نظرة في التفسير التاريخي عند المؤرخين المسلمين

نظرة في التفسير التاريخي عند المؤرخين المسلمين

 

A look at the Historical lnterpretation of Muslim Historians

نظرة في التفسير التاريخي عند المؤرخين المسلمين

أ.د. إيمان محمود حمادي نجم العبيدي جامعة الانبار ـ كلية الآداب قسم التاريخ

إن الكتابة التاريخية عند العرب شهدت جملت تطورات كان بعضها جذرياً . وكان مفهوم التاريخ قبل الاسلام لا يعني اكثر من ايام العرب وما تتصف به من حروب و انتصارات , ايضاً كان لا يعدو اكثر من انساب العرب وقبائلهم وكانوا يعتمدون على الرواية الشفهية التي هي اقرب الى القصص يسوده بعض الخيال والأساطير تتخللها أبيات من الشعر , ولم يكن لها منهج معين في ذلك . وقد حفظت الابيات الشعرية الكثير من مآثر العرب وكان الشعر ديوان العرب وبه عرفت الكثير من الاحداث التاريخية لأنها قد تكون قد كتبت في تلك الواقعة أو ذاك الحدث . ويمكن القول أن هذه القصص تمتاز بعدم شموليتها وضيق افقها بالحدود القبلية . لذلك لا يمكن اعتبارها كتابة تاريخية معبرة عن مفهوم التاريخ المعتمد على الوحدة والشمولية والبحث والاستقصاء .

عندما جاء الإسلام احدث تغييراً سياسياً ودينياً وحضارياً كبيراً , لذلك شهد القرن الأول الهجري ظهور عدد من الرواد في كتابة الرواية التاريخية (( السيرة النبوية )) من امثال :عروة بن الزبير(ت94هـ) وأبان بن عثمان(ت105هـ) والزهري(ت124هـ) وغيرهم ممن عدوا الطبقة الأولى في تدوين السيرة النبوية التي تفرعت من تدوين الحديث النبوي الشريف . وكان أغلب من دون في مجال السيرة محدثين بالدرجة الأولى لذلك اعتمدوا على الاسناد في تدوين الرواية التاريخية . اعتماد على منهج علماء الحديث (( الجرح والتعديل )) وعلى التأكيد على سند الحديث وقيمة النص من جهة , وعلى منهج الاخباريين في رواية الحدث التاريخي من الجهة الاخرى .

ومع هذا فأن الكتابة التاريخية خلال هذه المدة أمتازت بالقصور وعدم الشمولية وعدم التركيز . وبدأ التاريخ يسير بأتجاهين اتجاه نحو تدوين السيرة الذي اكتمل هيكله على يد ابن إسحاق(ت 151هـ) والواقدي(ت 207هـ) وابن سعد(ت230هـ) . والاتجاه الاخر هو الاتجاه القبلي الذي جاء نتيجة توسع الدولة العربية الاسلامية نتيجة  حروب التحرير وكثرة الاقاليم التي انضوت تحت لواء الدولة العربية الاسلامية حيث بدأت تظهر كتب الأنساب والبلدان والأقاليم والدول . وهكذا تطورت الكتابة التاريخية وبدأت تأخذ مداها .

 ونحن ليس بصدد عرض كيف بدأ التدوين التاريخي عند العرب لكن السؤال الذي كان هدف المقال كيف فسر المؤرخون احداث التاريخ , هل خضعت الكتابة التاريخية الى التأثيرات الدينية ام للأحداث السياسية أو الاجتماعية ؟ وقد اجبنا على هذا السؤال من خلال ما عرضناه في هذا المقال الذي تضمن اعطاء نبذة مختصرة عن التفاسير عند مؤرخينا القدامى ابتداءً بالدينوري(ت282هـ) واليعقوبي (ت292هـ)والطبري (ت310هـ)الذي غلب عليهم المنظور الديني في كتاباتهم لاسيما الطبري وبعدها تطرقنا إلى المسعودي(ت346هـ) ومن ثم المقدسي (ت نحو355هـ)وذكرنا ابن الأثير(ت630ه) وكتابه الكامل في التاريخ وكذلك سبط ابن الجوزي(ت654هـ) وكنا قد اعتمدنا على طريقتين في ذكر هؤلاء وفق الاسلوبين الذي دون فيه التاريخ كان الأول وفق اسلوب الحوادث  و الثاني أسلوب التراجم ابتداءً بابن سعد(ت230هـ) وخليفة بن خياط (ت240هـ)و واعتمدنا نماذج من  المشرق ونماذج من مؤرخي الاندلس مثل ابن حزم (ت456هـ) وابن عبد البر(ت463هـ) الذين يمكن القول بانهم اعتمدوا المنظور الديني في تفسير الاحداث التاريخية .

في حين خصصنا المبحث الثاني لنماذج مختارة من المؤرخين الذين اكتملت فلسفة التاريخ على أيديهم وكان أولهم مسكوية(ت 421هـ) ثم ابن خلدون(ت808هـ) صاحب نظرية التاريخ ومن ثم ذكرنا الكافيجي (ت 879هـ) وختاماً كان مع مؤرخ القرن العاشر الهجري السخاوي(ت 902هـ).

نخلص مما تقدم إلى القول ان التدوين التاريخي عند العرب ، بالرغم من انها سارت بخط مواز لمبدأ قدرة الله عز وجل ، في صنع الأحداث ، لم تهمل دور الأنسان ، فهو العنصر المحرك للحدث التاريخي .

إن ما تم تأليفه من كتب تاريخية خلال العصر الاسلامي يمثل منعطفاً تاريخياً في تطور منهج الكتابة التاريخية ، فضلاً عن  كونها تعبر عن الطريقة التي نظر كل من هؤلاء إلى التاريخ لذلك فقد جاءت كتابات الأولين أمثال الدينوري واليعقوبي وابن خليفة والطبري وغيرهم معبرة نوعا ما عن نظرتهم أو تفسيرهم للتاريخ وأغلبهم غلبت عليهم النظرة الدينية للتاريخ ، فضلاً عن  تميزها بالشمولية مع اعتمادهم على مبدأ التحري والاسناد لجمع الروايات التاريخية . و نظر مسكويه للتاريخ بأن مسرح للنشاط الانساني ، ومستودع لتجارب العقل البشري على مر الأزمان ، وهو يخضع للفعل الانساني للعقل اما المعجزات فهي خارج اطاره لأنها معجزات الهية خاصة بالأنبياء فقط لذلك حذف التاريخ الديني من كتابه لذا فنظرته كانت سياسية وأخلاقية فحمل الملوك والقادة الدور القيادي في البناء الحضاري .أما ابن خلدون فكانت نظرته أوسع وأدق للتاريخ فهو بحث في أسبابه وأعطاء الحقائق وربطها بالعمران البشري . وهذه المقالة جاءت بمثابة نظرة موجزة عن تفسير هؤلاء الرواد للتاريخ .