مقال علمي بعنوان الادب الروائي في ظل جائحة كورونا للاستاذ الدكتور نصرة احميد جدوع

مقال علمي بعنوان الادب الروائي في ظل جائحة كورونا للاستاذ الدكتور نصرة احميد جدوع

 

 

الادب الروائي في ظل جائحة كورونا

قراءة نقدية في رواية جرس انذار للكاتب السوري ابراهيم اليوسف

د. نصرة احميد جدوع

    ابراهيم اليوسف كاتب سوري كردي مقيم في المانيا, له روايات اخرى منها (شنكالنامه) و(جمهورية الكلب),له ثلاثة كتب في ما يسميه ادب الجائحة تتناول الرواية «خارج سور الصين العظيم- من الفكاهة إلى المأساة»، و«أطلس العزلة: ديوان العائلة والبيت»، و«جماليات العزلة في أسئلة الرعب والبقاء».

ادب الجائحة:

     هو الادب المرتبط بالجوائح والمنتج تحت وطأة الجائحة او الحجر الصحي الاجباري الذي يخضع له الادباء اما طواعية اواجبارا, قد لا يرتبط هذا النوع من الادب بالحجر ولا يكتب فيه بل يكون موضوعا لعمل ادبي وهو امر نادر, ومفهوم الجائحة يختلف عن مفهوم الوباء في ان الجائحة وباء ينتشر في مساحات كبيرة قد تكون قارة او مجموعة قارات ومن امثلته الطاعون الاسود الذي قتل ما يزيد عن 20 مليون شخص في عام 1350 م والانفلونزا الاسبانية ا1918-1919 وقتلت ما يزيد عن 50 – 100 مليون فردالى جانب جوائح الكوليرا السبعة والانفلونزا. وآخرها جائحة كورونا , في حين الوباء يتسم بمحدودية الانتشار فيظهر في اقليم او مدينة ولا يتعداها.

ومن الروايات المرتبطة به رواية الطاعون لالبير كامو  التي شكلت كما يقول الدراسون  صرخةً وجوديّة فلسفيّة أنّ أدب الكوارث أو الأوبئة كُتِب أغلبه خارج زمن الوباء، أى بعد أو قبل وقوع الكوارث. وهى حقيقة تتجلّى أيضا فى رواية «الإنسان الأخير» The Last Man للكاتبة الإنجليزيّة مارى شيلى التى شكَّلت أحداثها فكرة استشرافيّة تخييليّة، إنْ لم نقلْ تنبّؤيّة، فالكاتبة أصدرت روايتها سنة 1826 ولكنّها تحكى عن الوباء الذى سيضرب الإمبراطوريّة البريطانيّة كما تخيّلتها مارى شيلى، والذى سينتشر بدايةً من القسطنطينيّة كبؤرة له.(ادب الاوبئة سرديات رمزية ورسائل تنبوية- مقال)

ورواية دانييل ديفو( دفتر احوال عالم الطاعون)1722 التي وثقت احداث طاعون لندن.

ومن الاعمال المشهورة ايضا رواية (الحب في زمن الكوليرا) للروائي الكولمبي غابريل غارسيا ماركيز  ورواية عيون الظلام في عام 1981 للامريكي دين كونتر التي تنبأ فيها بشكل غريب بظهور فايروس مميت في مدينة ووهان الصينية, ورواية( العمى ) للكاتب البرتغالي خوسية سمارغو 1995, وغيرها

والغريب ان هذا النوع من الادب ولاسيما الادب الروائي يتسم بطبيعة استشرافية كما ذكرنا وكتبت الكثير من الروايات قبل حدوث الكوارث الفعلية بعقود, وربما يأتي ذلك من قراءات وحقائق ترتبط بأماكن ما توحي للكتاب افكارا وموضوعات ستتطور الى ما يظهر في اعمالهم, وتشترك جميع الاعمال تقريبا بالتركيز على فلسفة الموت والفناء وهي فلسفة خرجت من رحم الصراعات والحروب المدمرة في العصر الحديث وسباق التسلح لانتاج اسلحة بايلوجية مميتة ظل خطر وصولها الى ايدي العابثين او استخدامها من قبل القوى المتناحرة امرا ممكنا في اي وقت, وكان من نتائج اللهاث خلف انتاج اسلحة الدمار في المختبرات ان ظهرت الاوبئة الكبرى التي تسببت بموت اعداد كبيرة من البشر .

قراءة نقدية في رواية جرس انذار

      هي واحدة من الروايات التي صدرت ابان ظهور جائحة كورونا وكتبت تحت مظلة الحجر الصحي والوقائي  وهناك من يرى انها الاولى في تناول موضوع كورونا, وهي تنتمي الى ادب الجوائح وان لم تعالج موضوع الجاحة بشكل عميق واكتفت بالحديث عن آثارها بالتوازي مع فمكرة الحرب والصراع في سوريا.

وهناك اعمال اخرى ظهرت في فترة الحجر ايضا  قد تكون سبقت هذه الرواية نذكر منها على سبيل المثال:

-           الرواية التي تعد الابكر ظهورا فتحت وطأة الجائحة عند بعض الدارسين  برواية اخرى التي تعد اول عمل روائي ينقل التأثير النفسي والاجتماعي للجائحة, وهي رواية غاري شتنغارت الأخيرة، «أور كونتري فرندز»، وعدت الرواية المثالية لهذه الاوقات وجميع الاوقات كما يقول محرر صحيفة النيويورك تايمز.

-  رواية عدوى للروائي الايطالي باولو جيور دانو

-رواية في قبضة الكابوس - يوميات حصار كورونا- للكاتب السوري الكردي الاصل الالماني الجنسية جان دوست وهي سلسة يوميات وقصص قصيرة نشرتها دار خطوط الاردنية تحت هذا العنوان.

-القاصة الامريكية إلما والترز (التي كانت قد توقفت عن الكتابة لثمانية سنوات ) عادت اليها واصدرت مجموعة قصصية بعنوان (هذا اليوم امرأة اصابها الجنون في السوبر ماركت) وبالتأكيد يظهر العنوان ارتجاعا لصور رافقت الرعب الذي اصاب الناس والذي رآه الملايين على شاشات التلفزة في مشاهد مرعبة للخوف الجماعي في الازمات.

-الفت  الروائية الكندية ما ركريت آتوود بالمشاركة مع الروائيى الامريكية جودي بيكولت كتاب( لقاءات ممنوعة لاربعة عشر يوما ) يتناول ما جرى لسكان مانهاتن مع الوباء ومشاهد الموت وتكدس الجثث.

-           عربيا كانت هناك اعمال لبعض الكتاب منها الناجي الغريق للسوداني ممدوح ابارو الحائزة على جائزة الطيب صالح للابداع الروائي 2020 ورواية المغربية (عائشة البصري) المعنونة( كجثة في رواية بوليسية) تتناول قصة سائحة تقطعت بها السبل في فترة الحجر الصحي ورواية (ليليات رمادة) للكاتب الجزائري واسيني الاعرج التي كتبت تحت الحجر , وفي ظل الموجة الاولى للجائحة وتتالف من جزأين(تراتيل ملائكة كوفيلاند)و( رقصة شياطين كوفيلاند).

 تدور أحداث هذه الرواية في ألمانيا، حيث يرصد الكاتب التغييرات التي حدثت في حياة الألمان واللاجئين منذ انتشار الفيروس وبدء الحجر الصحي الذي شمل الماني ودول العالم اجمع ، لا سيما في الأشهر الستة الأولى من بدء الجائحة., مسرحها بناية تتألف من سبعة طوابق يسكنها المهاجرون ومنها عائلة اروائي تقطن في البناية أسر من بلدان وجنسيات وأديان مختلفة، فمن الألماني إلى الإيطالي إلى الصربي إلى العربي إلى الكردي والأيزيدي، ومن بين هؤلاء ثلاث أسر من أبناء وبنات الرواي ا, يكتبها بلسان الراوي العليم ,وهو بطل الرواية وساردها ,  وتتجاوز الرواية مكانها الى وصف حالة الشلل التام والرعب الذي اجتاح العالم وتوقف جميع مظاهر الحياة اليومية في كل مكان, ترصد الرواية أول إصابة بالفيروس كوفيد19 في أسرة الراوي عندما تلتقط زوجة أحد أبنائه الفيروس من طبيب أسنان ألماني عجوز، وتجتاح الاسرة حالة من الهلع ، وتضطر  المريضة الى الانعزال عن أسرتها زوجها وابنتهما الصغيرة، وتبدأ أزمة البيت بشكل واضح فالطفلة الصغيرة ترفض حالة عزلة أمها عنها وأبيها، ويضطر الوالد لخدمة زوجته والعناية بالطفلة التي تشتاق إلى قريباتها من الطفلات الصغيرات، فتتطوع طفلة أكبر منها سناً، وهي ابنة عمها لكسر جدار العزلة، لتبدأ أحداث مختلفة تجبر بطل الرواية على المقارنة بين بلده سوريا ومكان إقامته ألمانيا,

ويصور الكاتب شعوره الحاد بالعزله في عبارة رمزية تتواشج مع نمط الحياة  الاجتماعية التي كان يعيشها والحنين اليها وهو يحمل ملامح الترابط الاجتماعي في مجتمعه الاصلي وهو نفسه الذي دفعه الى العيش رفقة عائلته في عمارة واحدة , يقول:

"كفي اليمنى باتت تحكني, اربعون يوماً ولم أصافح أحداً"

والرواية كما يقول مؤلفها تكشف اهمية الحدث وتأثيره على العالم وتضعه بوصفه مهاجرا في حالة من المقارنة الاجبارية بين ما تقدمه الحكومة الالمانية التي يعيش في كنفها لاجئا واهمال الحكومة في بلده لسلامة المواطنين وتركهم يواجهون تبعات الاغلاق والموت جوعا ومرضا في بيوتهم.لكنه يرى ان السورييين قد عاشوا سابقا مآسي مشابهة واصبح الموت لديهم شيئا مألوفا, وينقل في المقطع الاتي هذه المأساة التي كتب على ابناء شعبه عيش فصولها فيقول:" سمعت سيدة سورية، قبل أن يغدو الحجر الصحي الطوعي أمرًا واقعًا، تقول: "لقد هربنا من الموت، وها هو موت آخرُّ أمامنا، يجعلنا نتحسر على موت بلادنا". ما قالته هذه السيدة استوقفني كثيرًا، وإن رحت أقلب أثره وصداه في ذاتي، من وجهات نظر نقدية ذاتية، متعدِّدة، إذ إنه أعادني إلى التفكير برهبة الموت المضاعفة، بعيد بدء الحرب على السوريين: من الجهات جميعًا، عندما انقطع أمل ذوي أي فقيد يقضي في الغربة، من إيصال جسده- ولا أقول "جثمانه" إلى وطنه، ليوارى فيه الثرى، وهوما كنت أشدِّد عليه، أستحثُّ ذوي أي فقيد للسعي لدفنه في الوطن... الموت دون مشيعين ومجالس عزاء ألف موت للميت ولذويه!"

كما يتناول حسرة المهاجرين في الدول الاوربية التي عرفت كيف تحمي مجتمعاتها من الوباء وتواجهه على اهلهم وذويهم الذين يعيشون تحت نار الحرب والدمار والحصار وتعسر اسباب العيش, ليضاف الى ذلك كله هذا الوباء القاتل, وتطرح الرواية فكرة وحدة الظرف الذي تساوى فيها العالم كله بغالبه ومغلوبه وضعفاءه واقوياءه, اخياره واشراره.

         وتطرح الرواية مفاتيح لمواجهة خطر الموت الذي تفرضه الجائحة , فاحدى شخصيات الرواية تعود الى الوطن للوقوف الى جنب الاهل في مواجهة المحنة, وهناك من تطوع للعمل في الفرق الطبية والمختبرات التي تحاول ايجاد اللقاح المضاد للفايروس, ومن الشخصيات التي وردت في الرواية شخصية "عامر الأخضر" وأسرته، و"مهاباد" الدمشقية، و"آلا" عالمة الأدوية تعمل في أحد أهم المراكز العلمية في مملكة السويد.

       لكن الرواية وعلى الرغم من قيمة الفكرة التي تطرحها وواقعية الرؤية التي تحاول ايصالها الى القراء تقع في اشكالية السرد التوجيهي الذي يخرجها عن شكلها الفني لتغدو اشبه بخطبة اخلاقية واجتماعية ذات طابع توجيهي نصحي, ويوظف الروائي عدة تقنيات في الكتابة فيستعين بمقالات ونصوص موازية كتبها نفسه ومنها يومياته الشخصية بل ويشير اليها كمراجع للأحداث في الرواية يضعها بعد النصوص, وهو ما يعزز النسق التسجيلي للرواية , وفي سعيه لتأكيد هوية النص الفنية يحاول استغلال عنصر الزمن والتلاعب به , وينتج عن ذلك تشابك الاحداث وتداخلها الامر الذي يربك القاريء , ولولا الخيال الذي يفتعله بين طياتها لاصبحت رواية يوميات بأمتياز.

          وعلى العكس من المسارات المألوفة في هذا النوع من الروايات فان الرواية لا تغوص في ذكر تفاصيل الكارثة في محيطه وتكتفي بتوصيف حالة الرعب وتوقف الحياوة واغلاق المطارات والموانيء والحدود بين الدول اضافة الى والمؤسسات والاسواق والشلل الذي اصاب حياة الناس من غير ان يغوص الى اعماق الشخصيات او حتى يرسم شخصيات قادرة على تغطية مساحة الاحداث بصورة واضحة,

وتتداخل اماكن الرواية: أمكنة، وأحداثها  وشخصياتها، من خارج الوطن وداخله،ليكون موضوعها الصراع المكاني والقلق الروحي الذي تسببه الغربة وتعلق الانسان بارضه, وان كان قد عاش مغتربا في وطنه, ويمثل حضور الجائحة فيها خلفية لطرح فكرة الحنين الى الوطن والقلق على الاهل والاصحاب الذين يعيشون اهوال الحرب والحصار.