لجان تفتيش العمل: بين مطرقة القانون وسندان حاجة الأطفال للعمل

لجان تفتيش العمل: بين مطرقة القانون وسندان حاجة الأطفال للعمل

 تنتشر أعداد كبيرة من الأطفال الذين يعملون في الأسواق التجارية و المشاريع المختلفة في المحافظات العراقية على الرغم من انهم ممنوعون من العمل بموجب القانون. وقد وضع المشرع العراقي على عاتق لجان تفيش العمل مهام منع عمالة الأطفال ومراقبة المخالفين من أصحاب العمل ولكن على ارض الواقع توجد الكثير من الاعتبارات الاجتماعية التي تعيق عمل هذه اللجان وتحول دون تحقيق غاية المشرع في حماية الطفل.  

لقد حظيت حقوق الأطفال وضمان حمايتها باهتمام قوانين العمل من ضمنها قانون العمل العراقي رقم (37) لسنة 2015، إيماناً من المشرع بصغر سنهم وضعف تكوينهم الجسماني الذي ينعكس على قلة قدرتهم وخبرتهم في مجال العمل، وسعياً للمحافظة إلى هذه الفئة التي تعد لبنة بناء مستقبل البلد والوسيلة الفعالة لاستمراره وتطوره. لهذا خصص المشرع عند وضعه القواعد القانونية المنظمة للعلاقات العمالية ما يضمن ذلك، إذ قام بتحديد السن القانوني للعمل في داخل العراق ببلوغ الخامسة عشر من العمر وذلك وفق ما نصت عليه المادة (7) من قانون العمل العراقي رقم (37) لسنة 2015 على أن "الحد الأدنى لسن العمل في جمهورية العراق هو (15) خمسة عشر عام". بهذا استبعد المشرع العراقي الأطفال من ممارسة العمل نهائياً، فبعد أن تولى تحديد مفهومهم وفق المادة (1/حادي وعشرون) التي نصت على أن "الطفل: أي شخص لم يتم (15) الخامسة عشر من العمر"، وضع جزاءً قانونياً على كل من يقوم بتشغيل الطفل مخالفاً بذلك نصوص القانون بالحبس أو الغرامة أو أحداهما، فقد نصت المادة (11/ثانياً) على أن "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة اشهر وبغرامة لا تزيد على مليون دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من خالف أحكام المواد الواردة في هذا الفصل والمتعلقة بتشغيل الأطفال والتمييز والعمل القسري والتحرش الجنسي وفق كل حالة". كما حدد قانون العمل رقم (37) لسنة 2015 مفهوم الحدث العامل في المادة (1/عشرون) "العامل الحدث: لأغراض هذا القانون، كل شخص ذكراً كان أم أنثى بلغ (15) الخامسة عشرة من العمر ولم يتم (18) الثامنة عشر"، وسمح له بالعمل لكنه قيد عمله بمجموعة من القيود الواقعة على صاحب العمل استهدف منها حماية صحته وسلامته وأخلاقه مراعياً قدرته الجسمانية على أداء العمل، منها ضرورة عدم تشغيله بمجموعة من الأعمال المحظورة، والالتزام بخضوعه إلى الفحص الطبي كما حدد ساعات عمله وراحته وإجازته في الأعمال المسموحة له.

 ومن اجل ضمان التزام أصحاب العمل بالقواعد القانونية العمالية جعل المشرع مسؤولية متابعتها والمراقبة على تطبيقها من مهام لجان تفتيش العمل في دوائر العمل العراقية، بالإضافة إلى المهام الأخرى التي تقع على عاتقهم، إذ نصت المادة (127) من قانون العمل العراقي النافذ على أن "أولاً/يتولى قسم تفتيش العمل المهام الأتية: أ- تامين إنفاذ أحكام هذا القانون والتعليمات الصادرة بموجبه المتعلقة بظروف العمل وحماية العمال وحقوقهم أثناء قيامهم بالعمل..." علماً أن لجان العمل تشكل "برئاسة موظف من الوزارة بعنوان مفتش عمل وممثل عن أصحاب العمل الأكثر تمثيلاً وممثل عن العمال الأكثر تمثيلاً ويرافق اللجنة ممثل عن المركز الوطني للصحة والسلامة المهنية في المشاريع التي تتطلب ذلك". كما الزم قانون العمل العراقي النافذ قوى الأمن الداخلي بتلبية طلب لجان تفتيش العمل ومؤازرتهم في أثناء قيامهم بمهامهم، وعاقب كل من يمنع لجان تفتيش العمل من أداء مهامهم أو عرقل عملهم بالحبس أو بالغرامة وفق حد معين.  

         وبعد ما تم بيانه من قواعد قانونية منظمة لابد من التساؤل عن مدى ارتباطها بالواقع العملي، إذ يظهر ذلك جلياً في أبسط صوره عند دخول أي شخص إلى الأسواق التجارية أو المشاريع المنتشرة في المحافظات العراقية، فسيجد الكثير من صغار السن من الأطفال الممنوعين من العمل والأحداث وهم يشتغلون في هذه الأماكن، مع فقدانهم لأغلب حقوقهم التي نظمها القانون. وعلى الرغم من وجود هذه المخالفات الصريحة للقانون فانه لا يوجد في سجلات دوائر العمل إحصائيات تثبت مخالفات مرتكبة من أصحاب العمل محررة بهذا الشأن. وعند الاستعلام من لجان التفتيش عن سبب عدم قيامهم بتحرير تلك المخالفات لأصحاب العمل في المشاريع التي يتم ضبط الطفل أو الحدث فيها تبين انهم يكتفون بتوجيه إنذار إلى صاحب العمل المخالف مع إخضاعه لمراقبتهم للتأكد من إتباعه للقانون من عدمه، كما إنه في بعض الأحيان ولاعتبارات إجتماعية يغض النظر عن تشديد المراقبة في هذه الأحوال، بسبب حاجة الطفل أو الحدث إلى العمل مضطراً لكونه المتكفل لأسرة فقدت معيلها بوفاة الأب أو مرضه، مفضلين عمله تحت هذه الظروف بدلاً من اللجوء إلى التسول أو الانحراف نحو الجريمة. بالإضافة إلى وجود المعضلة الأساسية لتطبيق قانون العمل في العراق ألا وهي جهل معظم الطبقة العاملة في العراق بالحقوق المقررة لهم في قانون العمل وقانون التقاعد والضمان الاجتماعي مما أضعف تمسكهم به، فكيف إذن بالأطفال والعمال الأحداث الذين هم أقل إدراكاً بفهم هذه المسائل. لذا لا بد من إيجاد الحلول المناسبة لتلافي ما فرضته ظروف الواقع العراقي، لأنه ما الفائدة المرجوة من تقرير نصوص القانون وتكديس دوائر الدولة بالموظفين الذين يعملون على تنفيذه، إذا لم يستفيد منه من قُرر لأجله.

يتضح مما تقدم ضرورة استحداث قسم خاص في مكاتب تفتيش العمل مؤهل علمياً واجتماعياً ونفسياً ينحصر اختصاصه في التفتيش في المخالفات الواقعة على الأطفال والعمال الأحداث يضم أشخاص مدربين على كيفية كسب ثقتهم للإدلاء بما لديهم من معلومات وان يكون لديهم باعاً طويلا ً في معرفة احتياجات هذه الفئة العمرية مع إعطائهم سلطة اتخاذ التدابير اللازمة للتأكد من تنفيذ قواعد قانون العمل في هذا الشأن. وإلى إنشاء روابط وعلاقات وثيقة بين لجان تفتيش العمل وبين المؤسسات المعنية بالمساعدات والرعاية الاجتماعية الرسمية والغير الرسمية للعمل على رفع المستوى المعاشي لعوائل الأطفال وحثهم على إكمال دراستهم على أن يكون ذلك بتدابير واقعية فعالة لضمان تحقيق الظروف المناسبة لتنشئة الطفل وسلامته. مع ضرورة التأكيد على قيام لجان تفتيش العمل بالقضاء على منابع عمالة الأطفال ومحاربة النشاطات غير المشروعة التي تستغل حاجة الطفل للعمل.

 

م.م. نور قحطان خليل

كلية القانون و العلوم السياسية

قسم القانون