الكيمياء الخضراء والبيئة

الكيمياء الخضراء والبيئة

     الكيمياء الخضراء والبيئة

       م.د. أطياف عبد القهار يونس

لم يكن العالم مهتماً بتأثير المواد الكيميائية على صحة الإنسان وسلامة البيئة , لكن  في عام 1962 ظهر كتاب الربيع الصامت Silent spring للكاتبة راشيل كارسون Rachael Carson والذى تحدثت فيه بإسهاب عن أثر بعض المبيدات الحشرية على بيض طيور متعددة وكيف تسببت مبيدات الـ (DDT) ومبيدات حشرية أخرى من تأثيرات قاتلة من خلال تسللها إلى السلسلة الغذائية وكيف أن هذه المبيدات ثابتة كيميائياً ويتطلب تحللها سنوات عديدة .وهنا دق ناقوس الخطر فهبت المجتمعات وطالبت بوضع القواعد المنظمة لتصنيع واستخدام هذه المبيدات والحد من استخدامها أو إيجاد البدائل الأخرى الأقل خطورة على صحة الإنسان وسلامة البيئة وفى عام 1986 سجلت الولايات المتحدة قائمة بعدد كبير من الكيماويات السامة التى تطلقها القطاعات الصناعية المختلفة. إلا أن هذا العدد هو جزء صغير من بقية         الـ 75000 نوع من الكيمياويات المستخدمة حاليا فى الصناعة والتى يتزايد عددها يوماً بعد يوم ومن المؤكد أن جزءاً كبيراً منها يحمل سمية معينة .وقد سجل عام 1994 فى الولايات المتحدة وحدها  انطلاق أكثر من 2.26 بليون رطل لاكثر من 300 مادة خطره إلى البيئة . وتعتبر الصناعات الكيميائية هى الأكثر إطلاقا للمواد الكيميائية الخطرة عن بقية القطاعات الصناعية الأخرى. حيث يخرج من الصناعات الكيميائية أكثر من أربعة مرات من المخلفات من مثل التى تطلقها الصناعة التى تليها وهى صناعة الفلزات والنشاطات الكيميائية الاخرى  لذلك بدأ تسليط الضوء على مفهوم مهم وهو الكيمياء الخضراء وهو فرع من فروع علم الكيمياء يهدف إلى تقليل الانبعاثات والمخلفات الناتجة عن عمليات التصنيع الكيميائي الأخرى إلى أقل مدى ممكن كما يهدف إلى ابتكار مواد كيماوية جديدة تعود بالخير على البيئة ومواد كيماوية تعمل كبدائل عن المواد الكيماوية الأخرى التي تعود عمليات تصنيعها بنتائج سلبية على البيئة. أو تعمل كبدائل عن المواد الكيميائية المستخلصة من الأنواع الحية المهددة بالانقراض مثل الزيوت الكبدية والتي تهدد عمليات استخلاصها من الحيتان وأسماك القرش بانقراض تلك الأنواع بشكل تام خلال عقود قليلة.

نشأة الكيمياء الخضراء

الكيمياء الخضراء كما جاء فى قسم أبوقراط للكيمائيين " بداية لا ضرار" وهو المعنى الحقيقى للكيمياء الخضراء الذى لا يُعِّرف الكيمياء الخضراء فقط وإنما يتضمن أيضا المجال الذى تعمل فيه والمدى الذى ستصل إليه مستقبلا وقد وضع الرواد الأوائل لهذا العلم اثنتا عشر مبدأً يتأسس عليها وتوضح اتجاهاته المستقبلية لكن في الحقيقة بدأت ممارسة الكيمياء الخضراء في الولايات المتحدة عام 1990 بعد توقيع قانون منع  التلوث والذي هدف إلى حماية البيئة عن طريق تخفيض الانبعاثات الضارة من المصدر نفسه. وبموجب القانون قامت حكومة الولايات المتحدة بتقديم منح لتطوير المنتجات الكيمائية من خلال المعاهد والجامعات المختلفة لتقليل مخاطر تلك المواد. وتطورت أهداف المنح المقدمة لإنتاج مواد كيميائية تعمل على معادلة المواد الضارة وتقليل التلوث ووضع بدائل للمواد الكيمائية التي تؤدي عمليات استخلاصها لتلويث البيئة.                                                                                                             

فالكيمياء الخضراء تسعى لجعل علم الكيمياء علماً متكاملاً عن طريق تقليل ما يسببه التصنيع الكيميائي الهام للصناعات الصيدلانية والدوائية وصناعات  البترول والبلاستك والانشطة الكيميائية غير الصناعية الاخرى من تلوث وذلك بمنع تكون هذا التلوث في المقام الأول.                                                                             مبادئ الكيمياء الخضراء الإثنى عشر:                                           

1.    يفضل منع تكوين المخلفات عن معالجتها أو التخلص منها بعد تكوينها.

2.    يجب أن تصمم طرق التحضير بحيث تندمج معظم المتفاعلات لتكون المنتج النهائى.

3.    يجب أن تصمم طرق التصنيع بحيث تكون المواد البادئة للتفاعل والناتجة لها أقل قدر من السمية أو تكون غير خطيرة إطلاقا على صحة الإنسان وسلامة البيئة.

4.    يجب أن يتميز المنتج الكيميائي بأعلى درجة من الكفاءة الوظيفية وأقل قدر من السمية

 

 

5.    يفضل إجراء التفاعلات بدون استخدام مواد إضافية مثل المذيبات أو مواد الفصل وإذا لزم الأمر يجب أن تكون هذه المواد غير خطيرة.

6.    يجب الأخذ فى الاعتبار احتياج الطاقة نظرا لتكلفتها وتأثيرها البيئى – لذا يكون استخدامها فى أضيق الحدود ويفضل تصميم تفاعلات تجرى فى درجة الحرارة المعتادة .

7.    يجب أن تكون الخامات التي تحتوي على المواد البادئة ،  مواد متجددة بدلا من استنزاف الخامات غير المتجددة.

8.    يجب ما أمكن تجنب العمليات الكيميائية والفيزيائية غير الضرورية مثل اشتقاق مجموعات بعينها أو إجراء تعديلات مؤقتة فى الجزيئات .

9.    يفضل استخدام عوامل حفز متخصصة عن الاكتفاء باستخدام النسب المتكافئة من المتفاعلات .

10.      يجب أن تصمم المنتجات بحيث لا تستقر فى البيئة بعد أداء وظيفتها ويجب أن تكون قابلة للتحلل فى البيئة إلى مواد بسيطة غير ضارة بها

11.      يجب تطوير طرق التحليل الكيميائى لتواكب سير التفاعل لحظيا . بحيث تراقب وتسيطر على التفاعل قبل تكوين أى مواد خطرة .

12.      يجب اختيار المواد الكيميائية الآمنة من حيث النوع والتركيب بحيث تقلل بقدر الإمكان احتمال حدوث الحوادث الكيميائية من انطلاق الغازات أو الانفجارات أو الحرائق .

 

   أن الظرف الاستثنائي الراهن للعالم الذي سبب توقف كل نشاطات الانسان المسببة لتلوث البيئة وفي مقدمتها الصناعية ووسائل النقل المسؤولة عن حوالي مايقارب 50% من مسببات تلوث الهواء شاهد الانسان في أغلب مناطق العالم وخاصة الصناعية منها كيف أن أغلب الانظمة البيئية في البر والبحر والجو في تلك المناطق عادت الى العيان وأغلب السلاسل الطبيعية ظهرت من جديد وأثبتت الصور الجوية لتراجع تلوث الهواء بنسبة كبيرة جداً للبلدان التي يعتمد أقتصادها على الصناعة وفي مقدمتها الصين أما لتراجع ثقب الاوزون في أقطاب الكرة الارضية موضوع مستقل بحد ذاته شاهد على أن تراجع  تلوث الهواء بأكاسيد النتروجين الناتجة من الصناعة والغازات الدفيئة الاخرى أي ( رجوعها الى الحد الطبيعي اللازم للحفاظ على التوازن الحراري للكرة الارضية وهي وظيفتها من خلال الموازنة بين ما يدخل غلاف الكرة الارضية من أشعة الشمس والزائد عن حاجتها والذي تعكسه على شكل أشعة تحت الحمراء) أعطى متسع لجرح غلاف الارض هذا ليلتئم , وفي خضم هذه البحبوحة التي أخذتها الطبيعة خلال أنتشار فايروس كوفيد19 والتي كان سببها توقف نشاطات الانسان عامة يبرهن الله تعالى لنا قوله في كتابه العزيز في سورة الروم الاية 41  بسم الله الرحمن  الرحيم (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) صدق الله العظيم

فما كسبت أيدي الناس وماطالته على مكونات البيئة الاخرى فيها جور كبير فهي أمم أمثالنا كما وصفها الله سبحانه وتعالى وما كان للطبيعة الا أن تعيد توازنها الذي أختل بسبب الانسان بأمر من الله وكانت الوسيلة هذا الفايروس وقد يكون نتيجة لكل ماتقدم والله أعلم ورب ضارة نافعة ... ختاماً أتمنى أن يكون العالم بعد كورونا قد ادرك ولو على مستوى ضئيل مسؤولية نتائج نشاطاته على البيئة وما سببتها في أختلال نظامها وأن يخرج بعد هذه الجائحة وقد رد الى الله ورشده رداً جميلا وأن يعي المختصون أهمية تطبيق وسائل السلامة والاستدامة الاثنى عشر السابقة للكيمياء الخضراء لحماية وتحسين البيئة التي نعيش فيها.