نحو نظام متعدد القطبية

نحو نظام متعدد القطبية

  من المعروف والمؤكد  تاريخيا ان التفرد بالعالم يترك لدى الدول الاخرى عدم رضى بل وتسعى تلك الدول الى الوقوف امام الدولة المتفردة متى ما استطاعت من مسك اسباب التصدي . والدولة التي تتصدر العالم قطعا لن تحظى بالتأييد المطلق من قبل المجموعة الدولية بمعنى انها لن تتمتع بالصدارة الهادئة للعالم ،  ومن المؤكد ايضا ان دول العالم تلوذ بالصمت  ازاء تلك الدولة ، لكن قطعا لن تكون موافقة بإدارتها وقد يكون صمتها على مضض او تعد العدة للدخول الى العالم التعددية بصفة شريك وربما هذا الشريك يتخذ اكثر من صورة او هيئة فقد تكون دولة واحدة او مجموعة من الدول او مجموعة من التكتلات او المنظمات .

 

 لا شك ان البقاء على موقع الصدارة في العالم يحتاج للكثير لمتطلبات البقاء والاستمرار دون منازع ، ومما شك فيه ايضا ان الولايات المتحدة تتصدر العالم بعد ان انتهت الحرب الباردة وانحسار دور المعسكر الشرقي ، لذا فأمام الولايات المتحدة ثمة تحديات تواجهها ان كانت هذه التحديات داخلية او خارجية ، من شانها ان  تعمل على تقويض ما سعت اليه خلال عقود من السنين . والولايات المتحدة تدرك جيدا ان التفرد وان طال امده لن يكن ابديا ، وهي تعمل بشكل دؤوب من خلال العديد من الاجراءات الى ابقاء تمسكها الصدارة ، ورغم ما تعمل فان مفكريها وخبرائها الاستراتيجيين  ذهبوا بالقول الى ان التفرد لن يدوم طويلا ، وقد تنبؤا بان الصين ستشكل القطبية الثانئية بحلول عام 2025 حيث ستظهر دولة مكتملة من حيث اقتصادها او صناعاتها او قوتها العسكرية . بالمقابل فان الولايات المتحدة تدرك ان الدول تسعى بكل الوسائل لمسك اسباب التصدي لهذا نجد ان الولايات المتحدة تحاول ان تكبل و تتحوط للدول التي تعتقد انها الاكثر ( تحديا ) من خلال الاحلاف والتكتلات تلك الاحلاف تضعف الجهات المتحدية وتفقد منها اسباب التصدي ، فلا غرابة نجد ان الولايات المتحدة عضوا في معظم الاحلاف والتكتلات في العالم .

في هذه المرحلة يوجد العديد من الجهات ان كانت دولة بعينها او تكتل او مجموعة تحاول ان تدخل كشريك وتعيد تعدد القطبية من جديد وليس ثنائية القطبية وحسب بل تسعى الى تعدد القطبية . ونعتقد ان الصين اكثر الدول تأهيلا للعب دور الشريك وتعيد العالم الى متعدد القطبية، 

فالصين هذا البلد الذي يملك من مقومات البروز كند قوي للولايات المتحدة ، حيث يتعاظم اقتصادها بشكل كبير، وتشير الاحصاءات ان الصين  خلال العقدين الاخيرين قد خطى خطوات كبيرة في تنشئة اقتصاده ، حيث يزيد معدل النمو السنوي اضعاف ما يؤشر في الولايات المتحدة كما تملك اكبر جيش بالعالم ذو تنظيم عال مع جغرافية وطبيعة تغني عن الاخرين وموقع جو سياسي وكتلة بشرية هي الاكبر بالعالم . بالإضافة الى قدرتها على الانفاق العسكري حيث سجلت ثان اكبر دولة من حيث الانفاق الى الجانب ذلك لديها الرغبة بمشاركة بادارة العالم او تزعمه . واليوم من الملاحظ ان الصين تمنح دورا كبيرا للامم المتحدة من خلال دعم توجهات المنظمة الدولية ومنحها المزيد  من الدور والنأي بقدر الامكان عن الارادة الامريكية . كما ان الصين تحرص كثيرا على اقامة الاحلاف والتكتلات التي تعتقد انها تمنحها قوة ومنعة وريادة في قيادة المنطقة او العالم باسره . كما لا يهمل التحالف الروسي الصيني حيث تظهر ملامح هذا التحالف من خلال اظهار قوة هاتين الدولتين عبر المناورات العسكرية والتبادل في مجال التسليح والتصنيع .  والصين استطاعت ان تكون بلد الاستثمارات حيث تعتبر من اكبر الدول   جذبا للمستثمرين كما يوجد في هذا البلد اكبر احتياطي نقدي . بذات الوقت  فان الصين ورغم ما استعرضنا من امكانيات الا انها تعاني من العديد من التحديات على الصعيد الداخلي والخارجي ، تلك التحديات قد تقف عقبة امام تطلعها نحو تحقيق هدفها ، فالصين  مثقلة بالدين تقدر ديونها بحوالي 25 تريليون دولار اضافة الى وجود نزعات انفصالية وبخاصة التبت مع مشكلة الانفجار السكاني ووجود دول اقليمية لا تقل عنها قوة تنافسها على المستوى الاقليمي وتعيق مساعيها نحو العالمية بل وتقف تلك الدول موقف صارم بوجه رغبة الصين مثل الهند واليابان .

كذلك روسيا . هذا البلد الوريث الاكبر للاتحاد السوفيتي حيث لازال يملك مخزون السلاح النووي وقدرات كبيرة في صناعة السلاح وتسويقه الى جانب ما يملك من مقومات اقتصادية . لكن نعتقد ان المستقبل المنظور لا يسع لهذه الدولة ان تعود لماضي مورثها، فلديها من المشاكل ما يحول دون ظهورها بالموقف الند القوي . رغم امتلاكها السلاح لا يمكن لروسيا ان  تتحدى به .

اضافة الى ما سبق توجد المجموعة الاوربية اذ لا زالت العديد من دول المجموعة تنظر الى الولايات المتحدة بانها الاب الروحي لها وانها لا يمكن ان تبتعد عنها حفاظا على مصالحا وديمومتها ولا زالت دول المجموعة الاوربية لا تقف بمسافة واحدة ازاء الولايات المتحدة وبالتالي فلن نجد في المستقبل القريب والمتوسط بوادر القطبية رغم ما تملك من مقومات الا انها لا توازي الولايات المتحدة .

ان الاحداث الاخيرة الجارية بين روسيا واوكرانيا كشفت بشكل واضح ان العالم يسير وفق نظام احادي القطبية ـ فقد اصطف العالم باتجاه واحد ، واثبتت هذه الحرب ان العالم منح جرعات اضافية لديمومه هذا نظام ، وما اصاب هذا النظام من ترهل في السنوات الماضية ولا سيما العلاقة بين الأوربيين والولايات المتحدة فقد اتضح ان الاوربيين حريصين على اعادة الحياة الى عالم احداي القطبية .

 سؤالنا هو اذا كانت الحرب الباردة هي حرب فكرية اقتصادية بمعنى ان نهاية الحرب هو انتصار للفكر الرأسمالي على الاشتراكي فهل لنا ان نجد فكرا مخالفا للفكر المنتصر حتى يتسنى لنا ايجاد سببا للتنافس او للتصدي . اذا ما علمنا ان اغلب الدول التي استعرضنا مقومات قوتها تحولت الى الفكر الرأسمالي بذات الوقت تتمسك من حيث ادارة بلدانها الداخلية بنظم اشتراكية اي نجد ان هذه الدول من مؤيدي الفكر المنتصر فكيف ستنافس هذه الدول صاحبة الفكر المنتصر . لذا لا نعتقد بعودة الثنائية القطبية بمعناها الفكري او القومي بل ربما سنجد ثنائية او ثلاثية ( مكانية ) او اقليمية  متحركة بقدر تجمع وتحرك راس المال .

الدكتور مازن سهمي نصار 

قسم العلوم السياسية 

كلية القانون و العلوم السياسية