مستقل النظام السياسي العراقي بعد احتجاجات 2022 (بين البرلمانية والرئاسية)

مستقل النظام السياسي العراقي بعد احتجاجات 2022 (بين البرلمانية والرئاسية)
Share |
2022-08-28

مستقل النظام السياسي العراقي بعد احتجاجات 2022

(بين البرلمانية والرئاسية)

م.د. معتز اسماعيل الصبيحي

بعد تسعة عشر سنة من الاحتلال الامريكي للعراق، فإن النظام السياسي العراقي ما يزال قيد التبلور ولم يستقر العمل المؤسسي وبنية المؤسسات الى يومنا هذا، ويبقى اتجاه البلد المستقبلي تنقصه البوصلة الموجهة. إنّ الحديث عن مستقبل النظام السياسي العراقي كما المفكر عامر حسن فياض: هو حديث عن احتياجات ومستلزمات، وتلك الاحتياجات والمستلزمات ذات أبعاد فكرية، كما هي ذات أبعاد مادية، وفيما يتعلق في الأبعاد المادية، والفكرية، فلا يحتاج بناء مستقبل النظام السياسي العراقي لعقول غير عقول أهله العراقيين، ولا لتاريخ غير تاريخ العراق، ولا لجغرافية غير جغرافية العراق الواحد الموحد، بَيْدَ ان هذا المستقبل في أبعاده الفكرية يحتاج إلى إعادة هيكلة حاضر العقل العراقي ليكون عقلاً مؤسساً على مجموعة مقومات هي بمثابة المداميك الفكرية الصلدة لعقد اجتماعي يمثل المرجعية الوطنية لعراق مستقل بلا احتلال اجنبي، لعراق المواهب وليس المذاهب، لعراق ثقافة المساهمة بدلاً من ثقافة الخضوع والإذعان، لعراق مبدأ التسامح بدلاً من الاقصاء، لعراق التعددية السياسية والحزبية بدلا من الواحدية السياسية، لعراق الاشتغال بحقوق الانسان من الوعي التحيزي الضيق الى الوعي الجمعي الواسع، لعراق الفدرالية بعيد عن المعايير القومية العنصرية والدينية الطائفية.

   إن استشراف مستقبل النظام السياسي في العراق وصل الى حالة عدم اليقين وعدم القدرة على التنبؤ بمسار التطور والتغير في الاحداث، وتنشأ هذه الحالة نتيجة عدم توافر معلومات كافية عن أبعاد القضية أو الموقف، أو عدم وضوح الفاعلين المؤثرين فيها، وغياب نمط واضح لتفاعلات الفاعلين ولديناميكية صنع القرار السياسي، وعدم وضوح الديناميكية التي تحدد سلوك الفاعلين، فضلاً عن تسارع وتعقد التغيير في القضية أو الموقف محل الاهتمام، بحيث تكون متابعة تفاصيل كل مرحلة من مراحل عملية التغيير عملية تتسم بالتعقيد.

فمن الصعب التنبؤ بما اذا كانت هناك حرب داخلية ستنشأ، كما يصعب التنبؤ بما اذا كانت العملية السياسية ستنهار بفعل الضغط والاحتجاج الشعبي فضلاً عن التدخلات الخارجية، هذه الحالة لا ترتبط بعدم القدرة على التنبؤ بوقوع الحدث فقط، وإنما أيضاً بالنتائج المترتبة على وقوعه. لكن حالة عدم اليقين التي يتسم بها واقع الدولة العراقية تدعونا لمحاولة بلورة تصورات تعين صانع القرار السياسي على الاستعانة ببعض الممكنات التي نرى أنها ستخفف من حدة الاعتراضات الشعبية على سياساته، وحددنا مجموعة من المحددات التي نرى أن على صانع القرار السياسي العراقي الحد منها في سبيل الوصول إلى استدامة الامن والاستقرار وتحقيق مجتمع الرفاهية الاجتماعية في العراق، وحددنا مستقبل العراق بثلاث سيناريوهات أو مشاهد هي:

 المشهد الاول: استمرار النظام السياسي البرلماني الحالي: يفترض هذا المشهد استمرار الصيغة البرلمانية الحالية لسنوات قادمة دون اجراء تغييرات جذرية في هيكلية النظام السياسي البرلماني العراقي الأساسية، وهذا المشهد تدفع بإتجاهه مجموعة معطيات يفرضها الواقع السياسي العراقي الذي أنتجه التغيير الخارجي للنظام السياسي في عام 2003.

المشهد الثاني: تغيير نوع النظام السياسي عن طريق ادخال تعديلات على صلاحيات رئيس الجمهورية والية انتخابه، وهذا التغيير يرتبط بإدخال تغييرات جذرية كبيرة على العملية السياسية، عن طريق تغيير طبيعة النظام السياسي الى نظام سياسي يجمع بين خصائص النظام البرلماني وبعض خصائص النظام الرئاسي. وهذا الاجراء يستدعي توافر مجموعة من الاعتبارات في الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في العراق بعد 2022.

المشهد الثالث: انتشار حالة من الفوضوية والتشظي في العراق، إذا ما تم تدارك الفراغ السياسي وحالة عدم الرضى الشعبي عن سلوكيات النخب السياسية الحاكمة، كالفوضى الأمنية التي تنتشر اليوم في مناطق عدة من الوطن العربي في ليبيا واليمن ولبنان وبعض الاقاليم التي تشهد عدم استقرار سياسي وأمني.

في النهاية، فإن النظام السياسي في العراق، يمر في الوقت الحالي، بمفترق طرق آخر، كما كان دائماً منذ تأسيس الدولة العراقية في عشرينيات القرن الماضي، لكن الفارق هذه المرة هو أن هناك فرصة حقيقية للتفاؤل بشأن الاصلاح السياسي، ليتحول العراق كدولة إلى نقطة ديمقراطية للتحول السياسي في إقليم يزدحم بالدول الدكتاتورية، أما إذا لم يحدث هذا الاصلاح فإن ما سنشهده سيشبه فصل الصيف الحار الذي شهدته المحافظات العراقية الوسطى قبل دخول تنظيم داعش الارهابي إليها في عام 2014، وسيكون على العراق الإنتظار طويلاً بعدها قبل أن ينعم بالأمان مرة أخرى، وسيدفع الكثير من دماء أبناءه وثرواته في سبيل تحقيق ذلك الأمان من جديد.

 اضغط هنا لتنزيل المقال

 
عدد المشاهدات : 139