الهجرة العكسية

الهجرة العكسية
Share |
2024-01-18
الهجرة العكسية

م.د. عمر حامد شكر

مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة الانبار

 

 

 

 

منذ عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر الماضي، التي شنتها كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة المقاومة الاسلامية حماس على جنود الاحتلال والبلدات الاستيطانية المحاذية لقطاع غزة المحاصر، لا تكاد تتوقف قائمة الخسائر الإسرائيلية على كافة الصُعد، وعلى رأسها الفشل العسكري والاستخباراتي التي ضرب سمعة إسرائيل، التي طالما ما كانت تُعّرف عن جيشها بأنه الأقوى في المنطقة وأنه الجيش الذي لا يقهر.

فخلال هذه العملية أعلنت إسرائيل عن مقتل أكثر من 1400 إسرائيلي، بينهم 291 عسكريًا إسرائيليًا بين ضابط وجندي، وأسر 199 إسرائيليًا بين عسكري ومدني.

"ارتفاع خسائر الاحتلال"

تضاعفت اعداد القتلى والجرحى في صفوف جيش الاحتلال بعد شنه حربًا واسعة النطاق على قطاع غزة، فمنذ بدء التوغل البري العسكري الإسرائيلي على القطاع في 27 أكتوبر/تشرين الاول الماضي، أعلن جيش الاحتلال مقتل 524 عسكريًا بينهم قادة إلى جانب ضباط وجنود وإصابة 2567 آخرين في ميدان المعارك.

بالمقابل استهدف الاحتلال الصهيوني منذ السابع من أكتوبر المدنيين في غزة بحرب لم يسبق لها مثيل من ناحية عدد القتلى والتدمير واستخدام الأسلحة المحرمة دوليًا، حيث  المستهدف فيها من الأطفال والنساء والرجال المدنيين، ووصل عدد شهداء غزة إلى أكثر من 24 ألف شخصًا، أكثر من 70% منهم من الأطفال والنساء، وأكثر من 61 ألفًا من المصابين، بحسب أرقام وزارة الصحة في قطاع غزة، لغاية كتابة هذا المقال.

"قانون العودة"!

منذ نشأت دولة الاحتلال بل وقبل ذلك كان الصهاينة يعملون على ترغيب أبناء دينهم للعودة إلى أرض الميعاد والأجداد كما يدعون، وعملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1948 على فتح باب الهجرة لليهود من شتى أصقاع العالم إلى فلسطين، وتجدر الاشارة هنا إلى "قانون العودة" الذي أقرّته الحكومة الصهيونية عام 1950 من القرن الماضي، حيث يُعطي هذا القانون الحق لليهود للهجرة إلى فلسطين "إسرائيل" والاستقرار فيها ونيل الجنسية الإسرائيلية، بهدف جذب يهود العالم إلى أرض فلسطين.

"مليون إسرائيلي غادروا إسرائيل"!

 

لقد غيرت عملية "طوفان الأقصى" معادلة هجرة اليهود إلى فلسطين، فيا ترى ما الذي حصل وما هي الأرقام التي توضح الهجرة العكسية لليهود من فلسطين إلى بلدانهم الأصلية أو إلى بلدن أخرى؟

في هذا الصدد اشارت القناة ال12 الإسرائيلية إلى أن عددًا كبيرًا من الإسرائيليين قدموا طلبات لجوء إلى البرتغال بعد إعلانها السماح لليهود بالحصول على تأشيرات اللجوء، شرط حيازتهم على جواز سفر إسرائيلي.

بالمقابل كشف موقع أخبار تأشيرة شنغن الأوربي، عن ارتفاع طلبات الحصول على الجنسية من قِبل الإسرائيليين ومنها: البرتغالية بنسبة 68%، والفرنسية بنسبة 13%، والألمانية بنسبة 10%، والبولندية بنسبة 10%.

 

وقد تحدثت صحيفة "زمان إسرائيل"، نقلاً عن سلطة السكان والهجرة الإسرائيلية، فإن أكثر من 370 ألف إسرائيلي غادروا البلاد منذ بداية الحرب وإلى غاية نهاية نوفمبر/تشرين الثاني، بالاضافة إلى 600 ألف سافروا إلى الخارج خلال العطلات وبقوا هناك حتى عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر الماضي ولم يعودوا إلى إسرائيل، ليصبح المجموع نحو 970 ألفًا. بحسب ما نقلته وكالة الأناضول عن الصحيفة الإسرائيلية.

وتشير التقارير إلى إن من بين الفئات التي سافرت خارج إسرائيل ورفضت العودة اليها هم الشباب الذين تم استدعاؤهم للتجنيد في جيش الاحتلال للمشاركة في حرب غزة لكنهم رفضوا العودة، بينما تنتظرهم عقوبات بسبب التخلف عن الخدمة العسكرية، خاصة في ظل ارتفاع معدل التخلف عن التجنيد في جيش الاحتلال.

ومن مؤشرات قياس الهجرة العكسية من إسرائيل إلى باقي دول العالم، عدد الرحلات اليومية في مطارات إسرائيل، فبحسب موقع "فلايت رادار 24"، بلغ عدد الرحلات الجوية من مطار بن غوريون لوحده 120 رحلة يوميًا وبمعدل 24 ألف مسافر، وهو المعدل الأكبر المسجل في المطار على مدى الأشهر والسنوات الأخير.

هذا من غير احتساب الرحلات الجوية من مطاري إيلات وحيفا، والمغادرين عن طريق البحر من ميناءي حيفا ويافا، فإن المجموع يصبح نحو 40 ألف مسافر مغادر يوميًا. بحسب ما رسمه مجموعة من الباحثين لوكالة الأناضول.

إن المتابع للتقارير التلفزيونية والصحفية للقنوات العربية والانكليزية والإسرائيلية يشاهد بأم عينيه حجم اكتظاظ المطارات في إسرائيل بالهاربين من الحرب، خوفًا على أنفسهم وعوائلهم.

إن رقم مليون مغادر أو مهاجر أو نازح أو هارب أو لم يعود إلى إسرائيل، يشكل 14% من مجمل عدد سكان إسرائيل، البالغ 7.145 ملايين نسمة، بحسب أرقام دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية. ويدلل على عدم ثقة شريحة واسعة من الإسرائيليين بالوضع الأمني.

إن رقم 370 ألف مغادر وبقاء 600 ألف آخرين دون عودة، رقم كبير جدًا خاصة وأن الحرب دخلت في شهرها الرابع، فكيف لو استمرت الحرب أكثر؟!، واستمرت صواريخ المقاومة الفلسطينية باستهداف "تل ابيب" وباقي المدن الإسرائيلية، بل وكيف اذا استمر حرق الدبابات والمدرعات الإسرائيلية، ومقتل العديد من ضباطها وجنودها على يدِ المقاومة في قطاع غزة؟، فكم من الإسرائيليين سيغادرون الأراضي التي احتلوها يا ترى؟ سؤال ستجيب عنه الأرقام في قادم الأيام خاصة مع استمرار الحرب على قطاع غزة المحاصر.

 

 

 

 
عدد المشاهدات : 291