مقال أكاديمي لدكتورة سهام جميل

مقال أكاديمي لدكتورة سهام جميل



 

 

الحرف والمهن التي زاولتها المرأة في العصر العباسي 132 -656ه/750-1258م

     تشكل المرأة  نصف المجتمع وهذه حقيقة معروفة ومتفق عليها ،فهي دائما السند والمعين للرجل تقف إلى جانبه سواء كان والدها أو زوجها أو ابنها أو أخاها ، في أي مجال يعمل فيه ، وإن لم يكن وقوفها هذا أحيانا واضحا للعيان في بعض الأحيان . فعملت المرأة إلى جانب الرجل في الزراعة وتربية الماشية خاصة في المناطق الريفية لمساعدة أسرتها في كسب الرزق .

      عانت المرأة كما هو حال عامة الناس من ضنك العيش ، بالرغم من تدفق الخيرات والأموال من جميع الآفاق على الدولة العربية الإسلامية في العصر العباسي ، وعلى الرغم من حياة الترف التي كان يعيشها أ صحاب الطبقة الحاكمة والأغنياء ،إلا أن العامة كانوا يعانون من الفقر والعوز، وذلك بسبب ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وصعوبة الحياة في بغداد ، ويدل هذا على التفاوت الطبقي بين افراد المجتمع بسبب الحالة الاقتصادية، إذ انعكس هذا على وضعية المرأة عند العامة ، والذي أدى إلى لجوئها إلى العمل والاشتغال ببعض المهن لرفع مستواها المعاشي والاقتصادي

  ومن الحرف والمهن التي زاولتها المرأة:

1-  الغَزالة: تعد هذه الحرفة من أكثر الحرف التي زاولتها المرأة في العصر العباسي ؛ لأنها مهنة مستحبة للمرأة وملهاة أمينة ومربحة في نفس الوقت  على مر العصور، وهي من المهن التي تدر أرباحها حلالاً تعد مورد رزق جيد يكفي الأسرة قوتها على الرغم من قلته مقارنة بالحرف الأخرى. واشتهرت بعض النساء بجودة غزلهن ، وأصبح لمنتوجهن من الغزل والنسيج أشبه ما يكون بالعلامة التجارية المميزة تعرف بها الثياب التي يغزلنها ومنها التكك الإبريسم ،الخضراء التي اشتهرت بها في الآفاق والتي كانت من عمل جواري بغداد .

2-  العطارة : راجت هذه المهنة في العصر العباسي بسبب الترف والرخاء الذي عم البلاد واشتهرت بعض النساء عملنَ بالعطارة ،إما لأنهن كن يستخدمن العطر بكثرة أو لأنهُنَّ يعملن في مهنة العطارة . منهن جمرة العطارة ، عطارة الخليفة ابي جعفر المنصور(136-158ه/754-774م) وأهل بيته  فضلا عن قيامها بعملها كعطارة فإنها كانت مسؤولة عن خزانة الجوهر،)واستمرت في عملها ذلك حتى عهد الخليفة محمد الأمين(193-198ه/809-813م)، كما اشتهرت بنان العطارة  والتي اشتهرت ب (الندِّ) وهو نوع من الطيب يُدخًن به ،)كانت تصنعه للخليفة الواثق بالله (227-232ه/842-847م)، واشتهرت بند آخر كانت تصنعه للخليفة المتوكل على الله (232-247ه/847-861م).

    وكان من بين العطارات من اختصت بصنع العطر وبيعه للبلاط العباسي ، فيما اختصت عطارات أُخر في بيع عطرهن لنساء العامة وهن يدرن على المنازل ويقمن بعرض بضاعتهن للنساء داخلها.
3-الطباخة : وهي من الحرف التي مارستها المرأة للكسب في العصر العباسي ، وهي من اختصاص النساء والتي فضلن بها على الرجال ، وورد وصف دقيق لطباخة بغدادية حاذقة بعملها وهي تنتقل بين الدور لممارسة عملها بكل دقة واخلاص.

4-الخبازة : وهي من الحرف التي مارستها المرأة لكسب الرزق ، ووردت أكثر من إشارة تؤكد ذلك منها أنه كان هنالك " جارية نصرانية تبيع الخبز كما عملن كخبازات في بيوت الاغنياء والأعيان ، كما كانت هناك خبازة في السوق تعرف بأم هرة كانت تبيع البهط ، وهي كلمة سندية تعني الأرز الذي يطبخ باللبن والسمن ،وهي تقف تحت مظلة لها مصنوعة من الخوص.

5-الحجامة : وهي من المهن التي زاولتها المرأة لكسب الرزق وتحسين وضعها المعاشي، واستغلت بعض النساء هذه المهنة في التجسس ونقل الأخبار ، واستعان الخلفاء ورجال الدولة بالحجامات في معرفة أخبار وأحوال  الدولة وأي حركة معارضة ومناوئة للخلافة العباسية ؛لأنهن اقدر على دخول البيوت

6- جاسوسة: وهي من الأعمال التي اتقنتها بعض النساء لتقتات عيشها ،خاصة بعد أن أصبح للمرأة  حرية في التنقل والأمن ،لأن مثل هذه المهنة تحتاج حرية في الخروج والتنقل ،فكانت المرأة تعمل في التجسس مقابل الأجر ،فكان للخليفة المأمون (198-218 ه/813-833م) ألف وسبعمائة عجوز يتفقد بهن أحوال الناس ، وتأتيه أخبار البلاد.

7- مُجَملة : انتشرت في العصر العباسي وسائل الزينة والتجميل خاصة الزينة التي جاءت بها الجواري ، فعملت المرأة كماشِطَة تقوم بتمشيط وتصفيف شعور نساء دار الخلافة والأغنياء وميسوري الحال ومن النساء غير الماشطات اللواتي عملن في مهنة التجميل  كل حسب اختصاصه كالمُتفلجات وهي اللواتي يعملن فجوة بين أسنان النساء تزيد من الحسن والجمال  وكذلك المتنمصات وهن اللواتي يقمن بتنميص الحواجب ونتف ما بها من شعيرات كثيرة .والمتزججات وهن اللتي يقمن بتدقيق الحواجب وترقيقها وإطالتها بالإثمد . والمتوشمات وهن النساء اللاتي يقمن برسم الوشم على أجسادهن .

8- مُربية : عملت بعض النساء كمربيات في بيوت الأغنياء والمترفين عرفن بالداية أو المربية ليتولين إرضاع الأطفال وتربيتهم ورعايتهم والاهتمام بشؤونهم الصحية .وهناك قواعد وأصول خاصه في الرضاعة والنوم والتربية يجب أن تلتزم بها تلك المربية، منها أن تمازح الطفل وتضاحكه حتى ينام مسرورا ،ولا تدعه ينام وهو يبكي ،وألا تحرك المهد حركة سريعة قد تسبب له الدوخة والدوار ،ولا تضربه على جنبه، لان ذلك يسبب له الفزع، وعليها أن ترضعه وهي هادئة الأعصاب ،حتى لا يتأثر الطفل سلبا.

9- نائحه :عملت المرأة كنائحة على الموتى في بيوت الوزراء والأغنياء وذوي الجاه وفي بيوت العامة من الناس وتسمى بالندابة مقابل مبلغ من المال.

10-  قابله: وهي المرأة التي تساعد الحامل عند الولادة وهي المُولِدة ، وهذه المهنة أجدر أن تقوم بها النساء دون الرجال ، وعملت الكثير من النساء في العصر العباسي لكسب رزقهن في مهنة توليد النساء .

 

 

    د. سهام جميل جاسم المحمدي       

  جامعة الانبار – كلية التربية للبنات – قسم التاريخ