الخطارة نظام  ري قديم باستخدام المياه الجوفية  في المغرب العربي بين الماضي والحاضر

الخطارة نظام ري قديم باستخدام المياه الجوفية في المغرب العربي بين الماضي والحاضر

الخطارة نظام  ري قديم باستخدام المياه الجوفية  في المغرب العربي بين الماضي والحاضر

Khattara is an ancient irrigation system using  groundwater in the Maghreb between the past and the present

ا.م.د. آمنة جبار مطر

كلية الآداب – قسم الجغرافيا

 “الخطارة”: هي هيكلُ عمل تقني هيدرولوجي وإيكولوجي يسمح بنقل المياه من الأرصدة الجوفية بشكل جاذبي عبر الصحراء القاحلة من أجل بناء وسقي واحة معينة؛ وهي لا تحتاج إلى أي مجهود ميكانيكي، وبالتالي لا تبعث أي غازات مسببة للاحتباس الحراري.

الخطارة: نظام ري تحت الأرض يستخدم في منطقة الأطلس في المغرب، هي عبارة عن قنوات مائية على شكل رواق أفقي تحت الأرض ترتبط بالآبار، وتمتد لبضع كيلومترات بهدف جمع  المياه .. والخطارات هي عبارة عن أروقة يُنشئها الفلاحون تحت الأرض ببراعة فنية، تمتد لعدة كيلومترات وتشكل نظاما فعالا لنقل المياه.

" على مدى قرون من الزمن، ظلت “الخطّارات” صمام الحياة في الفدادين والمروج والواحات، لكن تضافر عدد من العوامل والسلوك البشري أدى إلى تلف جزء كبير منها، قبل أن يعود الاهتمام إليها خلال الأعوام الأخيرة، بعد توالي سنوات الجفاف، أملا في أن تساعد على الحد من تداعيات الإجهاد المائي الذي يعاني منه دولة المغرب .

هذا الاهتمام يعكسه رقم (150)كم من “الخطارات” والسواقي التي تمت إعادة تهيئتها، بحسب المعطيات التي قدمها وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات .وعلاوة على الدور الحيوي الذي تؤديه “الخطارات” في الإنتاج الزراعي ، فإنها تشكل أيضا تراثا تاريخيا إيكولوجيا.

الخطارات :قنوات باطنية تمتد تحت سطح الأرض وتستوعب مياه بعض العيون أحيانا أو بعض الأنهار، وكانت تستخدم في الماضي للشرب والسقي. تعد واحدة من أعرق أنظمة الري التقليدية بالمغرب، وما زالت منتشرة به، كما تنتشر بعدد من الدول الأخرى، ومنها الجزائر وسلطنة عمان ومصر. يعود تاريخ الخطارات، حسب المؤرخين، إلى فترة ما قبل الإسلام، وتختلف الروايات التاريخية حول توقيت ظهورها، ويقال إن أصلها يعود إلى بلاد الفرس.

صورة انفاق الخطارة في دولة المغرب 


تاريخ الخطارات

تختلف الروايات التاريخية حول ظهور نظام الري بالخطارات في المغرب، إذ يقول البعض إن أول ظهور لها كان خلال القرن العاشر الميلادي، في عهد علي بن يوسف المرابطي (خامس حكام دولة المرابطين في المغرب والأندلس)، وهناك من يقول بوجودها قبل ذلك خلال عهد الإمبراطورية الرومانية.تشير مصادر تاريخية أخرى إلى أن الخطارات استخدمت خلال القرن الثامن قبل الميلاد، وكانت معروفة في إيران ومصر وبلاد العرب، وتحدث عنها المتخصصون في الجغرافيا في العصور الوسطى.

ويؤكد باحثون أن هذه التقنية انتقلت عبر تحركات المسلمين عبر بقاع المعمورة، ولاسيما في مصر وشمال أفريقيا وكذا في المناطق التي كانت تعاني من العجز المائي ومن ارتفاع درجة الحرارة. كما دخلت إلى الأندلس عن طريق الفتح الإسلامي لها.

ومن المؤرخين من يقول باستعمال الرومان للخطارات عند دخولهم سوريا التي صارت جزء من الإمبراطورية الرومانية سنة (64 )قبل الميلاد، وبعد دخول المغرب تحت السيطرة الرومانية متأخرا استخدمت فيه هذه التقنية. كما أبانت الحفريات الأركيولوجية عن وجود الخطارات في منطقة الخليج،ولاسيما  سلطنة عمان، خلال الوجود الفارسي قبل الإسلام.

ويبقى المغرب من بين الدول القليلة التي لا تزال تحافظ على “الخطارات”، التي يعود تاريخ انتشارها في المملكة إلى أكثر من ألف سنة، وسمحت بتوسيع مساحة الأراضي الصالحة للزراعة وخدمة الأراضي الصحراوية من خلال إنشاء الواحات.

وبحسب الروايات التاريخية، فإن أول “خطارة” بالمغرب بنيت في عهد المرابطين، كما أورد ذلك عالم الجغرافيا المغربي الشريف الإدريسي في كتابه “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق”.

ومنذ ذلك الحين “والخطارات تخدم فضاءات صحراوية واسعة، مما جعل منها مكونا اقتصاديا وثقافيا في مناطق عديدة من المغرب، كما بنيت تنظيمات اجتماعية مختلفة على جنبات الخطارات وارتكز البشر فيها نظرا لتوفر التدبير اليومي للمياه للرأسمال اللامادي للمغرب.

ومع مرور الزمن، أصبحت “الخطارة” ملكا جماعيا للقرية، إذ يمكن لكل فرد ينتمي إليها الاستفادة منها حسب توزيع محدد لساعات اليوم، إذ يتم تحويل مياه “الخطارات” إلى الأراضي الزراعية  لكل واحد من أهالي القرية حسب عدد ساعات معين خلال 24) )ساعة.

ويقدّر عدد “الخطارات” الموجودة في المغرب حاليا ب(600) “خطارة”، يستفيد من الأنشطة الاقتصادية التي تدرها، بشكل مباشر أو غير مباشر، (300) ألف شخص.

وتفيد الدراسة بأن “الخطارات” تساهم في الحد من الهجرة القروية، ذلك أن الساكنة المحلية ترفض التخلي عن أراضيها ما دامت “الخطارة” تعمل بشكل جيد، غير أن الدراسة تنبه إلى أن هذا “لا يعني أن الساكنة ليست بحاجة إلى تطوير وتجديد طرق عيشها مع الحفاظ على إرث وتقاليد الأجداد، مثل الجمع بين الخطارة والري بالطرق الحديثة”.

فإن “الخطارة” تساهم في محاربة التصحر وتقف حاجزا أمام الهجرة القروية بفضل توفير استقرار للساكنة ونشاط فلاحي محلي، خصوصا ما يتعلق بمنتوجات الأراضي الصحراوية.