موقف الولايات المتحدة الامريكية من الانقلاب العسكري في البرازيل 1964

موقف الولايات المتحدة الامريكية من الانقلاب العسكري في البرازيل 1964

 

أ.د. محمد يحيى احمد                                     

شهد العالم بعد نهاية الحرب العالمية الثانية مرحلة جديدة من الصراع تمثل بالحرب الباردة، اذ اتسم هذا الصراع بمحاولة طرفيه من فرض سيطرتهم على مناطق عديدة من العالم، ومما اثار الولايات المتحدة الامريكية هو محاولة الاتحاد السوفيتي الوصول الى مناطق القارتين الامريكيتين لاسيما بعد نجاحه في زرع كيان شيوعي وسط القارة وهو كوبا، وما رافق ذلك من ازمات خلال مدة وجيزة وهي ازمة خليج الخنازير عام 1961، وازمة الصواريخ الكوبية عام 1962.

دأبت الولايات المتحدة على عدم السماح لأي جهة غيرها بالحصول على موطئ قدم في القارة الامريكية كونها تمثل العمق الاقتصادي والامني لها، لذ فقد احست بتحسن العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين البرازيل والصين بعد زيارة الرئيس البرازيلي جواو غولارت الى الاخيرة، فضلاً عن تشاوراته مع وزير التخطيط البرازيلي سيلسو فورتادو والتي تمحورت حول التقليل من الاستثمارات الامريكية والاتجاه صوب خطة للنهوض بالاقتصاد البرازيلي بالاعتماد على الصين.

ومما زاد من توجس الولايات المتحدة الامريكية من الرئيس البرازيلي غولارت هو انتقاده للسياسة الامريكية والسوفيتية ومطالبته بابعاد قارة امريكا الجنوبية عن الصراع الدائر بين الطرفين وابعاد شبح الحرب النووية عن البلاد مطالباً باستقلال الدول الامريكية بقرارها، الامر الذي زاد من شعبيته داخل وخارج البرازيل.

شهد شهر اذار عام 1964 احتدام رحى المناقشات داخل اروقة مجلس الامن القومي الامريكي ووكالة الاستخبارات المركزية الامريكية، من اجل مناقشة مصير الرئيس جواو غولارت، وتضاربت الاراء الامريكية فيما بينها بين مؤجل لحسم امر غولارت من خلال انتظار موعد قدوم الانتخابات الرئاسية الامريكية المزمع اجراؤها في تشرين الثاني عام 1965، وبين مصر على انهاء حكم غولارت بانقلاب عسكري، لاسيما بعد اتصال عدد من الشخصيات العسكرية بالملحق العسكري الامريكي ممن ابدوا رغبتهم بالتعاون مع الادارة الامريكية للاطاحة بنظام غولارت.

اتخذت الادارة الامريكية الاجراءات اللازمة من خلال تقديم الدعم اللوجستي للانقلابيين البرازيليين وذلك من تامين الوقود وذلك بعد اختيار مدينة ريسيفي لنقل تلك المواد عبر الطائرات الامريكية وبشكل سري عبر جمهورية بيرو.

انطلقت ساعة الصفر للانقلاب يوم 31 اذار 1964 بعدما وصلت السفن البحرية الامريكية الى قبالة الشواطئ البرازيلية تحسباً لاندلاع حرب اهلية بين الموالين لغولارت والموالين لقائد الانقلاب الجنرال كاستيلو، وفي غضون 24 ساعة استطاعت قوات الانقلابيين من السيطرة على عدد من كبريات المدن البرازيلية مع وصول التعزيزات الامريكية والتي تضمنت قنابل مسيلة للدموع وهراوات تحسباً لاندلاع تظاهرات مناوئة للانقلاب.

وفي الاول من نيسان استطاعت القوات الانقلابية من السيطرة على المواقع العسكرية المهمة ومبنى الاذاعة البرازيلية واصدر قائد الجيش البرازيلي اوامره للقوات الموالية للرئيس بوقف اطلاق النار بعد ايقن بعدم جدوى القتال والمقاومة.

وفي اليوم التالي ابلغ رئيس الاركان البرازيلية قائد الانقلاب الجنرال كاستيلو السفارة الامريكية بنجاح الانقلاب دون الحاجة الى التعزيزات الامريكية، وغادر الرئيس جواو غولارت على متن طائرة الى الاورغواري، كما تم اختيار رئيس البرلمان البرازيلي رانيري مازيلي رئيساً للبلاد وفوراً تم الاعتراف بحكومته وتقديم التهاني من قبل الادارة الامريكية، وبذلك اسدل الستار على واحدة من حلقات التدخل الامريكي في شؤون الدول الامريكية من خلال العمل الاستخباري او العمل العسكري اذا تطلب الامر.