الحرب الروسية الاوكرانية حربا تحميها الرؤوس النووية

الحرب الروسية الاوكرانية حربا تحميها الرؤوس النووية

لم تكن حرب روسيا على اوكرانيا طارئة اومفاجئة او خارجة من سياق الاحداث والمتتبع للعلاقة بين البلدين  يضع  الحرب امرا طبيعيا او ربما حتميا .

وباستعراض سريع لابرز الازمات التي اصبحت عنوانا واضحا للعلاقة بين الدولتين والتي  كانت هذه الازمات دافعا رئيسيا للحرب الدائرة الان . وحري بنا ان نستعرض ابرز الازمات عبر محطات مهمة من تاريخ العلاقة المضطربة والمتشنجة بين البلدين .

بداَ من الضروري ان نتوقف عند امران مقلقان لدى روسيا  ، وباي حال غير قابلة للتفاوض بشانهما ، وهما السلاح النووي لدى بعض دول الاتحاد السوفيتي ( اوكرانيا و كازاخستان وروسيا البيضاء ) ( اصبحت اوكرانيا ثالث دولة بالعالم تملك روؤس نووية ما يقارب 175 صاروخا بعيد المدة الى جانب 1800 راس نووي ) فضلا عن قلقها من تمدد الناتو الى حدودها الغربية . كان القلق الروسي من الأسلحة النووية هو الخشية من سيطرة الإرهابين على تلك الاسلحة ولا سيما هناك العديد من المناطق خارج سيطرة الحكومات المركزية . وعشية تفكك الاتحاد السوفيتي وهي اعقد مرحلة تمر بها روسيا لم تهمل او تتغاضى عن هاذين الامرين ، 

 عام 1992 تم التوقيع على برتوكول لشبونة ( كازاخستان اوكرانيا روسيا البيضاء وروسيا الاتحادية والولايات المتحدة ) بموجب البروتوكول فقد تخلت تلك الدول عن السلاح النووي المتواجد على اراضيها ونقله الى روسيا ، الا ان أوكرانيا وضعت شرطا هو ضمان امني وضمان وحدة اراضيها وهو ما حصلت عليه في مذكرة بودابست عام 1994 الذي وقعت عليه كل من روسيا واوكرانيا والولايات  المتحدة المملكة المتحدة . هذه المذكرة اعيد التاكيد عليها عام 2014 عندما اصبحت شبه جزيرة القرم جزء من روسيا . ودخل جدلا فقهيا حول تلك المذكرة فروسيا عدت المذكرة بانها اعلان ولم يتم التصديق عليها لذا فانها لا ترتقي بوصفها اتفاقة . وفي عام 2016 اوضحت روسيا ان الدول الضامنة لاستقلال اوكرانيا ووحدة اراضيها تعهدت بعدم استخدام السلاح النووي في الهجوم على اوكرانيا .

اما في ما يتعلق بتمدد الناتو الى حدود روسيا الغربية فقد وقفت موقفا معارضا بشدة ، فعندما حاولت جورجيا الانضمام الى الحلف ، قامت روسيا بالتدخل العسكري في جورجيا ، ودعمت انفصال واستقلال ابخازيا واوسيتيا الجنوبية واعترفت بهما . يعتقد الروس ان الغرب قام باكثر من مرة التقرب من حدود روسيا الغربية عبر توسع الناتو شرقا ، ففي عام 1999 دخلت التشيك والمجر وبولندا وكانت داغستان مرشحة الانضمام ، فقامت روسيا بأنهاء التمرد هناك . كذلك عام 2004 عندما ضم الناتو دول استونيا ولاتيفيا وقتها لم تستطع روسيا الرد بانشغالها بحرب الشيشان ومع ذلك حصلت على ضمانات بعدم نشر الصواريخ على اراضي بولندا ولاتيفيا واستونيا .

عام 2003 عندما بدأت روسيا بأنشاء سد على مضيق كيرتش وتعد هذه الخطوة من الخطوات التصعيد بين البلدين اذ هذا السد من شانه ان يغلق المنفذ الى بحر ازوف .

وفي عام 2004 دعمت روسيا المرشح الرئاسي القريب منها في الانتخابات وعند الاعتراض على نتائج الانتخابات بداعي التزوير قامت روسيا بقطع الغار عن اوكرانيا  2006 و2009 .

وعند قيام تمرد شرق اوكرانيا من انفصالين وكانت  قادرة على انهاء ذلك التمرد حسب التقارير الا ان روسيا قامت بمساعدة الانفصالين وقد تعرضت القوات الاوكرانية الى هزيمة مما دعا اوكرانيا الى رفع دعاوى قضائية ضد روسيا  . وفي عام 2015 تجدد القتال بذات الاطراف .

منذ استقلال اوكرانيا عام 1991 حرص صانع القرار الاوكراني على سياسة التوازن بين المؤثر الروسي والتغلغل الاوربي الغربي ولاسيما عندما نما الاستثمار الاوربي في مختلف المجالات وخاصة في قطاع الطاقة

عام 2004 كانت لدى القيادة  الاوكرانية الرغبة بتوقيع معاهدة الشراكة مع اوربا بذات الوقت فان القيادة الأوكرانية رفضت موضوع الانضمام الى الناتو مع المحافظة على علاقات خاصة مع روسيا وضلت القيادة الاوكرانية تحرص على العلاقة الخاصة مع روسيا

في ذات العام فاز زعيم المعارضة  بالانتخابات .  والقيادة الجديدة هذه لها ميل باتجاه الغرب وفي عهدها واجهة أوكرانيا العديد من المشكلات الداخلية كالفساد والفشل ،  ورغم الوعود بالإصلاح الا انها لم تعالج الامر .

2010 اعيد انتخاب الرئيس يانكفيتش والذي له علاقات متميزة مع روسيا والتعامل بحذر للانفتاح اتجاه الغرب  ، وتم التوقيع على اتفاقية مع روسيا باستئجار قاعدة عسكرية بحرية في شبه جزيرة القرم لمصلحة الاسطول الروسي لمدة 25 سنة ، كذلك قام البرلمان الجديد بسحب طلب اوكرانيا بالانضمام للناتو، اذ كانت اوكرانيا قد قدمت طلبا للانضمام للناتو علم 2008 واتخذ البرلمان العديد من القرارات الرادعة بوجه المعارضة التي تحرص على التقارب مع اوربا والغرب . بعد رفض الرئيس التوقيع الى اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الاوربي ادى الى تصاعد العمل الجماهيري بوجه السلطة وعلى اثر الاحداث هرب الرئيس مع بعض المسؤولين  الى روسيا تاركا فراغا سياسيا في البلاد . اعدت انتخابات جديدة فاز بها زعيم المعارضة وفي عهد هذا الرئيس انفتحت اوكرانيا باتجاه اوربا والغرب من خلال زيادة الرساميل الاوربية بمختلف القطاعات ولا سيما بعد الاعلان عن خصخصة العديد من القطاعات . هذا الامر جعل من اوربا قادرة على التأثير المباشر على صانع القرار في اوكرانيا . هذه الخطوات  ادت الى حدوث انشقاقات بالمجتمع الأوكراني بين مؤيد للخطوات وبين معارض . تطور الامر الى حدوث تصادمات وتصدع في المجتمع الاوكراني .بذات الوقت لم تكن روسيا بعيدة عن الأحداث التي تمر بها اوكرانيا فقد استغلت الاحداث وتدخلت في شرق اوكرانيا بحجج حماية الاقلية الروسية القاطنة في هذا الجزء من اوكرانيا . بل تطور الامر الى اعلان جماعات انفصالية باستقلال اقليمين شرق البلاد ( دونتسيك و لوهانسك )هذا التمرد لا قى المساعدة والتآزر من قبل روسيا . إضافة الى قيام روسيا باجراء استفتاء حول تقرير مصير شبه جزيرة القرم ومن ثم ضمها الى الكيان الروسي .

وعلى اثر ذلك اصدرت الجمعية العامة في الامم المتحدة قرارها بشان سلامة الاقليمية الأوكرانية .كما اتخذ البرلمان الأوكراني العديد من القرارات يعد روسيا دولة احتلال وخاطب البرلمان الاوكراني العديد من الجهات التشريعية عبر العالم وعدت روسيا دولة معتدية . كما قامت اوكرانيا برفع دعاوى قضائية لدى محكة العدل الدولية متهمة اياها براعية الارهاب في شرق البلاد وقيامها باعمال التمييز العنصري مع الاوكرانيين في القرم . وقد بلغت الاراضي التي وقعت تحت الاحتلال الروسي حوالي  2 . 7 من مجمل الاراضي الاوكرانية.

عام 2019 فاز الرئيس الحالي ( زلينسكي ) وبدء مشروعه الاصلاحي بمحاربة العصابات والمافيات وبرغم من مرور سنوات على حكمة لم تشر اي نتائج ايجابية لحملته .على اثر ذلك ومن خلال استطلاع تبين تراجع في شعبيته بالمقابل لخصمة مما حدا به في مواجهة روسيا من خلال العديد من الاجراءات بداً من غلق قنوات تلفزيونية وملاحقة رجال المال المقربة من روسيا الذين لهم التاثير الكبير على صانع القرار في اوكرانيا ولا سيما مع شخص يعد مقربا وصديقا شخصيا من الرئيس الروسي .بالمقابل قام الرئيس الاوكراني بتولي رجال لهم مواقف متشددة مع روسيا في ادارة مفاصل مهمة في البلاد ولا سيما في المؤسسة العسكرية وتطهير اجهزة الدولة من كل من له نفوذ وقريب من روسيا ، كما قام بتأسيس غرفة عمليات الامن القومي الأوكراني التي تصدر القرارات والاوامر بملاحقة كل من يعتقد له ميل باتجاه روسيا .إضافة الى ذلك قيامه بتوجيه النقد اللاذع الى الرئيس الروسي عبر تغريدات على وسائل التواصل . كما طلب الرئيس الاوكراني عام 2019 بإعادة النظر ببعض بنود اتفاقية منسك الموقعة عام 2015 هذا الطلب عد بمثابة استفزاز للريس الروسي . مع رغبته  بسرعة الانضمام  الى الناتو

ان روسيا تمسك بالعديد من وسائل الضغط على اوكرانيا ، اهمها شبه جزيرة القرم والمناطق المنفصلة المدعومة من روسيا اضافة الى الغاز والطاقة .

وازاء هذه الاجواء المشحونة اندلعت الحرب ببين البلدين وكل من طرفيها له مبرراته ومسوغاته على سلامة موقفه ازاء تلك المشكلات ، فروسيا تعتقد ان اوكرانيا اصبحت راس الرمح للغرب في خاصرتها فضلا  عن ما تسوقه روسيا متهمة اوكرانيا باضطهاد الروس في البلاد . اضافة الى ان روسيا تعتقد ان الاعمال التي يقوم بها حلف الناتو في البحر الاسود ومباركة اوكرانيا هي اعمال استفزازية .

واليوم يشهد العالم موقفا صرحيا من الحرب على اوكرانيا ، ولم تخفي  روسيا شروطها لوقف الحرب والانسحاب ، واهم تلك الشروط هو جعل اوكرانيا دولة محايدة ، وسحب سلاح الناتو الى ما قبل عام 1997 كذلك الاعتراف بشبه جزيرة القرم كجزء من الكيان الروسي ، مع ترتيب وضع خاص لها في اوكرانيا يراعي فيه مصالحها ،والاكثر اهمية  من تلك الشروط هو عدم انضمام اوكرانيا الى الناتو . في المقابل فان الغرب والناتو على حد سواء يجدون في اوكرانيا من الاهمية الجيوسياسية، اذ يضعون اوكرانيا كاراضي داخلية لروسيا في حال قيام حرب بين الغرب وروسيا اذ تصبح عندئذ مركزا مهما للامداد القوات عند الحدد الروسية ، وان الهزائم التي مني بها نابليون ومن بعده هتلر عند الحدود الروسية هو عدم تامين اراضي داخلية في العمق الروسي .

وفي كل السيناريوهات التي ستتمخض عنها الحرب ، وفي كل الاحتمالات ان كانت دفعت للحرب دفعا او كان قرارها مستقلا فان اوكرانيا بلدا وشعبا سيدفعون فاتورة هذه الحرب . وهذا مصير من يقبل اللعب مع الكبار في عالم ليس للصغار والمنطق مكانا .

 

د. مازن سهمي نصار

جامعة الانبار/ كلية القانون والعلوم السياسية / قسم العلوم السياسية