التخطيط الاقتصادي والتنمية المكانية المستدامة .. الماضي والحاضر

 

 

 

 

التخطيط الاقتصادي والتنمية المكانية المستدامة .. الماضي والحاضر

Economic planning and sustainable spatial development  past and present"

أ.د. ياسين حميد بدع المَحمدي/ استاذ التنمية الصناعية/ جامعة الانبار/كلية الآداب/قسم الجغرافية

 

لم يكن التخطيط عموماً وليد الحاضر، فالأنسان منذ وجوده على الكرة الارضية اعتمد على التخطيط في تسيير امور حياته بمستوى من الفكر التخطيطي يتلائم مع المرحلة التي كان يعيشها في كل فترة زمنية، منذ التخطيط لصنعه الآت بدائية والاستقرار في قرى زراعية ثم الانتقال الى الاستقرار في المدن حيث الأساس الاقتصادي المتمثل بالصناعة والخدمات  الى ان وصل هذا الفكر التخطيطي الى مراحل متطورة جداً في الوقت الحاضر حيث دخل التخطيط في كافة مجالات الحياة. والتخطيط الاقتصادي كأحد مجالات التخطيط؛ هو خطة أو مجموعة خطط لها أبعاد زمنية وأهداف تنموية محددة تنظم عملية نقل الإقليم أو القطاع أو المشروع من واقع تنموي معين لأخر ، أو من واقع التخلف الى التطور الاقتصادي. ولم يكن التخطيط الاقتصادي على وجه التحديد وليد الحاضر ايضاً، ولم تكن بدايته كما يظن البعض جهلاً في الدول الشيوعية والرأسمالية الغربية أو الاشتراكية. بل ان في تراثنا الاسلامي والعربي الكنوز الكثيرة في هذا المجال. فأولى بدايات التخطيط الاقتصادي السليم ووضع الخطط الاقتصادية السليمة وبأبعاد زمنية منتظمة كانت من قبل نبي الله يوسف (عليه السلام) الذي وضع الأسس العامة للتخطيط الاقتصادي على مستوى الدولة. ومن خلال القراءة الدقيقة لسورة يوسف في الآيات (43-49). ? بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ?

??2?وَقالَ المَلِكُ إِنّي أَرى سَبعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأكُلُهُنَّ سَبعٌ عِجافٌ وَسَبعَ سُنبُلاتٍ خُضرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ يا أَيُّهَا المَلَأُ أَفتوني في رُؤيايَ إِن كُنتُم لِلرُّؤيا تَعبُرونَ???? قالوا أَضغاثُ أَحلامٍ وَما نَحنُ بِتَأويلِ الأَحلامِ بِعالِمينَ???? وَقالَ الَّذي نَجا مِنهُما وَادَّكَرَ بَعدَ أُمَّةٍ أَنا أُنَبِّئُكُم بِتَأويلِهِ فَأَرسِلونِ ???? يوسُفُ أَيُّهَا الصِّدّيقُ أَفتِنا في سَبعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأكُلُهُنَّ سَبعٌ عِجافٌ وَسَبعِ سُنبُلاتٍ خُضرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلّي أَرجِعُ إِلَى النّاسِ لَعَلَّهُم يَعلَمونَ ????قالَ تَزرَعونَ سَبعَ سِنينَ دَأَبًا فَما حَصَدتُم فَذَروهُ في سُنبُلِهِ إِلّا قَليلًا مِمّا تَأكُلونَ ???? ثُمَّ يَأتي مِن بَعدِ ذلِكَ سَبعٌ شِدادٌ يَأكُلنَ ما قَدَّمتُم لَهُنَّ إِلّا قَليلًا مِمّا تُحصِنونَ ???? ثُمَّ يَأتي مِن بَعدِ ذلِكَ عامٌ فيهِ يُغاثُ النّاسُ وَفيهِ يَعصِرونَ ????. من سورة يوسف.

نجد ان نبي الله يوسف قد وضع خططاً اقتصادية دقيقة على مستوى الدولة، ففي الآيات القرآنية ????،  ??8? نجده في الخطة السبعية الاولى للدولة قد وضع الخطط المناسبة لكيفية الحفاظ على ما متاح من موارد وفيرة من خلال التخطيط لتهيئة المستلزمات المادية والأمنية لذلك،  وفي الخطة السبعية الثانية وضع آلية مناسبة لاستثمار  ما متاح من موارد خلال السنوات العجاف من حيث خطط التوزيع مع خطة أمنية متزامنة لحماية القمح وفي ذلك تفاصيل تخطيطية دقيقة لا مجال لذكرها هنا . وهذه هي البدايات الحقيقية للتخطيط الاقتصادي المحدد بأبعاد زمنية منتظمة ولمفهوم التنمية المستدامة. وفي مجال التخطيط الاقتصادي لتوزيع الثروات نجد في الفكر التخطيطي الاقتصادي للخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) نظرية اقتصادية رائعة في هذا المجال قبل اكثر من (1400 سنة)  }} ليس احد أحق بمال الدولة من احد، ولا أنا (يقصد نفسه) أحق به من احد، للرجل وقدمه ( يقصد في حينها قدمه بالإسلام )، وللرجل وبلاءه وللرجل وحاجته... والله لو أطال الله بي العمر، لجعلت راعي الغنم في جبال صنعاء يستلم حقه من هذا المال وهو يرعى غنمه {{ وهذه النظرية الاقتصادية العربية الإسلامية عبرت عن عظمة فكرية وطريقة علمية مثالية في توزيع الثروات وبشكل مستدام . وهنا يمكن ان نشير الى ان مفهوم التنمية المستدامة يتضمن خطط تنظم عملية توظيف استثمار  ما متاح من موارد أو امكانيات تنموية بما يحقق الموازنة مكانياً وزمانياً بين تأمين متطلبات المرحلة الحالية والمستقبلية بأقل وقت وجهد وامكانيات. وهذا المفهوم هو الذي يحقق أهداف التنمية المستدامة التي تسعى الى تحقيق التكامل بين البيئة والتنمية من خلال تنظيم استثمار الموارد بما يضمن تحقيق الموازنة بين الانتاج والاستهلاك باتجاه تحسين نوعية الحياة الاقتصادية وتحقيق العدالة الاجتماعية لجميع طبقات المجتمع؛ وهذا بالتأكيد يتطلب وجود جهاز تخطيطي كفوء ومختص بإدارة واستدامة العملية التنموية مع مراعاة القاعدة.

 لذلك فالتخطيط الاقتصادي والتنمية المستدامة كمفهوم  ليس وليد مؤتمرات الأمم المتحدة والمؤتمرات الدولية الأوربية وغيرها كما يزعمون، بل أن هذه الدول استفادت من التراث العربي والإسلامي الغني بالأفكار التخطيطية والتنموية بمختلف مجالات الحياة وعملت في الوقت نفسه على تحطيم أي توجه تخطيطي تنموي في الدول العربية والإسلامية.