليجية إلى الدخول في علاقات أمنية عسكرية استراتيجية مع عدد من الدول الأوربية الكبرى من خلال الاتفاقيات الثنائية لتضمن أمنها وديمومة تسليحها إزاء اضطراب الأوضاع الأمنية والسياسية في منطقة الخليج جراء أحداث متعددة , كالحرب العراقية – الإيرانية ودخول الجيش العراقي للكويت , فضلًا عن تصاعد التدخل المباشر في الشؤون الداخلية لهذه الدول من مثل أطراف إقليمية ،يعنى كل واحد منها بشأنه في متابعة اشكال التطور القائمة بين الطرفين .في هذه السنة التفاوض مع الولايات المتحدة وفرنسا والمانيا الغربية لبناء مفاعلات للطاقة النووية

ثانيًا : التعاون ما بين دول المجلس والاتحاد الأوربي في مكافحة الإرهاب .

يعد الإرهاب من أكثر المصطلحات شيوعًا في الآونة الأخيرة , ورغم قدم هذا المصطلح إلا أنه وتحت ذرائع ومصالح سياسية , لبَّس ثوبًا جديدًا لغرض استغلاله لخدمة النظام الدولي الجديد , الذي استطاعت من خلاله دولًا عظمى أن تتبنى استراتيجيات متعددة من اجل تحقيق مصالحها وعلى مختلف المستويات .،وعند العودة قليلًا إلى تعريف هذه الظاهرة نجد بأن الفكر السياسي الدولي واجه صعوبات أمام التوصل إلى تعريف محدد  ويعود ذلك إلى مجموعة من الأسباب تتعلق بالظاهرة نفسها والأسباب المنشئة لها والجهات المعنية بها وبإدارتها وتنظيم آليات عملها .لقد حاولت الولايات المتحدة الأمريكية أن توظف هذا المصطلح لتحقيق أهدافها ولاسيما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 , لذلك حاولت ان تجد لها عدوًا أخر نصرف انظارها إليه وتعمل على حربه , وقد هيأت أحداث 11 / ايلول 2001 الفرصة لأن تجد الولايات المتحدة المسوغ القوي لشن الحروب واسعة النطاق لمحاربة ما اسمته بــ ( الإرهاب ) ضمن مفهوم استراتيجي جديد لأمن القومي الأمريكي ولاسيما بعدما أكدت على أن منفذي تلك التفجيرات هم من العرب المسلمين , فكان لابد من تشوبه صورة هذا العدو لتتمكن من انجاز تحالف عالمي للقضاء عليه والجديد في التوصيف الأمريكي للعدو المحتمل جاء استجابة للمتغيرات العميقة التي حصلت في البيئة الدولية بعد عام 1991 , الذي شهد تفكك الاتحاد السوفيتي وانهياره ( كما ذكرنا ) مما استوجب خلق عدو جديد بإمكانه أن يحقق لتحشيد الرأي العام وراء السياسات الأمريكية , ولم يكن ذلك العدو إلا – الإسلام – لاسيما بعدما انبرى صفوة من المفكرين الأمريكيين مثل ( فوكوياما , هانتغتون , فريردمان , ...الخ ) إلى التنظير بما يخدم هذه السياسات ويحقق التأييد لها , وهذا ما حصل حينما نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في الصاق افعال الإرهاب بالدين الإسلامي .التكنولوجيا النووية ورفع الحصار الاقتصادي المفروض عليها منذ أكثر من (25) سنة من قبل الولايات المتحدة بل التأكيد على مركزها الإقليمي في المنطقة هذا التعنت والاصرار لإيران دفع مجموعة الترويكا الأوربية , ان يكون موقفها متوافقًا مع الموقف الأمريكي المتشدد ففي 12/أذار / 2002 أيدت دول الاتحاد موقف الولايات المتحدة بأحالة ملف إيران إلى مجلس الأمن إذا ما استأنفت إيران تخصيب اليورانيوم أو قامت بانتهاك التزاماتها ونعتقد بأن الموقف الأوربي من البرنامج النووي الإيراني يسير وفقًا لما تريدة الولايات المتحدة الأمريكية محققًا بذلك الاثر الفعال للحضور الدولي للاتحاد الأوربي بأهم القضايا من جانب , ومن جانب آخر يمكن أن تستفاد اقتصاديًا من هذه القضية لأن سيناريوهات هذه القضية لم تنتهي لحد الآن لذلك فأن كل الاحتمالات واردة في ظل ادارات أمريكية مختلفة فب التعامل مع البرنامج النووي الإيراني  ولعل ذلك يبدو أكثر وصوحًا في المحادثات الدائرة منذ سنة بين إيران ومجموعة (5+1) والتي انتهى فصلها الأول في اذار 15/2/2015 , دون التوصل لنتيجة نهائية في هذا الأمر , رغم ان المدى الاقصى للوصول لاتفاق نهائي تنتهي في حزيران 2015 , ومع مراقبتنا للوقائع الحاصلة في هذه القضية , نجد أن الأمر شاقًا وصعبًا على جميع الأطراف , فكلاهما يجد أن أي اتفاق نهائي , يجب أن يكون مراعيًا لالتزاماته وتعهداته , وهذا ما لا يمكن تحقيقه بشكل كامل , وهنا ما يدفع هذا الملف لخيارات مفتوحة ولكلا الطرفين , وقد تكون احدهما خيارات عنيفة . وعلى الرغم من أن شكل التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوربي ظل محدودًا لأسباب عديدة يقف في مقدمتها التدخل في الشؤون الداخلية والانظمة الاجتماعية لدول مجلس التعاون , في إطار حرص الاتحاد الأوربي على احترام سيادة الدول الخليجية , مدركة أن أي تدخل سوف يؤدي إلى نشوب توتر في العلاقات ما بين الطرفين الأمر الذي لا تريده دول الاتحاد الأوربي خوفًا على مصالحهاونعتقد بأن احد الأسباب الرئيسية لعدم وجود تعاون واضح وبشكل كبير وعلى أعلى المستويات بين دول المجلس والاتحاد الأوربي حول الإرهاب هو وجود الفاعل الأمريكي الذي يحاول ان يحدد ذلك التعاون وفقًا لمصالحه وما يخدم استراتيجياته في المنطقة , ثم أن عدم تحديد تعريف واضح للإرهاب من قبل المجتمع الدولي كان سببًا أخر في تأخر هذا التعاون أذ ان هناك مجموعة من الأطراف المقاومة يصنفها الاتحاد الأوربي بأنها جماعات متطرفة , وكذلك هناك منظمات إنسانية أو خيرية في دول الخليج تعدها الدول الأوربية مصدرًا للتمويل للعمليات الإرهابية فلا يمكن لتلك الدول أن تتفق على هذه النقاط الخلافية لذلك شكلت أهم العقبات امام هذا التعاون . ونجد أن لكلا الطرفين الحق في التباين في المواقف , لأن شكل المقاومة لا يمكن اعتباره إرهابًا , لاسيما وأن وقائع الأحداث الموجهة بالضد من المقاومين عنيفة وقاسية وتفتقر للحس الإنساني .

 

د. سلام داود غزيل

قسم علوم السياسية