ا.د. نصرة أحميد جدوع

ا.د. نصرة أحميد جدوع

 

 

 

النقد النسوي العربي المصطلح وأزمة الهوية

 

ا. د. نصرة أحميد جدوع الزبيدي

 

جامعة الانبار

كلية التربية للبنات

 

 

 

nasra.jadwe@uoanbar.edu.iq

 

 

المصطلح والتاريخ

      النقد النسوي:  حركة اجتماعية  ذات ابعاد فنية وسياسية بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية وفى أوروبا في الستينات من القرن العشرين، وما تزال تتواصل في مختلف انحاء العالم حتى الآن، وكانت في البداية مقتصرة على الفنون الجميلة والآداب، ولكن في الستينات من القرن العشرين امتدت إلى حقول أخرى مثل السينما، والموسيقى، والمسرح، والخطاب السياسي والأيديولوجي،
ويلاحظ إن التقدم في هذه الحقول، بما في ذلك المعمار والفلسفة ما يزال بطيئا إذا ما تمت مقارنته بوتيرة التقدم في الفنون الأخرى.
لقد انطلق النقد النسوي من الإحساس بأن النساء المبدعات مهمشات من قبل المجتمع الذي يهيمن عليه الرجال, كما انطلق من فرضية ان تجارب النساء تستحق الاهتمام والشهرة اسوة بتجارب المبدعين من الذكور, ، هناك ثلاثة سبل للقيام بذلك:

 أولا: إعادة اكتشاف الأعمال الإبداعية المنجزة في الماضي من قبل النساء، وإحيائها ونشرها.

 ثانيا: ابراز قيمة  الأعمال الجديدة.

ثالثا: البحث عن "النوع الخاص" في الأعمال الأدبية أو الفنية النسوية، وفى العمليات الفكرية ( ينظر نسائي أم نسوي- شيرين أبو النجا- منشورات مكتبة الأسرة-القاهرة-2002) , ويلاحظ إن النقد النسوي في الغرب يستند إلى عدة أطروحات فكرية وسياسية، إذ هناك التيار النقدي النسوي الماركسي، والتيار الليبرالي، والتيار اليميني، الخ.. فضلا عن ذلك فإن هذا النقد بمختلف انتماءاته السياسية، والأيديولوجية، والفلسفية يوظف مناهج مختلفة مثل مناهج علم الاجتماع، والجدلية الماركسية، والتحليل النفسي، ويتمثل الهدف الجوهري للنقد النسوي في زحزحة المركزية الذكورية في السياسة، والمؤسسات الصانعة للتراتبية الاجتماعية، وفى الثقافة والتقاليد، وفى السنوات الأخيرة برزت حركة النقد النسوي داخل الفضاءات الإثنية في المجتمعات الغربية مثل الاثنيات السوداء، والأسيوية، والأمريكية اللاتينية، والعربية، إن هذه الحركة في مجموعها تدافع بواسطة النقد الذي تمارسه النساء عن الاختلاف الثقافي، وعن الديمقراطية التي لا تهمش الجاليات الأجنبية، وخاصة العنصر النسوي منها.هنالك ينقسم النقد النسوي إلى نوعين، واحد يتولى دراسة الكتابة النسائية بعامة وفهم محدوديتاها ومضامينها السياسية المعنية، وآخر ملتزم بمقاومة الهيمنة الذكورية والتمييز بين الجنسين، وعلى هذا فمفهوم النقد النسوي يعني النقد الذي تقوم به نساء والذي يتناول الكتابة النسائية بالتحديد، وقبل أن يتناول النقد النسوي الكتابة النسائية يبدأ بنقد كتب تاريخ الأدب الإنكليزي التي أغمطت حق مائة قاصة إنكليزية لمعت  أ سماؤهن في القرن الثامن عشر حين اعتبرت أن القصة و الرواية، قد ابتدأت بوصفها جنسا أدبيا في إنكلترا في القرن الثامن عشر مع دانييل ديفو وهنري فيلدنغ وصامويل ريتشارد سون ولم تدرج أسماء الروائيات  ايملي برونتي وشارلوت برونتي وغيرهن، علماً بأنهن نلن الكثير من الشهرة في زمنهن وكتبت حولهن مقالات المديح والإعجاب(المصطلح النقدي يفتقد الممارسة التحليلية/جريدة كل العراق/عدد العاشر من تشرين الأول 2005).

وفي جدل المصطلح نجد أن خلاصة ما انتهى إليه التنظير النقدي الأمريكي الذي يعد الأنموذج الأمثل من ناحية الجهود المبذولة لترسيخ المصطلح هو انه يقسم الكتابة النسائية إلى ثلاثة أقسام هي:

1-       الأدب النسائي وهو كل ما تكتبه النساء.

2-       الأدب الأنثوي :وهو الأدب النسائي المهمش والمقموع الذي أخرسه النظام اللغوي والاجتماعي السائد دون أن يشتمل على رفض للنسوية.

3-       الأدب النسوي الملتزم برفض السلطة الذكورية ورفض التمييز بين الجنسين وانطلاقا من ذلك ينقسم النقد النسوي إلى نوعين:

الأول: يتولى دراسة الكتابة النسائية عموما وفهم محدوديتاها ومضامينها السياسية المعنية.

الثاني: ملتزم بمقاومة الهيمنة الذكورية والتمييز بين الجنسين أي إن النقد النسوي يعني النقد الذي تقوم به النساء والذي يتناول الكتابة النسائية بالتحديد. .(ينظر:إطلالات على شعر ونقد النسوية الأمريكية/جريدة الأسبوع الأدبي/العدد 981 في12-11-2005).

 

النقد النسوي العربي وإشكالية الهوية

          وبالنسبة للعرب فلنا أن نتساءل على ضوء معرفة التشكيلة الثقافية والحضارية للعقلية العربي إن كان هناك إمكانية متاحة لوجود نقد نسوي عربي؟ نحن لم نعدم وجود أدب نسوي ومن باب أولى أن نجد نقدا منظرا تكتبه الكاتبات والنساء المتقمصات لأدوار النقد ..فكما تصلح المرأة للكتابة تصلح للنقد مع إننا لا نجافي الحقيقة حين نؤكد كونها موضوعا مهيمنا على الأدب في مختلف عصوره..ولابد لنا أولا من التأكيد على وجود الأرضية الفكرية التي تهيئ لظهور نقد نسوي في ظل مراجعة واقع المرأة في المجتمع العربي  ونظرته المتحفظة إلى أدوارها في الحياة ومكانتها انطلاقا من تشكيل العقل العربي  نفسه وهو أمر لا يمكن تجاوز أهميته في هذا الجانب ولاشك في إن المرأة العربية ظلت تعيش تحت وطأة النظرة الرجعية والعنصرية على الرغم من إنها لم تعدم ظروفا قدمت فيها الكثير لاسيما في عصور ازدهار الحضارة العربية مع بقاء السمة العنصرية التي طبعت النظرة إليها.

        ولايمكن إنكار التأثير الغربي الحديث بدءا من الفكر الذي نعده مرتبطا بالحركات التحررية الذي مثلت المرأة احد مفردات فكرها حتى تحولت قضية (تحرير المرأة) إلى عنوان لكثير من الجهود والحركات التي تركت آثارا واضحة في مختلف الميادين ومنها الأدب ،وبالنسبة لمصطلح النقد النسوي لنا أن نتساءل في ظل قراءة سريعة لخارطة الإبداع العربي الحديث إن كان هناك ثمة شيء اسمه نقد نسوي عربي ؟

       نعم توجد العديد من النساء اللاتي يضطلعن بمهمة النقد كتابة وتدريسا في مختلف الأوساط الأدبية العربية لاسيما الأوساط الجامعية، لكن المضمون الذي تدور حوله الأعمال النقدية النسوية لايمت بصلة في كثير منه إلى النقد النسوي بمفهومه الفني القائم على الإحساس بقضية المرأة ووجودها ودورها والمشكلات المتعلقة بها ،كما إن ازدهار أي نقد يرتبط بازدهار الأدب نفسه وتحول القضايا المتنوعة إلى مادة حيوية يستمد منها الأدب وجوده ومضمونه ،ومن ذلك قضية الدور الأنثوي في المجتمعات وما يتعلق به من أمور متنوعة ،ليتحول مفهوم الأدب النسوي إلى أن يكون مموها يتعدى حدود الإبداع النسوي إلى كل عمل إنساني يتناول قضاياها بما فيها الأعمال التي يكتبها الرجال،غير إن هناك مشكلة تفرض تأثيرها ونحن بصدد الحديث عن أدب نسوي عربي ونقد مرتبط به تتمثل في اختلاف الثقافات والملامح الفكرية والأيديولوجية للمجتمعات المتنوعة ،فمن المؤكد إن هناك فرقا شاسعا بين المجتمع العربي والمجتمعات الغربية فيما يتعلق بموضوع المرأة وحريتها وحقوقها، الأمر الذي يفرض اختلافا في المنطلقات الأيديولوجية والبيئة الفكرية المرتبطة بالهوية الثقافية التي تطبع كل أدب،إلى جانب اثر العامل الديني الذي تتمحور حوله الكثير من الأفكار التي يدور فيها النقد النسوي ،فالمرأة لا تستطيع المجاهرة بالأفكار الخاصة والأمنيات والحاجات التي تختزنها وهو أمر ينطبق على الأدباء من الرجال في كثير من الأحيان فما بالك بالمرأة مع كل ما لها من خصوصية في المجتمع!!،لاسيما وان هناك جوانب يتردد حتى الرجال من الكتاب في التعاطي معها خصوصا في موضوعات حساسة كالجنس والدين الذي يمثل المكون الحضاري الأبرز في التشكيلة الاجتماعية والفكرية العربية ، مع إن تغيرا ملموسا قد طرأ في هذا الجانب بعد الخطوة التكنولوجية الأكثر تأثيرا في تاريخ البشرية، والمتمثلة بالعولمة بكل ما يرتبط بها من أمور ومفاهيم غيرت خارطة التفكير البشري ،وصار من اليسير تناقل الأفكار والآراء بين البشر في مختلف بقاع الأرض ،وتحولت مسالة الاختراق الثقافي والفكري إلى واقع لا يمكن إنكاره،كما اننا لا يمكن أن نظل واضعين أصابعنا في آذاننا  ومغمضي الأعين عن العالم الذي يتغير من حولنا ،من هنا فان النقد المرتبط بهذا الأدب لا يستطيع تجاوز هذه الخصوصية ،ويفترق بناء على ذلك مصطلح النقد النسوي عن أطره النظرية ليدور في فلك المجتمع وأفكاره،مما يعني تحررا شكليا إذ ما قورن بمنجز النقد النسوي الغربي والأمريكي على وجه الخصوص،وسواء أكانت المرأة ناقدة اجتماعية أو غير ذلك في أعمالها الأدبية أو ناقدة أدبية للأعمال الإبداعية فان الحديث عن أعداد النساء الناقدات مرتبط بالحديث عن قاعدة عامة هي أن عدد الرجال المشتغلين في شتى المجالات ومنها الأدب والنقد أكثر بكثير من أعداد النساء لا لأسباب تتعلق بالتفوق العقلي الذي يدحضه العلم بشكل قاطع بل لان المجتمعات الإنسانية لا تكاد تفترق في مسالة النظر إلى المرأة وإمكانيتها وقدرتها على مجارات الرجل،مع إن عدد الرجال المشتغلين بالنقد اقل بكثير من عدد الأدباء وبالتالي فان من غير المجدي تناول فكرة الكم، مع إن هناك أمورا تفرض أن تتفوق المرأة على الرجل في ميدان النقد , لكون النقد فن دقيق يحتاج لبصيرة القارئ النافذة والحس الناقد وهي أمور تبرع فيها المرأة بحكم حساسيتها المفرطة وتركيبتها النفسية ،ومع ذلك فان القيود الثقافية والاجتماعية والدينية تحول بين المرأة الناقدة وحرية التعبير عن القضايا الخاصة التي ظلت أسيرة المحظور إلى الدرجة التي نجد فيها النساء يقفن موقفا سلبيا في أكثر الأحيان من نماذج الإبداع النسوي الجريئة تماشيا مع نمط التفكير السائد في المجتمعات العربية والتي تعتنق مقولة التفوق الذكوري .

 

 

 

النقد النسوي في مستوى التطبيق

      إذا ما عدنا إلى نماذج الإبداع النسوي الذي تبدو فيه المرأة ناقدة في حدود مفهوم النقد النسوي المرتبط بالإبداع الأدبي نجد نوال السعداوي الكاتبة المصرية في أعمالها الروائية( بعيدا عن أفكارها المتطرفة في دعوتها للمساواة المطلقة بين الرجل والمرأة والتي مست فيها أمورا حساسة في صلب الشريعة الإسلامية في بعض الأحيان وأثارت حولها جدلا لا ينتهي)،وهي أنموذج لما يمكن أن نعده نقدا نسويا اقترب في صورته ومبرراته ومداه الفكري من صيغة النقد النسوي الذي نعثر عليه عند  الناقدات والأديبات الغربيات لاسيما فرجينيا وولف التي كانت المرأة عندها مثالا للملاك الوديع المعطاء تضحي وتقدم داخل فن الحياة الصعب مع إن الثمن عندها كان قتل المرأة في داخلها لكي تحرر كتاباتها وتناقض تصورات عصرها حتى وصلت في كتاباتها إلى (الهرب باستمرار من النقد الوصفي ورفض الخضوع له وتوحيد وجهات النظر السائدة حوله)كما تقول الناقدة شولتار الين(النقد النسائي بين فرجينيا وولف وجوليا كرستيفا/عبد النور ادريس/مجلة الحوار المتمدن الالكترونية/العدد 1412 في27-12-2005).

وإذا ما نظرنا إلى طبيعة المرأة في كتابات نوال السعداوي لاسيما في روايتها (مذكرات طبيبة)والتي تتناول موضوع المرأة في صعيد مصر نجد إنها  تعكس فكرة مهيمنة تجلي بأبرز ملمح واقع المرأة العربية التي لا تختلف في نظرة المجتمع المنقوصة إليها عن هذا النموذج،وفي هذا الجانب يتبادر إلى الذهن سؤال عما إذا كانت المرأة العربية تتحمل جزءا من أسباب تراجعها بحكم الخضوع الكامل للعادات والتقاليد وتجنب وضع اطر سليمة في محاولة البحث عن الذات وحجز مكانها الذي تستحقه في عملية صناعة الحياة وتشكيلها؟

        وقد نعثر في ثنايا الإجابات المقترحة لهذا السؤال على جانب من الأسباب التي تعد مسؤولة عن تراجع المنتوج النقدي والفكري النسوي العربي فنكتشف إن سبب تراجعه يتمحور في نمطيته وتكرار الأطر التي يتحرك فيها فيما يتعلق بموضوع المرأة التي لا تخرج صورتها عن الشكوى والتذمر وتمحور أفكارها حول موضوع الرجل وتوجيه النقد السلبي ولوائح الاتهام المكررة في تفاصيلها من النرجسية والأنانية والخيانة والتسلط والنكران في جانب منها وسلبية تجعل المرأة دائما الطرف الأضعف في علاقتها مع الرجل ،ولنا أن نتساءل ثانية إن كانت المرأة الكاتبة مسؤولة عن خلق حالة من الرتابة والجمود لتخليها عن محاولة خلق أنموذج قيادي لا يشترط أن يخرج عن أطره البيولوجية والاجتماعية، كأن تستلهم نماذج التراث العربي الذي تعاني الكاتبات العربيات محنة الانقطاع شبه التام عنه ،حتى ظلت النماذج النسوية التراثية حبيسة الأطر التاريخية المجردة عن فنية التوظيف..

     أخيرا فان بإمكان المرأة العربية أن تكون أفضل مما هي عليه الآن ولا يشترط أن تترجم التأثيرات الخارجية بأطرها الأيديولوجية منقطعة عن الواقع والخصوصية العربية، ويمكن أن تعبر عن قضاياها في مجتمع له خصوصية ثقافية بطريقة أكثر نضجا طالما امتلكت الإمكانية وتوافرت لها الفرص المناسبة لذلك ،لاسيما وإنها بدأت تحجز مكانا مميزا في قاعدة العمل والإبداع وفي الأوساط الأكاديمية ،كما إن من الضروري تنقيح الدعوات التي تنادي بها المنظمات النسوية العربية من قوالب التغريب التي عزلتها عن محيطها وقاعدتها الشعبية المتمثلة في كل امرأة عربية ومحاولة إيجاد روابط منطقية ترتفع بالفكر النسوي وتوسع آفاقه والتمثل الصحيح لتجارب الأمم الأخرى وقبل ذلك إيجاد لغة حوار حضارية مع الآخر، لان تلك اقرب واضمن الطرق لإحداث التغيير الذي تنشده المجتمعات الساعية نحو التطور.

 

مصادر المقالة:

-         http://www.altaakhipress.com/viewart.php?art=21141 صحيفة التآخي العراقية الناشرة للمقال.

-         المصطلح النقدي يفتقد الممارسة التحليلية/جريدة كل العراق/عدد العاشر من تشرين الأول 2005

-         إطلالات على شعر ونقد النسوية الأمريكية/جريدة الأسبوع الأدبي/العدد 981 في12-11-2005

-         النقد النسائي بين فرجينيا وولف وجوليا كرستيفا/عبد النور ادريس/مجلة الحوار المتمدن الالكترونية/العدد 1412 في27-12-2005

-         ينظر مثلا : مذكرات طبيبة- نوال السعداوي, دار الآداب بيروت 1999,  صوت الأنثى- نازك الاعرجي- دار الأهالي- دمشق-1997.

-         نسائي أم نسوي- شيرين أبو النجا- منشورات مكتبة الأسرة-القاهرة-2002